في حضرة سماحة السيد “حسن نصر من الله” الذي رحل ولم يرحل
بقلم: عبد الهادي الراجح
لم أصدق، ولا أريد أن أصدق بأن السيد حسن نصر من الله قد رحل عن دنيانا وهو في ساحة الميدان بطلاً مقاوماً شهيداً صادقاً مع الله ومع نفسه وشعبه وأمته ، لقد نعاه حزبه المقاوم ولكننا لم نصدق أو لا نريد أن نصدق أن تلك الطلة البهية لسماحته قد غابت عن الوجود، وهي التي كانت تشرح القلوب وتطمئننا لمجرد ظهورها البهي وتبشرنا بالنصر والتحرير، وإن العدو أوهى من بيت العنكبوت كما كان يقول سماحته ، لقد صدق مع الله وأعطاه الله ما يتمنى وقد استشهد في ميدان الرجولة والشرف مقبلاً لا مدبر مقاوماً لا مساوماً ، استشهد هذا الاسد الحسيني كما يتمنى.
أيام وأنا أفكر بعد الصحوة بصدمة الحقيقة بأن سماحة السيد حسن قد ارتقى شهيداً عزيزاً كما تمنى، ولا يليق بسيد المقاومة وتاريخها المشرف أن يرحل وهو على فراشه، وقد جاءت ساعة القدر فقد سبقه لجنات النعيم ابنه وفلذة كبده الشهيد هادي حسن نصر الله، وقادة حزبه العظام عباس الموسوي أول أمين عام لحزب الله، وعماد مغنية، وسمير قنطار، وابراهيم عقيل، وفؤاد شكر، ووسام الطويل، والشيخ نبيل يحيى طاووق، وعلي كركي، ومحمد السرو،ر وابراهيم قبيسي وغيرهم من الشهداء ، وها هو حزب الله اليوم يخوض أشرف المعارك وأعظمها وأنبلها دعماً وإسناداً لأهل فلسطين ولغزة المظلومة تحديداً، ولم يزد الحزب استشهاد قائده وأمينه العام ورفاقه الأبطال إلا ما تعلموه من مدرسة سيد المقاومة بعبارته الخالدة التي اختصرت كل الكلام عندما قال : (اذا استشهدنا فقد انتصرنا وإذا لم نستشهد نكون ايضاً قد انتصرنا) ، هذا هو السيد حسن نصر من الله وهذه مدرسته الجهادية.
ما تعرض له حزب الله قبل استشهاد سماحة السيد حسن من مؤامرات دنيئة أكبر من قدرات العدو الصهيوني وإمكانياته، وذلك عندما تم زرع متفجرات في بطاريات أجهزة البيجر وأجهزة الراديو مما أدى إلى استشهاد وجرح المئات من بيئة المقاومة وأعضاء من حزب الله منهم قادة، وهنا تجلت المدرسة الجهادية للشهيد الحسيني أبي الهادي عندما أعلن بأننا تعرضنا لضربة قاسية، لم يحاول تهوين الأشياء وإنكار الحقيقة، ولكنه استطرد إننا في الميدان ولم تهزنا هذه الحادثة رغم حجمها وإن تلك المؤامرة التي ترافقت مع اغتيال بعض القادة في الحزب كانت كفيلة بأن يجعل دولا تنهار، ولكنها الروح الجهادية الحسينية العباسية التي زرعها سماحة السيد حسن نصر من الله وقادة حزبه العظام .
وفي نفس اليوم الذي استشهد فيه سماحة السيد حسن أمطر الحزب كيان العدو الصهيوني بعشرات الصواريخ وكان في ذلك رسالة مفادها أن سماحة السيد زرع فكرة المقاومة في القلوب والضمائر والفكرة لن تموت باستشهاد صاحبها.
الكتابة عن انجازات سماحة السيد حسن نصر من الله تحتاج لمجلدات فهو أحد أهم وأعظم الشخصيات العربية في المنطقة التي لعبت دوراً عظيماً يكفيه فخراً تحرير جنوب لبنان وكيف تعامل مع جيش العملاء عصابة انطوان لحد ممن سلموا أنفسهم عندما هرب مشغليهم الصهاينة وتركوهم لمصيرهم وكيف أن الحزب القادر بقيادة سماحته ومن منطلق القوة سلمهم للقضاء اللبناني ، لقد كان سماحة السيد حسن نصر من الله جامعاً موحداً للصف الوطني اللبناني والقومي العربي تمكن بحكمته وإدارته وعبقريته من تجاوز كل الفتن الدينية والطائفية والعرقية التي حاول العدو العمل عليها مستغلاً الفسيفساء اللبنانية منذ انشاء الدولة اللبنانية .
سماحة السيد حسن نصر الله شخصية قيادية منفردة بكل ما تحمل الكلمة معنى ، لقد احترمه خصومه السياسيين المنصفين قبل أنصاره حتى العدو الصهيوني كان لا يأخذ بكلام اي من القادة العرب طيلة الصراع العربي الصهيوني منذ ستة وسبعون عاماً النكبة العربية الكبرى إلا الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وسماحة السيد حسن نصر من الله ، نعم لقد استشهد سيد المقاومة بعد أن كحل عينيه برؤية الجنوب اللبناني حراً عزيزاً محرراً من العدو وكان رحمه الله الأكثر التصاقاً بقضايا وطنه وأمته والانسانية جمعاء وهو الذي حدد منذ انشاء الحزب في مطلع ثمانينيات القرن الماضي إن الصراع مع العدو الصهيوني صراع وجود وليس نزاعاً على الحدود .
ترجل هذا السيد الحسيني اليوم عن صهوة جواد الحياة مقاوماً شهيداً بعد صراع طويل وملاحقة من الكيان الصهيوني ومشغليه الأمريكان والخونة من الأنظمة الناطقة بالعربية لما يقارب الأربعين عاماً ، استشهد بما يليق به الاستشهاد ويكفي أن نقول أن العدو أفرغ كل أحقاده التلمودية والتوراتية في خمسة وثمانين طنا من المتفجرات حيث دمر عددا كبيرا من البنايات السكنية في تلك المنطقة بهدف الوصول لسماحة السيد حسن الذي ارتقى شهيداً كريماً معززاً ، لقد فقدته الأمة العربية وكل أحرار العالم ولكنه زرع الفكرة المقاومة بالقلم والبندقية التي ستعيش أكثر من صاحبها ، لقد اغتالوا قبل سماحته سلفه الشهيد عباس الموسوي والشهيد فتحي الشقاقي والشهيد أحمد ياسين والشهيد أبو علي مصطفى والشهيد وديع حداد والشهيد ياسر عرفات وما بينهم وقبلهم وبعدهم من قادة ورموز المقاومة، ولكن ها هي الفكرة المقاومة تتواصل وتكبد العدو الخسائر وتجعله لا يشعر بالأمن وأنه معزول ووجوده غير طبيعي، رغم انبطاح المنبطحين وخذلان المتخاذلين وزمرة الطابور الخامس من العملاء المأجورين.
سماحة السيد حسن نصر من الله هو العامود الأساسي المؤسس لمحور المقاومة والصمود الذي أصبح فكره مزروعا في كل الأجيال الصاعدة، وقد كان الرد على استشهاد سماحته المزيد من المقاومة والصواريخ المباركة التي أشعرتنا بالوجود كأمة عربية ، صحيح أن استشهاده خسارة لا تعوض فحضوره بالكاريزما التي حباه الله بها كان طاغياً، ولكن القادة العظام أمثال حسن نصر الله أنجبوا قادة آخرين على نفس الدرب.. رحمك الله يا سيد المقاومة وما أصعب وأقسى أن نقول اليوم ما أصبح يسبق اسمك الكريم من اوصاف بعد الاستشهاد من متل: الشهيد والفقيد والمغفور له في ذمة الله.. نم قرير العين أيها الأسد الحسيني فقد زرعت الفكرة العظيمة وستحصد الأمة العربية نتاج هذه الفكرة بفلسطين محررة من البحر للنهر بعد زوال الاحتلال، وسيسقط كل حراس العدو الصهيوني في المنطقة، وسيكون ذلك الطريق المعبد نحو أمة عربية واحدة لها مكان تحت الشمس بين الأمم والشعوب.. ولا نامت أعين الجبناء ولا العملاء .