يا شعب مصر أما آن لك أن تنتفض للحق ؟؟
بقلم: مجدى أحمد حسين*
ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق
هكذا خاطب الله سبحانه وتعالى المؤمنين بعد 13 عاما من نزول القرآن ويقول المفسرون لقد استبطأهم الله وهم من الصحابة وبينهم رسول الله صلى الله عليهم وسلم وأنهم ركنوا إلى الرفاهية بعد الهجرة إلى المدينة .. فلا تنزعجوا من أحوالنا فى مصر ، بعد أكثر من 14 قرنا من نزول القرآن ورحيل محمد صلى الله عليه وسلم عن عالمنا دون حتى أن نأتنس برؤيته .. لا تبتأسوا فنحن فى مصر فى كبوة وإن طالت ويجب ألا نستسلم لها. هكذا خاطب الله المؤمنين فى سورة الحديد ثم تحدثت بعد ذلك عن الجهاد الصناعى والحربى باعتباره البرهان على صدق المؤمنين فى حب الله وسعيهم المخلص لمرضاته ونصرة دينه .
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
ولا أريد أن أسترسل فى دراسة وتقييم أصعب موضوع يمكن تناوله وهو : ماذا أصاب المصريين ؟ ما الذى حدث لهم ؟ كيف تبلدت مشاعرهم على مدار عام بكامله ؟ أو تمكنوا من كبتها وتحويلها إلى دموع سرية خلف الحوائط أو أقنعوا أنفسهم إن المقاطعة تكفى ؟ وخرج منظرون ثوريون يقولون إن المقاطعة اقتراح عبقرى لأن الاستبداد لا يسمح بغير ذلك . يقولون أن الخوف هو السبب . ولو كان الأمر كذلك فهذا أعظم تنظير ودفاع عن صواب ونجاح الاستبداد ، فالاستبداد وصفة معروفة وإذا طبقت تصبح الشعوب مساقة كالبغال والحمير . لا والله الاستبداد شخصيا لو كان رجلا لسخر منكم وقال أنا برىء من هذه التهمة ، والخوف الذى هو انعكاس للاستبداد لو كان رجلا لقال لكم : لست مسئولا عنكم ، أنا مجرد ثوب يمكن أن تلبسه أو تخلعه . وهذا ما قاله الشيطان بالضبط : إنى برىء منكم إنى أرى ما لا ترون إنى أخاف الله والله شديد العقاب . الأنفال 48
نحن نعيش فى أتون معركة فاصلة ستحدد مصير أمتنا لسنوات طويلة مقبلة ولا وقت للتفلسف ولا وقت للتأمل وتقليب الأمور على أوجهها المختلفة . فالحق بين وأبلج والباطل لجلج ومكشوف .
القصص والحواديت كثيرة ولا تنتهى ويمكن أن نظل نلوكها على الفيس بوك وغيره حتى يأتى اليوم الذى تجد فيه إماراتى أو اسرائيلى صريح يدق باب بيتك و يطلب منك المغادرة لأن المنطقة قد تم شراؤها . وهذه ليست نكتة أو مبالغة ، هذا حدث فعلا فى مناطق عديدة بالبلاد .. رفح المصرية حتى العريش ، بور سعيد الجميل ، مثلث ماسبيرو ، راس الحكمة وما حولها حتى مرسى مطروح ، وغدا على طول البحر الأحمر من راس جميلة حتى راس بناس .. لاحظ كيف تنتقص مصر من أطرافها ، ولكن القلب لن يترك أبدا .. فهناك حديقة الحيوان والأورمان والأسماك تم الاستيلاء عليها ، وجزيرة الوراق يجرى الصراع حولها بين المحتلين والسكان الأصليين ! كما حدث فى استراليا وأمريكا .
نحن نتعرض لهجوم خارجى وهو موجة جديدة أكثر عتوا ولكننا تحت الاحتلال منذ كامب ديفيد ، والاحتلال درجات ونحن الآن فى أعلى مراحله : تفكيك الدولة نفسها . وتسليم القياد مباشرة لمكتب صندوق النقد الدولى بالقاهرة هو الذى يدير الاقتصاد ، والمحتل الأجنبى غير مهتم بحكاية الاستبداد بل يهتم أساسا بالسيطرة على البلاد وأن يظل تحالفها الأساسى مع اسرائيل والأردن والامارات وهو محور الخير الذى أشار إليه نتنياهو فى الأمم المتحدة مؤخرا مع السعودية والسودان . نتنياهو أعلن نفسه ملكا على اسرائيل ثم على الشرق الأوسط ، وهو يقول أنه سيادته بصدد تغيير وتعديل وضبط خريطة الشرق الأوسط ، وهو لا يهرف بما لا يعمل بل يسعى لتنفيذ ما اتفق عليه مع سيده وحليفه الأكبر أمريكا . وهو الآن يقصف سوريا ومناطقها المدنية بعد غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن و ايران ويسعى لقصف العراق . وهو كملك للشرق الأوسط يخاطب الشعب الايرانى ويدعوه للثورة على الجمهورية الاسلامية ، ثم ينتقل إلى لبنان ويدعو السنة والمسيحيين والدروز للثورة على حزب الله والشيعة ، وهو يؤكد منذ سنواته أنه فى تحالف استراتيجى مع السنة : يقصد حكام محور “الخير” ، ولم يخرج أى حاكم منهم ولا اعلامى من أتباعهم يقول لنتنياهو لا تتحدث عن تحالف مع السنة .
هذا الحلف الصهيونى الأمريكى الغربى حاربنا بالاقتصاد والسلاح ، ومصر تحارب منذ سنوات بالاقتصاد لأنها أخرجت نفسها من الصراع المسلح ، فهى لا تترك . لا يريدون أن يتركوها بلدا متماسكا قد يغير سياسته فى أى وقت فلابد من تفتيته وضربه اقتصاديا ، باغراقه فى الديون وبكل وصفة الصندوق التى لا تترك بلدا يخضع له يتمتع بأى استقلال . كذلك حوربت لبنان بالاقتصاد منذ سنوات وسرقوا منه مليارات البنوك وأخضعوه للحصار حتى يلفظ حزب الله . وأيضا عندما فشلت المحاولات المسلحة المستميتة والتى صرفت فيها تريليونات الدولارات فى سوريا ، عادوا إلى الحصار الاقتصادى بقانون قيصر الذى يطبق على لبنان وسوريا . وعندما لا يكفى الحصار يعودون إلى الضربات العسكرية الجوية الاسرائيلية مع نشاط العملاء من داعش والجيش السورى الحر والقاعدة فى إدلب ودرعا وكل هؤلاء أصبحوا متصلين مباشرة باسرائيل . مع استمرار الوجود العسكرى الأمريكى فى أكثر من موضع بالشمال والشرق والدور التركى المتردد بين الأطراف . وفى لبنان يعودون إلى الحل العسكرى بعد فشل التطويق الاقتصادى عبر السنين .
نعود إلى مصر .. وهى بحكم الموقع والموضع والتاريخ والحضارة والثقافة هى فى موقع القيادة الطبيعية للأمة العربية ، ولكنها تخلت عن هذا الدور طواعية بالتدريج منذ كامب ديفيد ، وكانت أسوأ مقايضة فى التاريخ أن تحصل على سيناء مقيدة التسليح والتعمير مقابل تسليم مصر كلها للحلف الصهيونى الأمريكى وقد تم ذلك أيضا بالتدريج حتى وصلنا إلى هذه الصورة الفجة من بيع مصر قطعة قطعة ، حتى تفضل علينا شخص إماراتى ليقول فى تلفزيون مصرى إن كل شىء فى مصر يمكن أن يباع عدا الأهرامات ، وهو الشخص الذى عرض شراء شارع صلاح سالم . ولكن الأهرامات غير سالمة من العروض الاستثمارية ، وبعضها بدأ فعلا ولكن أحدا لا يتابع . بعنا مينا هاوس ، وكاتاركت وكل الفنادق التاريخية كمن يبيع شرفه وتاريخه.
الغلاء الذى نعيشه هو النتيجة المنطقية لبيع أصول مصر والاقتراض لبناء مشروعات غير انتاجية .. وتبوير المشروعات الصناعية والزراعية ورفع لواء الاستيراد من الخارج ثم نصرخ لعدم كفاية الدولارات وكأننا نكتشف شيئا عجيبا . إن أى طفل فى الاقتصاد يمكن أن يدرك ان الاعتماد على الاستيراد بديلا عن الانتاج الوطنى لابد أن أن يخلق أزمة فى الدولار وبالتالى أزمة غلاء طاحن مع انخفاض قيمة الجنيه المصرى .
عندما استعرت الحرب القومية الكبرى فى 7 أكتوبر 2023 ، كانت امتدادا لمواقع ومعارك سابقة لم تتوقف من أفغانستان والعراق حتى سوريا واليمن وغزة ، حملة متواصلة من الحلف الصهيونى الأمريكى الغربى ، حتى داعش التى ارتدت رداء الاسلام لم تكن إلا رديفا لهذه الحملة عبر قطر والسعودية وتركيا . فى العام الأخير أصبحت الحرب على أبواب وحدود مصر ولم يعد من المتصور أن تقف مصر على الحياد ، ولكن مصر الرسمية بعد أن أرعدت وأزبدت وهددت بتجميد كامب ديفيد أو إلغائها أو حتى إعلان الحرب على اسرائيل لحماية معبر رفح وممر صلاح الدين ، عادت وتراجعت ، وقطعت علاقتها بغزة وكل فلسطين . وفجأة يقال لنا أننا سنحارب فى الصومال وارتريا . ويعلم الله اننى لم أجد من يهتم بالسودان والصومال والقرن الافريقى أكثر منى فى الوسط السياسى المصرى وأعرف أهمية علاقة مصر بالصومال من الناحية الاستراتيجية وكتبت عنها منذ أواخر القرن الماضى العشرين فى جريدة الشعب وصدر لى كتاب عام 1997 بعنوان هموم الأمة تضمنت مقالاتى عن الأمن القومى المصرى والعربى فى البحر الأحمر . وقدم له الفريق سعد الدين الشاذلى وصدر عن دار الحسام بالقاهرة . ولكن الأمن القومى حلقات ودوائر ومن غير المعقول أن تترك حدودك على فلسطين فى يد العدو وتذهب للحرب فى أقاصى الأرض بدون أى خطة لضرب سد النهضة والمفترض أنها إذا كانت واردة تكون عملية جوية خاطفة وليس بالحشود والحرب البرية . علما بأن اسرائيل التى تطبق على حدودنا الشرقية الآن وتذبح أخوتنا فى فلسطين هى التى وراء مشروع سد النهضة للسيطرة والرقابة الاستراتيجية على مياه النيل ولتحصل على نصيب إجبارى من هذه المياه . وقد كتبت أكثر من مرة : إن حل مشكلة سد النهضة يكون بالضغط على اسرائيل بمساعدة غزة عسكريا ، قلت ذلك قبل 7 أكتوبر 2023 ، ويظل صحيحا بعد ذلك .
أصبح القتال فكرة معجزة خارقة للواقع فى مصر وهذه من أمراض كامب ديفيد ، ولكن لماذا لم تتخذ خطوة واحدة ضد اسرائيل فى محاولة جادة لوقف المذابح : تصعيد المقاطعة الدبلوماسية إلى حد إغلاق السفارة الاسرائيلية وقف كل أشكال التطبيع والعلاقات التجارية مع العدو الدموى المجرم . والحركة الشعبية مطالبة بحمل كل هذه الشعارات والأهداف .
لابد من حملة لإدخال المساعدات لغزة بالقوة عبر معبر رفح القديم أو عبرأى نقطة أخرى . إن التخلى عن أشقائنا على بعد مسافة صفر من حدودنا يجعلنا بلد بلا قيمة ودولة بلا وزن أو كرامة ، وحسابنا عسير فى الآخرة ولكننا نحصل على نصيبنا من العذاب الدنيوى بكل هذه الأزمات الطاحنة التى تعتصرنا .
لابد من وضع التضامن مع غزة ولبنان ومواجهة هذا العدو الصهيونى الدموى على رأس جدول أعمالنا ، وسيكون هذا هو الطريق لفك باقى العقد التى خلقها لنا نفس العدو الذى يذبح غزة ولبنان .
والحديث ممتد
*باحث اسلامي و كاتب مصري