العدوان الصهيوني المرتقب على إيران وإنشاء “شرق أوسط جديد”
بقلم: توفيق المديني
يعيش إقليم الشرق الأوسط على وقع مرور الذكرى الأولى لانطلاقة عملية طوفان الأقصى في 7أكتوبر 2023،وقد تبين بشكلٍ جليٍّ وواضحٍ أنَّ العدو الحقيقي للمقاومة الفلسطينية واللبنانية،هو الإمبريالية الأمريكية التي تقود تحالفًا دوليًا وإقليميًا داعمًا رئيسًا للكيان الصهيوني في استمراره لخوض حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزَّة، وفي عدوانه الهمجي والوحشي على لبنان، حيث كانت الجبهة اللبنانية الشمالية أكثر ساحات الإسناد لقطاع غزة تأثيرًا في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
كما يعيش الإقليم أيضًا على حافة اندلاع حربٍ إقليميةٍ كبيرةٍ وشاملةٍ بين الكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين وعلى رأسهم أمريكا من جهة، وإيران قائدة محور المقاومة من جهة أخرى، في ضوء اقتراب الموعد الوشيك لشنِّ العدو الصهيوني عدوانًا جديدًا على إيران، يتوقعه الخبراء و المحللون في المنطقة أنْ يكون كبيرًا، والمرجّح أن يشمل مزيجاً من الضربات الجوية على أهداف عسكرية ونووية في إيران وهجمات سرّية، وأخرى تتعلق بتوجيه ضربات للبنية التحتية النفطية الإيرانية، والتي كان الرئيس الأمريكي بايدن قد أشار في وقت سابق إلى أنَّه سيعارضها.
ويأتي هذا العدوان الإسرائيلي المرتقب على إيران ردًّا على الهجوم الذي شنّته إيران في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2024، عبر إطلاق أكثر من 180 صاروخاً،على القواعد العسكرية والإستخباراتية الإسرائيلية في فلسطين المحتلة .
هل يستهدف العدوان الإسرائيلي المنشآت النووية الإيرانية؟
حسب ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقريرها الصادر يوم 8أكتوبر 2024 ، فقد يتجه الكيان الصهيوني إلى ضرب مواقع عسكرية إيرانية في سوريا أو العراق، والتي تُستخدم لنقل الأسلحة والتكنولوجيا إلى فصائل محور المقاومة مثل حزب الله في لبنان. ويأتي ذلك كجزء من استراتيجية “إسرائيل” المستمرة في منع تعزيز القدرات العسكرية لمحور المقاومة.
كما أفادت “نيويورك تايمز” أنَّ قيادات الكيان الصهيوني ، وبعد نقاش طويل داخل الحكومة والأجهزة الأمنية، قرَّرتْ تأجيل استهداف المنشآت النووية الإيرانية إلى مرحلةٍ لاحقةٍ، ويُرجح أن هذا القرار يعكس تردُّدًا إسرائيليًا بشأن مدى الفعالية التي يمكن أن تحققها الضربات الجوية على منشآت نووية محصنة تحت الأرض، مثل مفاعل “فوردو” ومنشآت تخصيب اليورانيوم.
وأعرب مسؤولون إسرائيليون تحدثوا للصحيفة عن شكوكهم حول قدرة “إسرائيل” على إلحاق أضرار كبيرة ومستدامة بالبرنامج النووي الإيراني، حيث عملت إيران على حماية منشآتها النووية بشكل جيد من خلال تقنيات الدفاع الجوي والمواقع الجوفية، ما يجعل أي هجوم محتمل معقدًا للغاية ويتطلب تخطيطًا دقيقًا.
لقد تدربت القوات الجوية الإسرائيلية، التي تمثل القوة الضاربة للكيان الصهيوني على إجراء العدوان على إيران بمفردها، رغم أنَّ المحللين و الخبراء الصهاينة و الأمريكان يعتقدون أنَّ فرص نجاح العدوان الإسرائيلي في تحقيق أهدافه ستكون أعلى بكثير إذا انضمت الولايات المتحدة – بترسانتها من “مدمرات المخابئ” التي يبلغ وزنها 30 ألف رطل .
وكان الرئيس بايدن حذر رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو من ضرب المواقع النووية أو مواقع الطاقة في إيران، قائلاً إنَّ أي ردٍّ يجب أن يكون “متناسبًا” مع الهجوم الإيراني على “إسرائيل” الأسبوع الماضي، معترفًا في الأساس بأنَّ بعض الضربات المضادة مناسبة. كان وزير الدفاع لويد أوستن الثالث واضحا مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، بأنَّ الولايات المتحدة تريد من “إسرائيل” تجنب الخطوات الانتقامية التي من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد جديد من قبل الإيرانيين.
وكانت أحد الأسباب التي دفعت الكيان الصهيوني لتأجيل استهداف المواقع النووية هو الرغبة في التنسيق بشكلٍ وثيقٍ مع الولايات المتحدة، خاصةً مع تغيرات السياسة الأمريكية تجاه إيران، فالولايات المتحدة تحت إدارة بايدن تميلُ نحو الطرق الدبلوماسية، وتفادي التصعيد المباشر في ما يخص البرنامج النووي الإيراني، ما قد يعقد أي عمليات عسكرية منفردة تقوم بها “إسرائيل”.
رغم التردُّدِ الحالي، قد تتغير هذه الحسابات في حال تصاعدتْ التوترات أكثر بين “إسرائيل” وإيران، أو إذا تمَّ اكتشاف تسريع غير معلن في برنامج إيران النووي. في هذا السياق، يمكن أن تلجأ “إسرائيل” إلى عملياتٍ سرِّيةٍ أو ضرباتٍ محدودةٍ تستهدف شلَّ قدرات إيران العسكرية والاستخباراتية دون التصعيدِ نحو استهدافِ المواقع النوويةِ بشكلٍ مباشرٍ.
اليمين المتشدد سواء في أمريكا أو في الكيان الصهيوني، يعتبر أنَّ الفرصة – سانحةٌ لتأخير، لسنواتٍ أو أكثر، القدرة الإيرانية التي يقول مسؤولون استخباراتيون أمريكيون وخبراء خارجيون بشكل متزايد أنَّ إيران يمكنها بكل تأكيد زيادة التخصيب لإنتاج اليورانيوم الصالح للاستخدام في صنع القنابل النووية في غضون أشهر، أو رُبَّمَا أكثر من عام لتحويل هذا الوقود إلى سلاح قابل للإيصال للهدف.
كتب نفتالي بينيت، القومي المتشدد ورئيس الوزراء السابق الذي وصف نفسه ذات يوم بأنه على يمين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي: ”لدى إسرائيل الآن أعظم فرصة منذ خمسين عامًا، لتغيير وجه الشرق الأوسط. يجب علينا أن نتحرك “الآن” لتدمير البرنامج النووي الإيراني، ومرافق الطاقة المركزية، وشل هذا النظام الإرهابي بشكل قاتل”.
لا شك أنَّ العدوان الإسرائيلي على إيران باستهدافه ضرب المنشآت النووية، تحول إلى موضوع داخلي أمريكي يتم توظيفه في الحملات الانتخابية للمرشحين الجمهوري والديمقراطي .فقد زعم الرئيس السابق دونالد ترامب أنَّ “إسرائيل” يجب أن “تضرب النووي أولا وتقلق بشأن الباقي لاحقا”. إنَّه نهجٌ تَجَنَّبَهُ عندما كان رئيسًا. كما انتقد النائب مايكل تيرنر، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، بايدن في برنامج “Face the Nation” على شبكة سي بي إس، قائلا إنه “من غير المسؤول تماما أن يقول الرئيس إنَّ الأمر غير وارد، عندما قال سابقا إنه على الطاولة”.
ويظل الجدل مستمرًا في داخل الولايات المتحدة حول موضوع ضرب المنشآت النووية الإيرانية فإذا هاجمت إسرائيل إيران، فما مدى قدرتها على إعاقة قدراتها النووية؟ أم أنَّ النتيجة ستكون ببساطة دفع البرنامج النووي الإيراني إلى الاختفاء عن الأنظار، الأمر الذي سيدفع إيران إلى منع المفتشين النوويين القلائل الذين ما زالوا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى منشآتها الرئيسية؟ وماذا لو دفعت الضربة الإسرائيلية زعماء إيران إلى اتخاذ قرار نهائي بالتسابق نحو صنع القنبلة النووية ـ وهو الخط الذي لم تتجاوزه القيادة الإيرانية طيلة ربع قرن تقريبا؟
على مدى اثنين وعشرين عاما، كان مركز اهتمام “إسرائيل” ـ وأمريكا ـ في إيران هو مصنع تخصيب اليورانيوم في نطنز، المدفون على عمق ثلاثة طوابق في الصحراء.وقد وضعتْ “إسرائيل” خططا لتدمير أو شلِّ قاعةِ أجهزةِ الطردِ المركزيِّ العملاقةِ، حيث تدور آلاف الآلات الفضية الطويلة بسرعة تفوق سرعة الصوت حتى يقترب اليورانيوم من المواد التي يمكن استخدامها في صنع القنابل.
أبرز المنشآت النووية الإيرانية وسط التهديد الإسرائيلي باستهدافها
1-منشأة نطنز
تعدّ منشأة نطنز أو منشأة “الشهيد مصطفى أحمدي روشن”، العالم النووي الإيراني الذي اغتالته إسرائيل عام 2012، الأهم في إيران لتخصيب اليورانيوم، إذ تحتوي على أكبر عدد لأجهزة الطرد المركزي المستخدمة في التخصيب، وتستوعب طاقتها تشغيل 54 ألف جهاز طرد مركزي. تقع المنشأة في منطقة نطنز بمحافظة أصفهان على بعد أكثر من 220 كيلومتراً من العاصمة الإيرانية طهران.
وتقع أقسام من صالات تخصيب اليورانيوم في نطنز في أعماق 40 إلى 50 متراً تحت الأرض، لكن لكونها تقع في صحراء مفتوحة، فإن ذلك يشكل تهديداً لها أمام هجمات جوية، في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية والأميركية ضد البرنامج النووي الإيراني. غير أنّ إيران عملت على حفر شبكة أنفاق ضخمة جنوب منشأة نطنز، عام 2022، اعتبرته “نيويورك تايمز”، حينها، أكبر جهد إيراني حتى الآن لبناء منشآت نووية جديدة في أعماق الأرض قادرة على الصمود بوجه القنابل والهجمات الإلكترونية.
2-موقع UCF
وإلى جانب منشأة نطنز، تحتضن أصفهان مركزاً نووياً مهماً آخر تحت مسمى موقع أصفهان النووي أو مركز معالجة اليورانيوم (UCF)، الذي بُني على مساحة 60 هكتاراً، وهو يشتمل على نحو 60 منشأة ومركز إنتاج تعمل في الصناعة النووية الإيرانية، منها عدة مفاعل نووية. ومن أهم النشاطات النووية في مركز معالجة اليورانيوم، انتقال الكعكة الصفراء إليه لمعالجتها، وإعدادها في عملية التخصيب لإنتاج الوقود النووي، لكن المركز لا يقوم بتخصيب اليورانيوم.
وفي 5 فبراير/ شباط 2024، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، مشروع بناء المفاعل الرابع، وهو مفاعل بحثي في موقع أصفهان النووي، أو ما يعرف بمركز معالجة اليورانيوم UCF.
3-منشأة فوردو
تعتبر منشأة فوردو موقعاً نووياً أكثر تحصيناً بين المنشآت النووية الإيرانية. عملت السلطات الإيرانية النووية على إنشائها في أعماق 90 متراً داخل جبال منطقة تحمل الاسم نفسه في محافظة قم، التي تقع بين أصفهان وطهران على بعد 160 كيلومتراً من العاصمة الإيرانية.
لم تكن المنشأة معروفة قبل سبتمبر/ أيلول 2009 عندما تسربت معلومات استخباراتية أمريكية وفرنسية كشفت عنها، ثم أعلنت الحكومة الإيرانية أنها بنت المنشأة في عمق الجبال لتخصيب اليورانيوم حفاظاً على أمن المواطنين وفي إجراء احترازي في مواجهة أي هجوم جوي محتمل.
تعتبر منشأة فوردو موقعاً نووياً أكثر تحصيناً بين المنشآت النووية الإيرانية
4-مفاعل طهران
مفاعل طهران بحثي يقع وسط العاصمة في شارع أمير أباد شمالي، ويعود إنشاؤه إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، حيث زار خبراء شركة AMF الأميركية طهران، لوضع اللبنة الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، عبر تركيب وتشغيل مفاعل طهران للبحوث، بعدما وافقت الولايات المتحدة الأميركية عام 1959 على إهدائه إلى نظام الشاه، ضمن خطة الرئيس دوايت أيزنهاور المعروفة بـ”الذرة من أجل السلام”.
وتوجد النواة المركزية للمفاعل على عمق ثمانية أمتار، بحسب موقع التلفزيون الإيراني، ولدى مفاعل طهران للبحوث “مكانة وأهمية قصوى” في البرنامج النووي الإيراني، بحسب رئيس المفاعل، الذي التقاه “العربي الجديد” في السادس من إبريل/ نيسان 2021 خلال الزيارة، مفضلاً عدم الإفصاح عن اسمه لاعتبارات أمنية.
5-مفاعل بوشهر
بدأ مشروع بناء مفاعل بوشهر النووي (المخصص لإنتاج الكهرباء) قبل انتصار الثورة في إيران عام 1979، وعقدت إيران صفقة مع شركة “سيمنز” الألمانية لبنائه، لكنها تخلت عن المشروع بعد الثورة، وتولت شركة “أتوم ستروي إكسبورت” الروسية استكماله. ودخلت المحطة الخدمة عام 2011 لإنتاج نحو ألف ميغاوات من الكهرباء. وتزود شركة روس أتوم ستروي إكسبورت الروسية هذا المفاعل الإيراني بالوقود.
6-مفاعل خنداب (أراك)
يعتبر هذا المفاعل أحد أكبر المنشآت النووية الإيرانية. يقع على بعد 5 كيلومترات من مدينة خنداب وسط إيران. بدأت عملية بنائه عام 1998 لإنتاج الماء الثقيل المستخدم في الصناعات النووية، ثم افتتح عام 2006. ظهرت أول معلومات عن مفاعل خونداب الإيراني، المعروف سابقاً باسم مفاعل آراك للماء الثقيل في ديسمبر/ كانون الأول 2002، عندما نُشرت صور بالأقمار الصناعية من قبل معهد العلوم والأمن الدولي.
أوهام نتنياهو لخلق شرق أوسط جديد تقوده “إسرائيل”
بعد مرور عام على عملية “طوفان الأقصى”، التي جاءت بعد أن قدم نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة /سبتمبر2023، قبل الحرب بأسبوعين خريطة “الشرق الأوسط الجديد”، التي تصور دولة “إسرائيل” الممتدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وبناء “ممر للسلام والازدهار” مع جيرانها في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. ولا تظهر على الخريطة دولة فلسطينية، أو حتى مجموعة الجيوب المنكمشة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية ظاهريا،حيث أحدثت عملية طوفان الأقصى زلزالاً داخل الكيان الصهيوني لم يشهده منذ تأسيسه عام 1948، حين هاجمت حركة حماس العدو الإسرائيلي بهذا الحجم المعروف. لقد ذكرتْ عملية طوفان الأقصى الكيان الصهيوني والعالم أنَّ الشعب الفلسطيني مازال متمسكًا بتحرير أرضهِ السليبةِ، وأنَّ الصراع المستمر مع الكيان الصهيوني منذ قرن هو صراع وجود وليس صراع حدود، وهو يشمل الفلسطينيون، وليس الإماراتيين أو السعوديين.
فقد شهد العالم أكبر حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزَّة،استباح فيها العدو الإسرائيلي كل أنواع الجرائم المناهضة للإنسانية من إسالة دماء المدنيين الأبرياء، وقتل الأطفال والنساء منذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب على غزة، إلا أن حالة النجاح الوحيدة تجسدت في تحريك مشاعر الشعوب حول العالم بشكل لم يسبق له مثيل تجاه معاناة الفلسطينيين، وتشكيل وعي جديد بالقضية الفلسطينية كان قد تراجع في السنوات الأخيرة.
في سيرورة حرب الإبادة هذه، أعلن رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية نتنياهو عن أربعة أهداف: إعادة الأسرى الإسرائيليين ، وسحق كل مجموعات المقاومة في فلسطين ولبنان، وإنهاء برنامج إيران النووي، وإضعاف محور المقاومة، وإعادة تنظيم إقليم الشرق الأوسط بحيث يكون فيه الكيان الصهيوني القوة الرائدة و المهيمنة.
وما حققه نتنياهو في لبنان يوقعه في خطر التسمم بالنصر وسكرته، مثلما حدث بعد حرب يونيو 1967، أو ما وقع فيه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإين عام 2003، والذي كان يحلم أيضا ب “شرق أوسط جديد”، فقال بعد غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين : أن “المهمة أُنجزت”، ليجد نفسه بعد بضع سنوات في مواجهة عدو أكثر شراسة. فالعالم لا يعمل على أساس علاقات القوة وحدها.
وهناك قيادات صهيونية معروفة سبقت نتنياهو في التبشير بخلق “شرق أوسط جديد” مثل مجرم الحرب وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون الذي قاد حرب الاجتياح للبنان عام 1982،حيث كان الغزو الإسرائيلي للبنان من شأنه أن يدمر منظمة التحرير الفلسطينية ويضمن أمن الكيان الصهيوني.
وكذلك الأمرمع شمعون بيريز، الذي وعد الصهاينة والأمريكان و المبشرين من المثقفين العرب والأنظمة التابعة للغرب بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، بإنشاء “شرق أوسط ديمقراطي ومؤيد لأمريكا، بدءاً من العراق، بعد تمارين الرئيس جورج دبليو بوش في تغيير الأنظمة وتعزيز الديمقراطية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين”.
ثم عاد الحديث عن ميلاد شرق أوسط جديد بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم عام 2020، والتي أدَّتْ إلى تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني وأربع دول عربية هي :الإمارات العربية المتحدة والبحرين و السودان والمغرب،وبداية تنفيذٍ صريحٍ للمشروع الأمريكي –الإسرائيلي الذي يهدف إلى إنشاء تحالف عسكري شرق أوسطي يضم دول الخليج و”إسرائيل” وأمريكا إلى جانب مصر والأردن، معادي لمحور المقاومة بقيادة إيران، لاحتواء دورها الإقليمي، وهو الحلم الذي اشتغلت عليه إدارة دونالد ترامب، ويمكن القول بأنَّ توقفه يعتبر من النتائج الاستراتيجية الكبرى لعملية طوفان الأقصى المجيدة.
وأثبتت محاولة نتنياهو تصفية القضية الفلسطينية الفلسطينية من خلال اتفاقيات إبراهيم، أنَّها خطأ انفجر في وجه الكيان الصهيوني في 7 أكتوبر 2023. وبدا أنَّ إيران وحلفاءها خرجوا كفائزين استراتيجيين -على الأقل لفترة من الوقت.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
ها هو نتنياهو الذي تولى السلطة في الكيان الصهيوني منذ عقدين من الزمن، ويعتبر فلادمير زئيف جابوتنسكي المنظر الحقيقي للإرهاب الصهيوني، حين يذهب هذا الأخير إلى تقديس السيف المرسل من السماء باعتباره امتداداً للتصور اليهودي القديم للنبي الغازي الذي أفرزته المقدسات القومية حسب تعبير جابوتنسكي،مرجعيته الإيديولوجية لسياسته الإرهابية، حيث تَتَحَكَّمُ في شخصيته ونفسيته النرجسية العالية.ونتنياهو الآن منتشيٌ بنجاح الكيان الصهيوني في توجيه ضربة قوية لحزب الله، ويستهدف شنِّ العدوان الوشيك على إيران، يثير الآمال في بناء نظام شرق أوسطي جديد في المنطقة. غير أنَّ التفوق التكتيكي الذي يتمتع به في الوقت الحاضر نتنياهو قد يتحول في النهاية إلى خسائرٍ استراتيجيةٍ، بحسب تجربة المقاومة اللبنانية في حربها مع العدو الإسرائيلي المستمرة منذ أربعة عقودٍ
وسوف يظل حزب الله لاعبًا سياسيًا وعسكريًا مهمًا في لبنان، ومن غير المرجح أن تؤدي انتكاساته الأخيرة إلى تغيير ميزان القوى في ذلك البلد، كما أنَّ أي عدوان إسرائيلي انتقامي ضد إيران، ولا سيما الهجوم على مواقعها النووية ومواقعها النفطية، من شأنه أن يؤدي على الأرجح إلى اندلاع حرب عسكرية إقليمية من شأنها أن تجر الإمبريالية الأمريكية في نهاية المطاف إلى التدخل.
فالتدخل العسكري الأمريكي سيؤدي إلى شنِّ إيران هجماتٍ على المواقع العسكرية الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، كما أنَّه سوف يقود إلى الإضرار بالكيان الصهيوني في الأمد البعيد، والتعجيل على الأرجح بانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وهو الهدف الأساسي لإيران.