من يكسب الحرب أخيرًا؟

بقلم: عبد الله السناوي/ القاهرة

تندفع الحوادث إلى حرب يتسع مداها، تسقط فيها الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك والحسابات المنضبطة على معادلات ومصالح. إننا أمام لحظة معبأة بكتل النيران المتفلتة، التي لا يقدر أحد على توقع ما قد تستقر عنده. إذا اتسع نطاق المواجهات الحالية فإننا داخلون لا محالة إلى انقلاب إقليمي يأخذ في طريقه كل ما يبدو مستقرًا من معادلات قوة ونفوذ، أوضاع ونظم.

إلى أي مدى يمكن أن تصل إليه صدامات القوى بالفعل ورد الفعل إذا تجاوزت الضربة الإسرائيلية المنتظرة لإيران كل الخطوط، التي كانت توصف سابقًا بالحمراء، كضرب مشروعها النووي، أو استهداف حقولها النفطية؟.

إنه السؤال الأكثر خطورة في هذه اللحظة وقد يتقرر على نتائجه الأخيرة مصير الإقليم كله إلى آماد طويلة.

منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول (2023) سعت الإدارة الأمريكية لمنع أية احتمالات لنشوب حرب إقليمية واسعة، لكنها الآن تبدو مستعدة للتورط فيما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

كان وصول حاملتَي طائرات وبوارج حربية وألفي جندي “مارينز” إلى شرق المتوسط رسالة ردع مسبقة إلى إيران و”حزب الله” من “استغلال الوضع”، الذي كانت عليه إسرائيل إثر عملية “طوفان الأقصى”.

بدت الدولة العبرية، كما لا بد أن نتذكر، في انكشاف عسكري واستخباراتي فادحين.

كانت المهمة الأمريكية حماية حليفتها الرئيسية في المنطقة من هزيمة محققة.

لم يكن ممكنًا لإسرائيل أن تمضي في عمليات الانتقام والتنكيل إلى حدود “الإبادة الجماعية” في قطاع غزّة دون مشاركة كاملة من الولايات المتحدة، التي حمتها من أية مساءلة، كأنها دولة فوق القانون الدولي.

على مدى عام كامل لم تنجح إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها المعلنة في الحرب على غزّة، لا اجتثت “حماس” ولا استعادت رهائنها في غزّة.

كان عدوانها الوحشي على لبنان والمقاومة فيه هروب إلى الأمام دون أن يكون ممكنًا مرة أخرى تحقيق هدفيها المستجدين، إعادة 750 ألف إسرائيلي إلى مستوطناتهم في الشمال، وإنهاء وجود “حزب الله” نفسه.

يبدو مثيرًا للالتفات عجزها عن الاختراق البري أمام مقاتلي المقاومة.

كلما تأكد عجزها الميداني وأثمانه الباهظة، زادت معدلات القصف الجوي لبنايات الضاحية الجنوبية بدواع استخباراتية، أو بدونها!

إنها القوة المجردة من أي تصور لليوم التالي، لا في فلسطين المحتلة ولا في لبنان المنتهك.

على مدى عام كامل تبدت خلافات وتباينات في إدارة الحرب على غزّة بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، لكنها لم تتجاوز الأهداف المشتركة.

بدا جوهر النقد الأمريكي لأداء الحكومة اليمينية المتطرفة منصبًا بالأساس على مستوى كفاءتها، غير أنّ إدارة بايدن مضت خلفها خطوة بعد أخرى وتصعيد بعد آخر رغم تحذيراتها المتكررة ومشروعاتها للتوصل إلى تسويات ممكنة!

أين ذهبت المقترحات الأمريكية الفرنسية المشتركة، بغض النظر عن الرأي فيها، لوقف الحرب على لبنان؟!

وأين ذهبت مقترحات التهدئة في غزّة بإجراء صفقة تبادل الأسرى والرهائن تتوقف بمقتضاها الاشتباكات الحدودية مع مقاتلي “حزب الله” كقوة إسناد؟

ثم أين ذهبت تحذيرات بايدن من تجاوز أي رد متوقع على إيران الخطوط الحمراء المعلنة؟!

من يقرر إذن الموقف الأخير.. القوة العظمى الحامية أم الدولة المهزوزة، التي كادت تتقوض ثقتها في قدرتها على البقاء قبل عام واحد بالضبط؟!

المثير هنا أنّ الرئيس السابق دونالد ترامب يزايد على “صهيونية بايدن” بالدعوة إلى ضرب المشروع النووي الإيراني الآن وبلا هوادة دون تحسب لأية عواقب تنال من المصالح والاستراتيجيات الأمريكية في أكثر أقاليم العالم حساسية وأهمية.

إذا افترضنا أنّ إيران ردت دفاعًا عن وجودها وصدقيتها وليس أمامها غير أن ترد فورًا، بهجوم صاروخي جديد يستهدف البنية التحتية الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين، على النحو الذي تفعله إسرائيل في غزّة والضفة الغربية ولبنان، ما الذي يمكن أن يحدث؟!

إنها الفوضى الدولية الضاربة، حروب نفط تنال من حقول الخليج كله، وحروب دينية مفتوحة، وحروب إرهاب تستهدف كل ما هو أمريكي وإسرائيلي وكل من يشتبه في تواطؤه على الدم العربي.

في فورة الانتشاء الإسرائيلي باغتيال زعيم “حزب الله” حسن نصر الله ارتفع صوت نادر لكنه مسموع من داخل إسرائيل يحذر من مغبة التداعيات المنتظرة.

تساءل الصحفي جدعون ليفي على صفحات “هآرتس”: “هل أصبح وضع إسرائيل أفضل صباح الأحد عما كان عليه صباح الجمعة؟!”.

كانت إجابته: “المزاج الإسرائيلي تحسن بعد عام كئيب”.. لكن الحقائق تظل على حالها.

“في الأسبوع الأول من دون نصر الله سيكون من الأفضل أن ننظر حولنا، فالضفة الغربية على وشك الانفجار وإسرائيل عالقة في غزّة دون أن تجد حلًا لمشكلة المحتجزين الإسرائيليين، ووكالة موديز صنفت الاقتصاد الإسرائيلي بقرب الحضيض”.

كان ذلك توصيفًا للمأزق الإسرائيلي الراهن، الذي قد يقرر مصير الدولة كلها بعيدًا عن العبارات المتعجرفة، التي يستخدمها نتنياهو لتبرير تماديه في جرائم الحرب المروعة.

إنّ كلامه عن موازين قوة جديدة وخرائط جديدة فوق طاقة قوته وليس في وسائله ما يسمح بفرض هيمنة إسرائيلية على الإقليم.

إنه يستعرض قوة غيره، وهذه مسألة ليست مضمونة للأبد.

ثبت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول أنّ هزيمة إسرائيل ممكنة.

كانت التظاهرات المليونية التي عمت العواصم الكبرى ضد جرائم الحرب الإسرائيلية تعبيرًا عن شيء جديد يولد في المجتمعات الغربية، هذه مسألة وقت حتى تكتسب نفوذها على القرار السياسي.

بدت تلك هزيمة أخلاقية سوف تدفع إسرائيل أثمانها الباهظة في المدى المنظور.

مهما كانت تداعيات الحرب وآلامها فإنّ منسوب كراهية الصهيونية سوف يرتفع ليشكل طوفانًا جديدًا تغرق فيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى