شمشون حزب الله وبونابرت اسرائيل .. ووترلو نتنياهو !!
بقلم: نارام سرجون
عجبي كيف يظن البعض ان حزب الله يتعرض للهزيمة او يمكن ان يتعرض لهزيمة أو يمكن ان يتزحزح قيد شعرة او ان يعطي الجنوب، لأية قوة في الكون وهو الذي اجتمع الكون عليه مرة لاعادة جنديين ولم يفعل ..
اولا دعوني أقول ان غياب السيد حسن نصرالله وتعثر الحزب في الايام الاولى للمواجهة الامنية التي غيبت بعض قياداته جعل الناس تسقط في خيبة أمل النكسة لأنها كانت تبني آمالا عريضة وأبراجا مشيدة للتفوق الذي يملكه حزب الله .. وكانت وصلت بها الثقة بالنفس ان معادلة المدني بالمدني والبناء بالبناء ردعت اسرائيل سنوات طويلة الى ان تجرأت اسرائيل وكسرتها وتجاوزتها .. وتحول المذعور نتنياهو الى طاووس يريد ان يغير الشرق الاوسط .. وهو الذي يعرف ان اسرائيل تغيرت من داخلها .. وتحولت الى أفعى تعض على جراحها كي لا تتقيح وتقتلها ..
ما أشبه اليوم بالأمس عندما حدثت النكسة وأفاق الناس على صدمة خسارة الحرب ولم يكسر عبد الناصر عظام اسرائيل بل تكسرت عظام جيشه .. الصدمة كانت من أن الناس رفعت جدا من سقف توقعاتها بسبب التغيرات الثورية الكبيرة ونجاحات عبد الناصر العديدة منذ معركة السويس وانتشاره في العالم العربي كزعيم لا ينافسه زعيم ويحظى بمحبة وثقة الجماهير من المحيط الى الخليج .. ولذلك كان القرار الغربي والعربي بانهاء ظاهرة عبد الناصر ..
حزب الله خاض معارك عظيمة ولذلك توقعت الناس ان هذه الحرب ستظهر كل ما لديه من فائض القوة التي انتظره محبو محور المقاومة .. وقد بقي الايمان به حتى لحظة غياب السيد حسن نصرالله .. التي كانت مثل صدمة حزيران بمشاعرها .. لأنه الرجل القوي الذي وعد بالنصر .. ولكنه غاب قبل النصر بطريقة تراجيدية بالنسبة للجمهور في غياب مفاجئ لم يتوقعه أحد ..
هذا الشعور بالانكسار الذي يحاول الاسرائيلي ان يستثمره كما حدث عندما أسقط تمثال الرئيس صدام حسين في ساحة الفردوس وخلع قلوب من توقع ان تقاتل بغداد لسنوات .. جعل الناس تعكس خيبتها بسبب اصرار حزب الله على التمسك بخيار غامض لايفهمه الناس ولايفسرونه .. وهو انه يمتلك ترسانة رهيبة جدا من السلاح بما يسمح له بجعل اسرائيل كلها تندم على مافعلت .. ولكن الحزب امتص الصدمات واكتفى بالصمت الصاروخي .. الا انه امسك بالجبهة البرية وأظهر شراسة غير مسبوقة في القتال البري ..
الضربات الايرانية كانت مناورة لاختبار الدفاع الجوي الاسرائيلي اذا ما أعطته الاقمار الصناعية انذارا قبل المطر الصاروخي بعشر دقائق .. ولكن ترسانة الحزب تفصلها دقيقة او دقيقتان عن اهدافها الاسرائيلية الدسمة .. مما طمأن الحزب وحلفاءه الى ان اليد الصاروخية للحزب ستكون عنيفة الاثر وليس في مقدور اسرائيل الا الاستسلام لقدرها اذا ما وثبت صواريخ حزب الله من مكامنها ..
ليس أمام الاسرائيليين الا الضرب على المدنيين وارغام الحزب على التسليم لانقاذ بيئته وجمهوره والحفاظ على تماسكها معه .. والاسرائيليون لم يعد في جعبتهم الا الضغط المدني ولكنهم يخشون من أمرين .. الاول ان بيئة حزب الله لن تكون أقل عنادا من بيئة غزة .. ولذلك فانها قد تنتقل الى ضرب المدنيين اللبنانيين دون تمييز لاعادة أجواء غزو عام 82 حيث كانت منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السورية المحاصرة في بيروت صامدة وتقاتل بشكل ضار أدمى الجيش الاسرائيلي .. الذي تعمد قصف المدنيين اللبنانيين في بيروت مما دفع قادة وزعماء الطوائف اللبنانية الى الطلب من القوات الفلسطينية والسورية بالتوقف والقبول باتفاق خروج المقاتلين من بيروت لحمايتها .. وتجنيب المدنيين دفع ثمن المعركة بين الفلسطينيين والاسرائيلييين على أرضهم .. وكانت نصيحة السوريين ان القتال افضل من الخروج من بيروت .. لكن منظمة التحرير قررت القبول بالاقتراح اللبناني والخروج من بيروت رغم انها كانت قادرة على الصمود الى اللانهاية .. وهنا استفاد الاسرائيليون كالعادة من ضرب المدنيين ..
الامر الثاني الذي يخشاه الاسرائيليون هو ان الصمت الصاروخي للحزب لايعني ابدا انه ضعف او انه استغناء عن هذا الخيار .. بل يعرفون ان الحزب لايزال يحس بقوته العسكرية ولا يجد نفسه مضطرا لاخراج الصوايخ عن صمتها .. ولكن الاسراف في استهداف المدنيين اللبنانيين وخاصة من خارج بيئته ستدفع بأصابع العسكريين الذين ينتظرون بجانب الصواريخ الى الضغط على الازرار الجهنمية .. وتثب الصواريخ وتهتز تل ابيب خاصة ان المناورة الايرانية اثبتت هشاشة القبب الحديدية وكل وسائل الدفاع الجوي .. وهذا هو مقتل اسرائيل .. حرب المدن ..
اسرائيل يهمها جدا تحييد المدن والمدنيين ليس حبا بالمدنيين ولكنها كمشروع استثماري تريد تكريس حقيقة انها مكان آمن للمدنيين مهما كانت حروبها وهذا ما نجحت به طوال 70 سنة من وجودها .. بل انها ضحت بعساكرها في تفاهم نيسان مقابل ان يتم تحييد المدن والمدنيين .. والاكثر من ذلك ان حرب 2006 انتهت بسرعة لان حزب الله صمد بشراسة ولكنه دخل المدن الاسرائيلية لأول مرة بصواريخه وارتعب الاسرائيليون من شعار (حيفا وما بعد بعد حيفا) .. وتخشى اسرائيل ان تكون في السيرة الذاتية للمدن الاسرائيلية انها انهت اطمئنانا عمره 70 سنة وانها سقطت في الحراق والدمار .. وهذا يعني ان اي عودة للازدهار والنشاط ولو بعد الحرب سيستغرق سنوات طويلة .. والازدهار والثراء هو ما يجذب الهجرة اليها ويغري اليهود بالبقاء فيها .. ولكن عندما تغيب الاستثمارات ويصاب اليهود بالضائقة الاقتصادية ويتراجع النشاط السكاني ويتدنى الشعور بالجدوى الاقتصادية بسبب ان رأس المال يريد دوما استقرارا طويل الامد وليس مؤقتا .. وبسبب قلة الشعور بالامان وضعف الاستثمارات فانهم سيرحلون ويعود الخلل الديموغرافي سلبيا بشدة .. ولذلك تهدد اسرائيل انها ستضرب بقسوة مفرطة اذا ما ضربت فيها المباني والمدن .. وهي تطبق على سماء لبنان بكل انواع المسيرات والاقمار الصناعية الامريكية لكشف تحركات الصواريخ الثقيلة والتنبؤ بها وضربها في مرابضها ان استطاعت قبل ان تنطلق ..
حزب الله فقد زعيمه الأغلى .. وبقاء الحزب من غير زعيمه سيجعله حزبا خطرا جدا .. لأنه سيعيش عقدة الانتقام .. والحزب لايزال يمسك كتلة هائلة من المتفجرات في ترسانته الصاروخية .. وهو ان اقترب من لحظة الضغط على الازرار فانه لن يكترث بأي تهديد ولن يبالي بأي تهديد اسرائيلي .. لأنه يدرك ان استسلامه او قبوله بما لم يقبل به السيد حسن نصرالله هو خيانة للسيد .. ولذلك فلا أمل في املاء اي شيء عليه بعد الان .. ويبدو ان التخلص من قيادات الحزب سيترك الحزب في قبضة من يسميهم البعض مجانين متهورين متعطشين للثأر والانتحار ولكنهم سيهدمون المعبد والهيكل على كل شيء في اسرائيل .. وعليهم ..
من جهة اخرى يدرك الاسرائيليون حقيقة اخطر من ذلك .. وهي ان سورية تعرف الى حد اليقين ان هزيمة حزب الله تعني نهاية الدور السوري القوي في المنطقة حيث ستفقد سورية اهم حليف لها واهم نافذة نار على اسرائيل باعتبار ان الجولان مرتفع ولاتقدر عمليات المقاومة ان تكون سهلة لحرب العصابات .. وقد يجعل قدرة المناورة السورية ضعيفة في الاقليم وستكون سورية معزولة اكثر .. وكذلك فان ايران تدرك جدا ان غياب حزب الله او ابعاده عن الحدود سيعني انها خرجت نهائيا من الاقليم .. بتراجع الدور السوري .. وتراجع دورها المهم بالنسبة لروسيا والصين في مواجهة الغرب .. والحزب هو في الحقيقة أهم من قبنلتها النووية .. لانه هو قنبلتها النووية .. ولذلك فان سورية وايران ستقاتلان مع الحزب حرب قاتل او مقتول ضد اسرائيل .. ولن تسمحا باهانته ..
الاسرايليون يفكرون بطريقة المجانين من أن اميريكا ستتدخل في هذه الحالة لفرط ايقاع المعارك وكسر الشرق الاوسط القديم .. وهنا سيتذكر الاميريكيون انهم دخلوا عام 1982 ولكن استشهاديا من حزب الله سحق المارينز بعملية استشهادية عنيفة لاتزال توجع ذاكرة الاميريكيين الذين حملوا 242 نعشا معهم وهم يغادرون .. ويظن الاسرائيليون ان الاميريكيين سيقصفون من البحر ومن مسافات بعيدة بكل ما لديهم .. ليتجنبوا الاستشهاديين .. ولكن عليهم ان يفكروا في 75 صاروخ ياخونت البحري التي يملكها الحزب وتكفي 3 او 5 منها لاغراق حاملة طائرات .. ويفكر الاميريكيون بحذر من احتمال ان يكون لحزب الله ضفادع بشرية انتحارية تسبب الاذى لاسطولهم مما سيستدعي تورطا اميريكا مباشرا ومنازلة دموية لاتعرف كيف تنتهي امام حزب يحس بتعطش للانتقام ممن قتل السيد وساعد في ذلك .. وعلى الارض سيكون امام الاميريكيين مئات من الاستشهاديين الذين سيكسرون ظهر القوة الامريكية اذا مانزلت الى البر اللبناني ..
الانكى من ذلك ان القواعد الامريكية والدوريات الامريكية في سورية والتنف والعراق لاتحتاج اعمال مقاومة وحرب عصابات .. بل نقل بعض الصواريخ مثل فلق وغيرها او طيران مسير يغير به الحزب يوميا على كل قاعدة ويلاحق الدوريات الامريكية على الطرقات .. وقد شوهدت لقطات من ملاحقة الجنود الاسرائيليين بالمسيرات وقتلهم .. مما سيجعل الامريكي يحذر جدا من التورط المباشر .
في القصص التوراتية دليلة وشمشون .. شمشون الذي ظن البعض انه فقد قوته بمكر دليلة وخديعتها .. فهدم شمشون المعبد على من فيه .. ولكن اليوم هناك حزب الله شمشون الشرق .. الذي ظن البعض انه خسر المعركة بعد ضربة أمنية واختراق استخباراتي .. فقد خرق القمة ولكن القاعدة بقيت متماسكة جدا .. ولذلك فان وضع اسرائيل واميريكا يزداد صعوبة بغياب السيد .. الرجل الذي كان يمكن ان يفاوض وتقبل بقراره كل بيئته .. ولكنه اليوم رحل وقد ترك معضلة لاحل لها على الاطلاق .. وهي وصية لايقدر احد من اتباعه ومحبيه ان يتجرأ وجدانيا وعاطفيا على انكارها او التلاعب بها .. وهي الجليل المحرر .. واخراج القوات الامريكية من المنطقة ..
نتنياهو يذكرنا بما حل بنابوليون بونابرت الذي انتشى بانتصاراته .. وعندما حل المساء عشية معركة ووترلو وكانت فرقة الفرسان الفرنسية تتقدم وتلاحق الكتائب الانكليزية التي تتقهقر .. ذهب الى عربته وقال لمساعده بكل ثقة (الوقت الان هو السادسة مساء .. أرسل الى باريس أخبار النصر لتنشر غدا صباحا) .. ولكن لم يطلع الصبح حتى أبيد الجيش الفرنسي في ووترلو .. وكانت أقسى هزيمة يتعرض لها نابوليون وتتعرض لها فرنسا .. وانتهت اسطورة نابوليون والحروب النابوليونية ..
نتنياهو ليس نابوليون .. بل هو مرتزق لأنه جندي عند الناتو وعند الاميريكيين والانغلو ساكسون .. ولا يقدر ان يصنع اي قرار – على عكس نابوليون – دون ابلاغ رؤسائه في اميريكا .. وهم من اعطاه كل شيء من الرصاصة الى الـ ف 35 .. ليكسب بعض الجولات الهامة في الاسابيع الاخيرة ..
ولكن بيننا وبينه .. الأيام .. والليالي .. والميدان .. والسيد حسن نصرالله ..