بين حرب 6 أكتوبر المغدورة وملحمة 7 أكتوبر الكاشفة

بقلم: عبدالهادي الراجح

تحضر حرب 6 أكتوبر المغدورة، التي تمر ذكراها الحادية والخمسون هذا الأوان، وسط ظروف عربية مصيرية وامتحان عسير لحاضر امتنا العربية ومستقبلها الوجودي والحضاري والثقافي.

لقد بدأت حرب 6 أكتوبر بداية فوق الرائعة وكأنها معجزة القرن العشرين المفعمة بروح الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، وإصراره على النصر والتحرير.. ومن محاسن الصدف التاريخية ان تتزامن ذكراها اليوم مع مرور عام على ملحمة السابع من أكتوبر التي خاضتها حركه المقاومة الإسلامية حماس بروح جهادية وعزيمة اسطورية اثارت اعجاب العالم،

في حرب أكتوبر خانت السياسة السلاح، وفق تعبير الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رحمة الله، اما في ملحمة أكتوبر فقد خانت الأمة العربية غزة ومقاومتها الباسلة، بل تآمر بعضها على المقاومة مع العدو من خلف الكواليس، فيما وقف البعض الآخر متفرجا وكأنه يتابع فيلما بوليسيا مليء بالرعب.

حرب السادس من أكتوبر المجيدة بدأت ملهمه بالروح الناصرية، ولكن النهاية للأسف لم تكن مثل البداية ، حيث تمكن المرتد أنور الساداتي من تحويلها من حرب تحرير الى حرب تحريك، بعد تدخل عزيزه وسيده الصهيوني هنري كيسنجر ، الذي اتصل به حافظ إسماعيل، مستشار أنور الساداتي للأمن القومي بتعليمات من رئيسة، واخبره أن مصر لا تريد التوسع بالقتال أكثر من ذلك ، وإنها تريد السلام لا الحرب وان الساداتي يريد تغيير سياسة مصر التحررية وجعلها سياسة مسالمة ، ومعنى ذلك أن الخبر سيصبح بالكيان الصهيوني خلال دقائق بعد انتهاء المكالمة .

وبالفعل ابلغ كيسنجر قادة الكيان الصهيوني بذلك، وتحول الثقل العسكري الصهيوني من مصر لسوريا التي كانت قواتها قد اجتاحت الجولان وكان الجيشان الشقيقان المصري والسوري وجيوش الأمة العربية الداعمة قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، ولكن للأسف تدخل القيادة السياسة لمصر حال دون ذلك واتاح لجيش العدو ان يستعيد زمام المبادرة بدعم أمريكي مطلق.. ومن هنا تحولت حرب أكتوبر من حرب تحرير عظمى الى حرب تحريك محدودة ، رغم التضحيات العظمى للجيشين المصري والسوري .

وبدلا من ان تجتمع وحده العرب على انجاز السلاح ، حدث العكس للأسف وكانت النهاية المؤسفة لحرب اكتوبر بداية الثغره التي قادتنا لمفاوضات 101 كم ومن ثم الى كامب ديفيد ومنها لما نحن عليه اليوم من عجز وضعف للجميع .

منذ 6 حرب أكتوبر لم يتفق العرب إلا بالأمر الأمريكي، خصوصا عندما اجتمعت جامعه أيدن لأعطاء الشرعية لتدمير الدولة العراقية عام 1991م، وتدمير ليبيا عام 2011 م ،وإخراج سوريا من تلك الجامعة بعد ضربها بالإرهاب القادم من كل مزابل المخابرات الأمريكية،

ورغم كل ذلك فسيبقى حرب  السادس من أكتوبر يوما تاريخي للأمة العربية، وآخر الأمجاد الناصرية التي لم يراها صاحبها .

أما ملحمة السابع من أكتوبر المجيدة التي نحتفل بذكراها الأولى، فهي تسجل كأعظم أنجار لحركة المقاومة الإسلامية حماس والصمود الأسطوري لكل أهالي قطاع غزه وفصائل المقاومة .

فلأول مره منذ إنشاء الكيان الصهيوني يتمكن مقاومون أبطال من فصيل فلسطيني في قطاع غزه المحاصر منذ 18عاما من الأخ والصديق قبل العدو، تمكنوا من الهجوم على قطعان جيش العدو،  وتحييد ما يسمى فرقة غزه ، وقتل أكثر من 1200صهيوني واسر الكثير ؛ الأمر الذي هز الكيان الصهيوني الهش هزا عنيفا ، فانتفضت أمريكا والغرب الامبريالي لنجده العدو وأصبح الكيان قبلتهم الأولى من الرئيس الخرف بإيدن لوزراء الخارجية البريطاني والألماني والايطالي وغيرهم.

وأرسلت أمريكا أساطيلها من الجو والبر والبحر، وزدت الكيان المنهار بأسلحة لم تصل حتى لحلف الناتو الذي تقوده أمريكا ذاتها لتفتك بالآلاف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ في غزه والجنوب اللبناني في حرب أباده أمريكية بغطاء صهيوني مغشوش لم يعرف التاريخ الإنساني بشاعتها.

وبقدر صفعه السابع من أكتوبر وتأثيرها على مستقبل الكيان المجرم، كانت رده الفعل التي أسفرت عن حرب تدميرية ستحرق الكيان نفسه بعد أن عرته السابع من أكتوبر.

لقد اصبح عنوان هذه الحرب الأمريكية برداء صهيوني (ما حدث في السابع من أكتوبر يجب أن لا يتكرر) ولكن في المقابل أبدع قطاع غزه والجنوب اللبناني البطل ومحور المقاومة الداعم من العراق واليمن في تسجيل بطولات سيخلدها التاريخ بأحرف من نور، بقدر ما سيكتب عن الموقف المخزي للأنظمة الناطقة بالعربية التي وقفت غير مصدقة قدره المقاومة على كل هذا الصمود والتحدي وتكبيد العدو خسائر كبيره بقطعانه ومعداته، وما أحيته من أمل لدى الأمة العربية بمقاومتها العظيمة، وقد أصبحت هذه الأنظمة في اغلبها يعادي المقاومة أكثر من عدائها للعدو الصهيوني.

وإذا كان السادس من أكتوبر المجيدة فارقة في التاريخ العربي الحديث ، رغم خيانة السياسة للسلاح في مصر، فأن ملحمة السابع من أكتوبر قد جاءت كاشفة حيث أوضحت كل المواقف وأصبحت الحقيقة أوضح من شمس شهر أب.

وما بين أكتوبر الأولى والثانية ،ومن رحم المعاناة تولد الانتصارات، فالنصر والتحرير قادمان رغم أنوف الخونة والمرتجفين.

المجد والخلود لأرواح الشهداء، ولا نامت أعين الجبناء .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى