خروج إسرائيل منتصرة فى معركتها الحالية يعني هزيمة كل الدول العربية!!
بقلم: أشرف البربرى*
لم يترك رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو مجالا للشك فى أن خروج إسرائيل منتصرة فى معركتها الحالية ضد فلسطين ولبنان يعنى معاملة كل الدول العربية حتى تلك التى غلبت «صوت العقل والحكمة» على التزامها بمعاهدة الدفاع العربى المشترك وحق الأخوة، بل والقانون الدولى الذى يعطى الشعوب المحتلة الحق فى المقاومة المسلحة، معاملة الطرف المهزوم، وأن إسرائيل لن تقبل من دول المنطقة أقل من الاعتراف بالقيادة الإسرائيلية المنفردة لها.
فمع نجاح الاحتلال الإسرائيلى فى اغتيال كبار قادة حزب الله اللبنانى وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله خرج نتنياهو يقول «لا يوجد مكان فى الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة» ثم عرض من على منصة الأمم المتحدة خريطتين لمنطقة الشرق الأوسط الأولى تضم أغلب الدول العربية التى يراها مهادنة لبلاده وسماها «دول النعمة» والثانية تشمل سوريا والعراق وإيران وسماها دول اللعنة. وظهرت فى الخريطتين الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن أراضى دولة الاحتلال، فى ضربة قوية لكل دول العالم التى تتحدث عن حل القضية الفلسطينية على أساس الدولتين.
ومهما كانت نتائج التصعيد الأخير فى المواجهة بين إيران وإسرائيل بعد القصف الصاروخى الإيرانى لإسرائيل يوم الثلاثاء الماضى، فإن تصريحات كل المسئولين الصهاينة وفى مقدمتهم مجرم الحرب نتنياهو تشير إلى شعور كبير لديهم بفائض فى القوة خاصة بعد نجاح دولة الاحتلال فى اغتيال كبار قادة حزب الله، وهذا الشعور دفعهم للحديث عن ضرورة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفقا للمنظور والمصالح الإسرائيلية، وبما يجعل تل أبيب صاحبة الكلمة الأهم فى شئونه.
والحقيقة أن الخطيئة الكبرى التى ارتكبتها أغلب الدول العربية منذ بدء الجولة الأخيرة من الحرب بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيونى، تمثلت فى غض الطرف عما ارتكبته وترتكبه إسرائيل واكتفت أغلبها ببيانات باردة، مما يساهم فى ترسيخ شعور إسرائيل بأنها فوق المحاسبة وفق أى قانون وبأنها قادرة على فعل كل ما تريد وارتكاب كل ما تشاء من جرائم لم تجرؤ ولا حتى الولايات المتحدة على ارتكابها دون أن تواجه أى عقاب حتى ولو كان دبلوماسيا.
لقد قتلت إسرائيل أكثر من 42 ألف فلسطينى ودمرت قطاع غزة بالكامل وقصفت المستشفيات مع سبق الإصرار والترصد وانتهكت المعاهدات الموقعة مع الدول العربية ولم تتحرك أى دولة فى اتجاه مساءلة وليس حتى محاسبة إسرائيل على هذه الجرائم، ولو حتى من خلال تجميد العلاقات الدبلوماسية أو تعليق التعاون الاقتصادى أو حتى سحب السفراء.
فى الوقت نفسه فإن التصدى الفعال للإجرام الإسرائيلى لا يخدم فقط مصالح الشعبين الفلسطينى واللبنانى اللذين يتعرضان لكل صنوف العدوان، وإنما فى الأصل يخدم مصالح الأمن القومى للدول العربية التى إن واصلت سياساتها الحالية التى تسمح لإسرائيل بالتحرر من القوانين والقواعد الدولية، فسوف تدفع ثمنا باهظا عندما تكتشف أن الكيان الصهيونى تحول إلى وحش لا يتوقف عن مهاجمة الجميع ولا يخشى أحدا، رغم أن المقاومة الفلسطينية تحديدا أظهرت فى عملية طوفان الأقصى أن هذا الكيان قابل للهزيمة والردع.
ولو كانت الدول العربية قد استخدمت أوراق قوتها الاقتصادية والدبلوماسية فى الضغط الحقيقى على الولايات المتحدة وإسرائيل، بما فى ذلك الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى المقاومة المسلحة وفقا للقانون الدولى، كما يعترف الغرب بحق أوكرانيا فى مواجهة ما يراه عدوانا روسيا، لربما تغيرت المعادلة من البداية، ولاتجهت إسرائيل نحو القبول بتسوية سلمية للقضية الفلسطينية بدلا من المضى قدما فى حرب الإبادة خاصة ضد الشعب الفلسطينى الذى أكد نتنياهو أنه لا يعترف بوجوده ولا بأرضه، ولا حتى بحقه فى الحياة.
تصدى الدول العربية خاصة المعنية بالصراع الدائر للعدوان الإسرائيلى بما لديها من أوراق ضغط متاحة، دون الدخول فى حرب ولا صراع مباشر مع الكيان الصهيونى، هو مصلحة مباشرة لهذه الدول وحماية لأمنها القومى ومستقبل شعوبها، وليس دفاعا عن الشعبين الفلسطينى واللبنانى فقط.
*كاتب مصري