هل يستفيق العرب قبل أن تأزف الآزفة؟؟

بقلم: محمد سعد عبد الحفيظ*

عطلت “طوفان الأقصى” قطار التطبيع العربي الذي انطلق من محطته الأولى في “كامب ديفيد” قبل 50 عامًا فأخرج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما مكّن دولة الاحتلال من أن تستفرد بالمنطقة وتتغوّل على حركات التحرر الفلسطيني، حتى رسى مطلع تسعينيات القرن الماضي ولفترة ليست بقصيرة في محطة “أوسلو” و”وادي عربة”.

خلال محطات قطار التطبيع الأولى تفاوضت الدول العربية مع إسرائيل على أساس مبدأ “الأرض المقابل الاعتراف والسلام”، وفي المحطة الأخيرة والتي عُرفت بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية” جرى التفاوض على أساس “الاعتراف والسلام مقابل لا شيء”، وحتى يكون هناك مبرر مقنع لإقامة علاقات طبيعية مع العدو فجرى الحديث عن السلام مقابل تعزيز أواصر العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين تل أبيب وعواصم الخليج العربي التي كانت ستشكل بعد أن تركب جميعها قطار التطبيع جزءًا من الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي خططت له الولايات المتحدة بهدف حصار الصين وضرب مشروعها “الحزام والحرير” من جهة، ومن جهة أخرى “تحزيم” إيران بجبهة قوية تشارك فيها إسرائيل التي كانت علاقاتها مع دول الخليج ستسمح بكل أوجه التعاون ومنها التعاون الاستخباري والعسكري.

حققت “طوفان الأقصى” هدفها وأرجأت كل تلك المخططات التي لم تكن سرية، بل جرى تداولها علنًا في مؤتمرات وجلسات بالنقب والبحرين والمغرب، ودفع الشعب الفلسطيني ومقاومته ثمنًا غاليًا في سبيل الحفاظ على قضيتهم وعدم دفنها في مقابر التطبيع.

كل ما كانت تحتاج المقاومة إليه خلال هذا العام هو إسناد ودعم حقيقي يستثمر ما جرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، حتى يتحول الانتصار الذي شهد العالم وقائعه في ذلك اليوم من مجرد معركة “تحريك” إلى إنجاز يفتح الباب أمام إقامة الدولة الفلسطينية على الحدود التي قبلت بها معظم الفصائل، أو بالحد الأدنى دفع إسرائيل إلى القبول بالعودة إلى التفاوض على أساس مبدأ “الأرض مقابل السلام”.

لكن للأسف وقف الشعب الفلسطيني ومن خلفه وأمامه مقاومته كاليتامى يتسولون الدعم والإسناد من أطراف أخرى تمنح وتمنع وفق ما تقتضيه مصالحها الخاصة، لم يلجأ الفلسطينيون إلى هؤلاء إلا بعدما تأكدوا أنّ العجز العربي وصل مداه وأنّ الأنظمة العربية إما أنها تخاذلت بعد أن غرقت في أزماتها الداخلية أو “تواطأت” وتشارك العدو تحقيق أهدافه نكايةً في إيران أو خضوعًا للراعي الأمريكي.

الائتلاف اليميني الذي يحكم إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو والذي فشل حتى الآن في إخضاع المقاومة، نجح في أن يضع دول الإقليم – معتدلة كانت أم ممانعة – في خانة المُشاهد المُراقب الساكت الذي يخشى ليس فقط من دعم وإسناد إخوانه الذين يتعرضون لحرب إبادة جماعية بل حتى من الاحتجاج الفعال الذي يتعدى حد بيانات وتصريحات الشجب والإدانة ليصل إلى اتخاذ قرارت المقاطعة السياسية والدبلوماسية واستخدام أدوات الضغط الاقتصادي على دولة الاحتلال وداعميها ورعاتها في الغرب.

ولأن نتنياهو وعصابته على يقين أنّ العرب لن يحركوا ساكنًا مهما ارتكب من مجازر أو عاث في الأرض فسادًا واحتلالًا واستيطانًا واغتيالًا، فأعلن بكل تبجح قبل أيام أنه “سيعمل على تغيير الشرق الأوسط”، مهددًا كل دول الإقليم بـ”ذراع إسرائيل الطويلة”.

وقف نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء الجمعة الماضية، منتشيًا بما ينجزه جيشه وأجهزة استخباراته من عمليات اغتيال متعاقبة لقادة “حزب الله” ومن تدمير ممنهج لجنوب لبنان، موجهًا رسالة إلى إيران “لدي رسالة إلى طغاة طهران.. إذا ضربتمونا، فسوف نضربكم.. لا يوجد مكان في إيران لا يمكن للذراع الطويلة لإسرائيل أن تصل إليه.. وهذا ينطبق على الشرق الأوسط بأكمله”.

رسالة نتنياهو لم تكن إذن لملالي إيران أو لوكلائها وأذرعها في المنطقة فقط، بل لكل حكام المنطقة الذين طالبهم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وأثناء انعقاد قمتهم في الرياض بـ”الصمت”.

صمت هؤلاء لن يمر، فلو حدث وتعرضت المقاومة لهزيمة أجبرتها على الاستسلام وترك السلاح، وتمكن نتنياهو من تنفيذ مخططاته بتهجير الفلسطينيين من غزّة والضفة الغربية وإنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان، ثم فرض معادلاته على الشرق الأوسط الذي تعهد بإعادة رسم خريطته، فستتعرض المنطقة بأكملها لمتوالية من الزلازل لا يمكن لأحد أن يتوقع كيف ستكون توابعها ومن سينجو منها ومن سيدفن تحت ركامها، سيتداعى الشرق الأوسط بالكامل وبدلًا من خشية البعض من تمدد إيران في المنطقة ستيحول الإقليم بالكامل إلى محمية تملك إسرائيل مقدراتها فتعز من تشاء وتذل من تشاء.

فهل يستفيق العرب قبل أن تأزف الآزفة؟.. هل يدركون أوطانهم وكرامتهم بل وعروشهم؟… هل يجتمعون الآن ليضعوا أجندة لمواجهة ذلك التحدي؟.

*كاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى