رشاد أبو شاور.. رفيق الحكاية وأيقونة النضال الفلسطيني

 كتبت بيسان عدوان

” غزة اليوم ليست فقط ساحة حرب، بل هي قبر مفتوح للعالم الذي يشيّد جدارًا من الصمت على وجع شعبها… سأرحل قريبًا، لكنني أحمل يقينًا بأن هذا الجدار سيتحطم ذات يوم على يد من لا يخافون الموت من أجل الحياة.”

من أبرز العبارات التي كتبها رشاد أبو شاور، والتي تعكس رؤيته القاتمة حول مصير غزة وما يمكن اعتباره نبوءة عن الإبادة الجماعية التي تشهدها الآن وقرب رحيله. هذه العبارة عكست قلقه العميق على مستقبل غزة وتنبؤه بالموت الذي يخيّم عليها، كما تعبر عن استشعاره لقرب نهايته الشخصية وسط هذه الأوضاع الكارثية.

في صباح يوم 28 سبتمبر 2024، أُسدلت ستائر الحياة على أحد أبرز أعمدة الأدب الفلسطيني المقاوم، رشاد محمود أبو شاور، الذي اختار منذ البداية أن يربط بين الكلمة والبندقية، وبين الحرف والقضية. من قرية ذكرين قضاء الخليل، التي ولدت فيها ملامحه الأولى وتفتحت عيناه على وجع الوطن السليب، إلى مخيمات اللجوء، وفي شوارع عمان ودمشق وبيروت، ظلّ أبو شاور رجلًا يحمل في قلبه نبض القضية وفي عقله مشروع التحرير.

من السلاح إلى القلم: مسار لا ينفصل عن الهوية
لم تكن حياة رشاد أبو شاور منفصلة عن الواقع الفلسطيني المعقد. انخرط في صفوف المقاومة الفلسطينية في وقت كانت فيه الرصاصات تحمل صوتًا أعلى من الأقلام. ولكن رشاد، بحدسه الأدبي والسياسي، أدرك مبكرًا أن الكلمة هي سلاح بحد ذاته، ربما أقوى من المدفع في معركة البقاء والهوية. من مناصبه في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية إلى دوره في “مجلة الكاتب الفلسطيني”، حمل أبو شاور مسؤولية التعبير عن طموحات شعبه، ليس فقط من خلال السلاح، بل أيضًا من خلال إبداعاته الأدبية التي جسدت معاناة الفلسطينيين ومقاومتهم في ظل الاحتلال.

أدب المقاومة: بين الصدق والبساطة والتجذر
في رواياته وقصصه القصيرة، كانت فلسطين الحاضرة دائمًا. ليس فلسطين المكان فقط، بل فلسطين الفكرة والحلم. من العزة الكنعانية التي تمسك بها رشاد حتى آخر لحظة، إلى رفضه القاطع لاتفاقات أوسلو والمشاريع التصفوية، كان أدبه انعكاسًا حيًا لموقفه السياسي الرافض.

تميز أسلوبه برصانة اللغة وصدق التعبير، فهو لم يكن بحاجة إلى زخارف لغوية كي يُوصل رسالته. كان قلمه نابعًا من عمق التجربة الفلسطينية، حيث كان يعيش الحكاية بكل تفاصيلها، ويتنفس آلامها وآمالها. ربما لهذا السبب نجد التلاحم بين أفكاره السياسية وإبداعه الأدبي في كل كلمة خطّها. كان قادرًا على استشفاف الواقع الفلسطيني واستلهامه ببراعة، ليضعه في قالب سردي يمس وجدان القارئ ويشده نحو عمق المأساة والأمل معًا.

فلسطين: الهوية التي لم تفارقه أبدًا
رشاد أبو شاور لم يكن فقط كاتبًا أو سياسيًا. كان تجسيدًا حيًا لفلسطين التي تناضل ضد التهجير والنسيان. في قصصه ورواياته، تجد عذابات المنفى والألم الذي يختلج في قلوب اللاجئين، ولكن تجد أيضًا الإصرار والعزيمة التي لا تستسلم. عالج مواضيع القهر والغربة، ولكن دائمًا بمنظور الكرامة التي لا تنكسر. كان متمسكًا بهويته الكنعانية التي تمثل الأصالة الفلسطينية، ورفض بشدة أي محاولات لمحوها أو تشويهها.

الأديب والسياسي: رفض الواقع وأمل التحرير
أبو شاور كان يرى في الكتابة وسيلة للمقاومة مثلما كان يرى في السياسة ساحة للقتال من أجل التحرير. لم يُهادن ولم يُساوم. كان معارضًا شرسًا لاتفاقات أوسلو وكل ما اعتبره تهديدًا للقضية الفلسطينية. في مقالاته، كان يكتب بالوضوح الذي يجعله يقف في مواجهة التيار إذا اقتضى الأمر، مؤكدًا دائمًا أن الحل لن يأتي من تنازلات بل من صمود وعزيمة.

وداعًا أيها الصديق الوفي لفلسطين
برحيله، تفقد الثقافة الفلسطينية أحد أكثر أعمدتها صلابة وإخلاصًا. كان رشاد أبو شاور نموذجًا نادرًا للأديب الملتزم الذي لم ينفصل يومًا عن واقعه، ولم يتخلّ عن قضيته. ورغم الغربة التي عاشها في عمان بعد سنوات طويلة من التنقل بين العواصم العربية، إلا أن فلسطين كانت وستظل وطنه الأول والأخير.

اليوم، حين ننظر إلى تراثه الأدبي والسياسي، نرى فيه قصة شعبه؛ قصة وطن يتمسك بحقه في الحياة والحرية، وقصة كاتب اختار أن يكون صوتًا لمن لا صوت لهم، وأبقى حروفه شعلة تنير درب الأجيال القادمة. رحل رشاد محمود أبو شاور، لكن صدى كلماته سيبقى حاضرًا في قلب كل من ناضل ويواصل النضال من أجل فلسطين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى