“المجـــــد” تحيي الذكرى الرابعة والخمسين لرحيل القائد الخالد جمال عبد الناصر الذي قضى يوم 28 أيلول 1970/ فيديو

قبل 54 سنة سوداء رحل عن دنيانا رجل عظيم.. انهار في ديارنا جبل مكين.. بل هوى من سمائنا نجم أضاء حياتنا العربية لجملة أيام وأعوام.. ففي 28 – 9 – 1970 اختطفت يد المنون، دون مقدمات ومؤشرات، الرئيس المصري والزعيم العربي الشامخ جمال عبد الناصر.

يوم 28 سبتمبر 1970 يوم حزين في تاريخ المصريين والعرب. ففيه رحل عبد الناصر. وهو يسعى لآخر لحظة من حياته لرأب الصدع بين الجيش الأردني ومنظمة التحرير الفلسطينية فيما يعرف تاريخا بأيلول الأسود. توحيد العرب ولم شملهم كان هم عبد الناصر وسعيه المتواصل. ذلك المسعى الذي كرس له جل وقته وحياته وكما قال الشاعر نزار قباني :

قتلناك يا آخر الأنبياء
قتلناك ليس جديدا علينا قتل الصحابة والأولياء
فكم من رسول قتلنا…. وكم من إمام ذبحناه وهو يصلي صلاة العشاء

ورغم مرور أربعة وخمسين عاما على رحيله، إلا أنه ظل حاضرا في ذاكرة العرب من المحيط إلى الخليج. ولذلك لم يكن غريبا أن يرفع المصريون صوره أثناء أحداث ثورة 25 يناير. أليس هو أبو الثورات؟

تعاودني ذكراك كل عشــــــية
ويورق فكر حين فيك أفكــــر ..
وتأبى جراحي أن تضم شفاهها
كأن جراح الحـــــب لا تتخـثر
أتسأل عن أعمارنا؟ أنت عمرنا
وأنت لنا المهدي.. انت المحرر
وأنت ابو الثورات ، انت وقودها
وانت انبعاث الأرض ، انت التغير

إن الذين خرجوا في ثورة 25 يناير عبروا عن رفض واضح لما آل إليه حال مصر إقليميا ودوليا بعد أن انزوت في ركن قصي وأصبحت على هامش الأحداث. واستمعوا لآبائهم وهم يقولون لهم:

وعندما يسألنا أولادنا من أنتم؟
في أي عصر عشتم؟
في عصر أي ملهم؟…. في عصر أي ثائر؟
نجيبهم في عهد عبد الناصر

الله…. ما أروعها شهادة أن يوجد الإنسان في زمان عبد الناصر.
كانت مصر الدولة الرائدة والقائدة في زمان عبد الناصر تجمع شتات الدول وتمثل منبرا لكل الدول الحرة حتى غير العربية وما مؤتمر باندونج ببعيد. وهنا نتذكر كلمات الشاعر السوداني تاج السر الحسن وهو يشدو:

مصر يا أخت بلادي يا شقيقة
يا ظلالا عذبة النبع وريقة … يا حقيقة
مصر يا أم جمال أم صابر..
ملء روحي أنت يا أخت بلادي
سوف نجتث من الوادي الأعادي.. فلقد مدت لنا الأيدي الصديقة..

عبد الناصر كان يتمتع بكاريزما من نوع خاص جعلت الجماهير السودانية تستقبله استقبال الأبطال، لدى حضوره مؤتمر القمة العربي في الخرطوم، وهو القائد المهزوم في يونيو 1967.. يومها قال عبد الناصر دعوني أواجه الشعب السوداني وحدي وسوف أرضى بحكمه حتى ولو ألقوا علي الحجارة. لكنهم بدلا من ذلك استقبلوه استقبال الفاتحين. إن الخرطوم لم ولا أظنها ستستقبل أحدا بمثل ما استقبلت به عبد الناصر الشيء الذي جعل الصحف الغربية تخرج بعناوين فحواها الذهول والاستغراب وهي التي كانت تظن بأن القائد العربي قد انتهي في حرب الأيام الست. لكنه كان أشبه بالمارد الذي خرج من قمقمه فكانت حرب الاستنزاف ومن بعد رحيله جاء نصر أكتوبر 1973. الشيء الذي يؤكد بأن الهزيمة الحقيقية هي هزيمة الإرادة وليست هزيمة التفوق في أرض المعركة.

كانت مصر في عهد عبد الناصر مصدر إشعاع لكل حركات التحرر. وبالرغم من عروبتها وانتمائها الثقافي للمحيط الإسلامي العربي لكن ذلك لم يمنعها من أن تكون الأم الرؤوم للثوار في الكنغو وعونا مخلصا للثائر الكبير لوممبا وصديقا حميما للقائد الغاني الكبير نكروما والغيني سيكوتوري. لكن نكروما يختلف عن البقية بصلات دم مع المصريين عبر زوجته المصرية فتحية. لذلك لم يكن غريبا أن يكون منتخب مصر لكرة القدم هو المنتخب الثاني بعد منتخب غانا تشجيعا ومؤازرة من قبل الغانيين في كأس الأمم 2008 في أكرا. فما كان من المصريين إلا وأن ردوا التحية بأحسن منها وهم يؤازرون النجوم السوداء في كأس العالم للشباب 2009 بالقاهرة.

القضية الفلسطينية ظلت حاضرة وبقوة في أجندة عبد الناصر فهي القضية التي ألهمته هو وضباط ثورة 23 يوليو الأحرار لتفجير الثورة وذلك في أعقاب هزيمة 1948. لذلك لم يكن غريبا أن تجد منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات كل الدعم والمساندة من قبل عبد الناصر. ولم يكن غريبا أن يخوض حربي 1956 و1967 ضد العدو الصهيوني . بينما كان الإعداد في عهده لحرب ثالثة لم يكتب له أن يقطف ثمارها فكان نصر أكتوبر 1973 وبنفس الخطة التي وضعت في عهده (جرانيت 1ـــ جرانيت 2) فكانت وفاته قبل ثلاثة سنوات من ذلك العبور العظيم.

من المواقف التي تبين حرص عبد الناصر على بلده مصر وخوفه عليها من مستقبل مجهول وتبين كذلك كيف أن الإنسان يمكن أن يتلون ويتبدل كما الحرباء. يقول الصحفي الشهير محمد حسنين هيكل : كنا ثلاثة في الأسكندرية في استراحة جمال عبد الناصر ومعنا السادات . وكان عبد الناصر يتابع أحداث أندونيسيا وكيفية زوال حكم سوكارنو حين انقلب عليه قائد جيشه سوهارتو وأخذ الإنقلابيون يلاحقون أعوان سوكارنو ويبيدونهم. علق عبد الناصر على هذه الأحداث حيث كان سوكارنو من رفقائه ومن المؤسسين لحركة عدم الانحياز وكان معاد للغرب مناصرا لحركات التحرر. تكلم عبد الناصر بحديث من يدرك ما سيجري لاحقا وبأن أمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي فقال : (يمكن قاعدين يجهزوا من سيخلفنا ويغير سياستنا المعادية لهم) قال هيكل : فقفز السادات من مقعده وقال 🙁 إزاي يحصل دا يا معلم؟) وكان السادات ينادي عبد الناصر بالمعلم!!!! وأضاف (والله لو عرفت الشخص دا لقطعته) من سخرية القدر أن ذلك الشخص كان هو السادات نفسه!!!!.

قال تعالى ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) مات عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والتجرد. لم يغتن ولم يفكر في ثروة أو أبهة ولم يورث لأبنائه إلا محبة الخلق والكبرياء الذي يعيشون به مع الناس. كانت ثروته تلك الملايين داخل مصر وخارجها التي كانت ولا تزال تهتف باسمه وتذكره بالخير.. بعدها سقطت مصر في يدي السادات!!!!!!

سقطت مصر في يدي قروي لم يجد ما يبيع إلا الترامــا
مسرحي الطموح يلبس وجها للكوميديا و آخرا للدرامـــــا
عصبي يصيح في مصر كالديك وفي القدس يمسح الأقداما

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى