نهاية حزب الله القديم وولادة حزب الله الجديد.. التحول النوعي في الحرب
بقلم: نارام سرجون
الحمقى هم من يستعجلون العرس والرقص .. وتبادل التهاني .. ويرقصون طربا في حفل مهيب لا يعرفون انه جنازة لهم .. وأحمق الحمقى هو ذلك الذي يتمايل فرحا بانتصاره وهو معصوب العينين ولا يدري انه في سيسقط في نعشه هو في كل خطوة يخطوها للامام ..
مايلفت النظر في هذه الحرب هو كم الطيش والاندفاع الاسرائيلي ومقدار الصبر والتربص الأقصى الذي يبديه محور المقاومة الى درجة ان البعض يتخيل ان المحور قرر الصمت وقبول الاهانة وسيذهب الى النهاية في الصبر وسيترك الطيش العبراني بلا نهاية..
وهذا الطيش الاسرائيلي هو الذي جعل كل التوقعات المنطقية فاشلة .. فالطائش هو الذي لا يخضع سلوكه لأي قاعدة سلوك منطقي .. فالمنطق كان يقول ان اسرائيل لن تغامر بالحرب في غزة لانها ستخسر اسراها وتخسر مئات من جنودها .. والمنطق كان يقول ان اسرائيل لا تقدر ان تحارب على عدة جبهات او لفترة طويلة .. ولكن اسرائيل سارت ضد المنطق كله في حركة تشبه حركة المجتمعات العسكرية الطائشة في التاريخ التي تحارب فترات طويلة وفي اتجاهات عديدة التي تستنزفها وتذيبها وتضعفها .. لتسقط فجأة .. وهذه قاعدة لن يشذ عنها كائن على هذا الكوكب منذ أن بدأ التاريخ روايته التي لا تنتهي ..
دعونا نتذكر شعار نتنياهو في بداية الحرب من انه “يريد تغيير الشرق الاوسط” وهو كان يعكس قرارا غربيا اميريكا وكان هو مجرد منفذ للشعار والمهمة .. وهذا يذكرنا تماما بشعار تغيير الشرق الأوسط لصاحبه جورج بوش بعدما اجتاح العراق .. والذي كلف به ايهود اولمرت وقالت كونداليسا رايس أمام أولمرت اننا سنشهد ولادة شرق أوسط جديد .. وقولها لذلك أمام اولمرت كان بمثابة تكليف له بذلك .. وكانت النتيجة ان حرب لبنان عام 2006 تحولت الى كارثة لاسرائيل .. واليوم يتكرر نفس المشهد ونفس الشعار .. بعد حرب غزة (حرب العراق بالأمس) يسيل لعاب الغرب لتغيير الشرق الاوسط ومن لبنان نفسه الذي حطم اسرائيل وجيشها عام 2006 ..
أنا لو كنت اسرائيليا فعليّ أن أحس بالقلق منذ اللحظة لأنني أمام لحظة تاريخية خطيرة جدا يقودها شعار طائش ونتنياهو الطائش .. الذي أخرج حزب الله من مكمنه وهو مجهز بأهم شيء .. وهو التحرر من أهم معادلة حكمت المعركة مع حزب الله التي انتهت الان وهي تحييد المدنيين .. ولأن اسرائيل أنهت حزب الله القديم .. ودفعت الى ولادة حزب الله الجديد .. فقد انتهت معادلة تحييد المدنيين .. وسقطت معادلة الجندي بالجندي .. والصاروح بالصاروخ .. فالاسرائيليون خرقوا السقوف كلها ونزلوا في معركة التحدي .. وأظهروا رغبة في انهاء الاتفاق القديم .. فالضربة الاخيرة ضد الحزب هي ضربة مدنية .. فالانفجارات وقعت في البيوت والسيارات والمطاعم والمحلات .. والمراكز الطبية .. ونتيجتها انها أصابت مكانا مؤلما في البيئة الاجتماعية لحزب الله الذي تعهد بحماية بيئته وفق معادلة الردع التي سقطت الأن .. وعليه ان يبدأ خرق الاتفاقية القديمة التي بدأت في تفاهم نيسان عام 98 واستمرت تحكم المعركة حتى أيلول 2024 ..
على كل اسرائيلي يريد ان يبقى منذ اليوم آمنا أن يبقى اما في الملجأ او خارج فلسطين المحتلة .. لأن معادلة تجنيب المدنيين انتهت الآن .. وهذا ما أعلنه صمت السيد حسن نصرالله الذي قال كلمة مقتضبة لم يقل فيها الكثير .. ولكن صمت السيد خطير ومثير للقلق هذه المرة ..أنا لو كنت اسرائيليا فعلي أن أتوقف قليلا لأفكر في حماقة القيادة الاسرائيلية التي زجت بالمدنيين الاسرائيليين في الحرب مع أكثر جهة قادرة على ايذاء المدنيين الاسرائيليين بحكم قربها الجغرافي وترسانتها العسكرية الضخمة ..
ما حدث خلال اليومين الماضيين يثبت بما لا يقبل الشك أن دور الاميريكي والاوروبي والطابور الخامس العربي واللبناني هو في تأجيل الحرب مع حزب الله من أجل التحضير للحرب معه .. فالثناء على حزب الله انه لم يدخل الحرب كانت من أجل تقييده بالحرج كيلا يندفع الى الحرب .. ولكن هذا التثبيت للحزب كان مترافقا مع حرب ضارية شرسة عليه الكترونيا واستخباريا في الاشهر القليلة الماضية وبكل الوسائط التقنية لاختراق بنيته الغامضة التي كانت في الظلام ولكن بسبب اضطراره للتحرك في هذه الحرب الطويلة طوال أشهر كثيرة تعرض للانكشاف والدراسة الدقيقة ومراقبة كل شيئ في الجنوب والضاحية عبر العملاء وزرع اجهزة التنصت واستنفار الاقمار الصناعية وووو .. مكن الاميريكيين والاسرائيليين من جمع الكثير من المعلومات التي أوصلتهم الى القدرة على توجيه عمل استخباري قوي تمكن من ارباك الحزب الذي أخذ على حين غرة .. وسيدرك ان التزامه بالمعادلات كان حصيفا ولكن طول الالتصاق بالمعادلات في حرب غزة لم يكن الا فخا .. لأن الاسرائيلي والاميريكي في الأشهر الأولى كان في وضع مرتبك وكان يحتاج بعض الوقت لالتقاط أنفاسه وهذا ما حصل عليه .. ولو أطلقت معركة ضاغطة متزامنة من الجميع بمستوى أقوى لتغير سلوك اميريكا .. وانعكس ذلك على سلوك اسرائيل .. فتمكن الاميريكي من تحييد المقاومة العراقية بوعد التفكير بالانسحاب وترددت جبهات الاسناد في التصعيد بحجة ان الاتفاق لانهاء حرب غزة انجز وبات وشيكا وأي تصعيد يعني التسبب في اطالة الحرب على أهل غزة ..
الان وضع الاميريكي والاسرائيلي وايران وسورية واليمن امام معادلة صعبة وهي انه صار جاهزا للتصعيد وراغبا فيه بدليل التحدي الاقصى في توجيه هذه الضربة الى حزب الله وايران وكسر القواعد والاتفاقات والتفاهمات كلها ..وكأنها تقول اليوم لا يهمنا التزامك بالقواعد .. وقبلنا التحدي ..لأننا جاهزون ..
ولكن الطائش هو ما يريده التاريخ ليكتب الحكايات.. والطائش هو هدية السماء لنا .. وهو سبيلنا للنصر .. فمن مناقب الطائش انه يزهو بسرعة ويصل الى الاستنتاجات السريعة المتفائلة .. عندما يكسب جولة ويظن ان الحرب كلها ركعت تحت قدميه ..
وهذا هو حال الاسرائيلي الذي انتشى وانتفخت أوداجه طربا من عملية تفجير البيجر وضرب القادة في الضاحية .. وهو لا يعرف الان انه أمام تابوته هو .. لأن عملية تفجير البيجر شحنت عدوه حزب الله بغضب اكثر .. وسيأكل لحم اسرائيل حية .. وسيقول كل مقاتل فيه (ان اسرائيل أكلت كبدي) ..
وهذا الحزب مبني في استراتيجيته على التجدد السريع والتحول السريع وحتى التأقلم الفرط صوتي بحكم تركيبته الشعبية المهجنة مع التركيبة العسكرية والدينية .. والاهم انه لا يقبل الهزيمة بسبب العقيدة الحسينية التي تقول ان جميع افراده يجب ان يتصرفوا كما تصرف الحسين وهو مع ثلة قليلة من رجاله بالاقبال على الشهادة ورفض الذل ..
ليس عندي أي شك أن اسرائيل الطائشة مقبلة على كارثة حقيقية وهي تخرج ماردا من قلب الحزب .. وليس عندي أي شك ومما أعرفه عن حزب الله انه الحزب الذي لا يقهر .. ولذلك فان وجه الشرق الاوسط سيتغير فعلا .. ومن جنوب لبنان ..