ماذا يعنى نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط؟!
بقلم: عماد الدين حسين/ القاهرة
الأسبوع الماضى قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو كلامًا واضحًا ومحددًا: «لقد بدأنا للتو عملية تغيير الشرق الأوسط».
كلام نتنياهو ليس مجرد كلام طق حنك، من ذلك النوع الذى يتحدث به بعض المسئولين فى الشرق الأوسط.
صحيح أن نتنياهو هو كذاب ومخادع ومحتال وارتكب كل الجرائم فى بلاده وفى المنطقة، لكن الصحيح أيضًا أنه يقود دولة تعتمد فى أساس قيامها ووجودها على خرافات توراتية وأنها تمثل كل اليهود، والأخطر ليس فقط أنها متطرفة وعنصرية، لكنها تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية. ليس ذلك فقط، لكن أكبر دولة فى العالم وهى الولايات المتحدة تدعمها بكل شىء من المال إلى السلاح إلى الدبلوماسية.
وليس أمريكا فقط هى من تفعل ذلك، بل إلى حد كبير بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ودول أوروبية أخرى، يضاف إليهم الإعلام الدولى المؤثر والعديد من الشركات الكبرى والبنوك والسينما.
كنت أتشكك كثيرًا فى مقولة إن إسرائيل تسيطر على العالم تقريبًا، وتسخره لمصالحها، إلى أن بدأ العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى ٧ أكتوبر الماضى، وحينما رأيت الانحياز الأمريكى السافر، والدعم من العديد من الدول الأوروبية، ثم عجز بقية العالم عن لجم إسرائيل، أدركت أن ما كنت أنا وغيرى نتشكك فيه هو حقيقة إلى حد كبير، لأنه لا يمكن فهم وتفسير هذه البلطجة الإسرائيلية من دون اعتماد هذا المنطق إلى حد كبير.
حينما يقول نتنياهو إنه يريد تغيير الشرق الأوسط فعلينا جميعًا كعرب أن نتعامل مع هذا الكلام بأكبر قدر من الجدية واليقظة.
فى ظهيرة يوم ٧ أكتوبر الماضى وبعد ساعات قليلة من عملية «طوفان الأقصى» التى نفذتها المقاومة الفلسطينية، خرج نتنياهو وقال كلامًا محددًا مفاده أن ما ستفعله إسرائيل فى غزة سيكون ضخمًا، وأن الناس لن يعرفوا غزة الحالية.
وللأسف ورغم الكذب الممنهج لنتنياهو فى كل الأمور تقريبًا، فقد صدق فى كلامه عن غزة، التى لم تعد للأسف صالحة للحياة لسنوات طويلة، بعد أن قتل أكثر من ٤١ ألف فلسطينى، وأصاب نحو مائة ألف آخرين وشرد أكثر من ثلثى سكان القطاع بعد أن دمر بصورة جزئية أو كلية ٨٠٪ من مبانى ومنشآت القطاع وبنيته التحتية ناهيك عن احتلال القطاع بأكمله.
فى الأسبوع الماضى وبعد أن فعل نتنياهو كل ما فعله فى غزة، منذ يوم ٧ أكتوبر، فقد استدار نحو لبنان كى ينتقم من حزب الله، لأنه غامر وقرر دعم وإسناد الفلسطينيين منذ يوم ٨ أكتوبر.
عمليات حزب الله أدت إلى تطور لم يحدث فى تاريخ إسرائيل منذ عقود، وهو تحويل نحو ٧٠ ألف إسرائيلى إلى نازحين، تركوا بيوتهم فى الجليل وشمال إسرائيل وعاشوا فى فنادق وأماكن أخرى هربًا من صواريخ ومسيرات حزب الله.
القوى السياسية فى إسرائيل، ورغم أن بعضها عارض نتنياهو فى استمرار عدوانه على غزة، وطالبوه بسرعة توقيع صفقة تبادل الأسرى ووقف النار، لكنهم ضغطوا عليه كثيرًا للهجوم على لبنان.
ومنذ يوم الثلاثاء الماضى، فقد أسقطت إسرائيل قواعد الاشتباك المنضبط السائدة منذ 8 أكتوبر، وقررت إعلان الحرب على لبنان. إسرائيل وطوال عام تقريبًا قتلت نحو ٥٠٠ عنصر لحزب الله، واغتالت ٦ من كبار قياديه، أهمهم فؤاد شكر القائد العسكرى للحزب، لكن منذ يوم الثلاثاء نفذت عمليات نوعية بدأت بتفجيرات أجهزة البيجر والووكى توكى ثم اغتالت هيئة الأركان القيادية لحزب الله بقيادة إبراهيم عقيل، خلال اجتماعهم تحت الأرض فى أحد مبانى الضاحية الجنوبية لبيروت. وأمس الأول هاجمت القوات الإسرائيلية ١١٠٠ هدف لحزب الله عبر ٦٥٠ طلقة جوية و١٤٠٠ نوع من الذخيرة والحصيلة الأولية فى اليوم الأول من العدوان الشامل هى ٣٦٥ شهيدًا ١٢٤٦ جريحًا وتدمير عشرات البيوت مع استمرار العدوان أمس أيضًا.
مرة أخرى ما هذه القوة الخارقة التى تتمتع بها إسرائيل، بحيث تعيث خرابًا وقتلًا وتدميرًا فى عموم المنطقة من دون أن تخشى من أى مساءلة أو محاسبة بل بدلًا من ذلك تتمتع بكامل الحماية الأمريكية؟!
والسؤال الأهم: هل هناك أى نقاش ودراسة جادة فى المنطقة لكلام نتنياهو عن بدء تغيير الشرق الأوسط، وماذا نحن فاعلون كعرب إذا كان هناك ما يسمى الآن فعلًا بالعرب؟!