بالضد من أنقرة ودمشق معاً.. أمريكا تعزز وجودها العسكري في سوريا، حمايةً للمتمردين الاكراد واسناداً للعدوان الصهيوني
بيروت – الأخبار
أثار إعلان مسؤولين أميركيين التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والعراق لجدولة خروج القوات الأميركية الموجودة في البلاد في العامين المقبلين، تساؤلات عدة حول مصير الوجود العسكري الأميركي غير الشرعي في سوريا. لكن الإجابة أتت سريعاً عبر تسريب أجزاء من الاتفاق الأميركي – العراقي، والذي يقضي بالحفاظ على وجود قوة عسكرية صغيرة في العراق لتقديم الدعم اللوجستي للقوات الأميركية المتمركزة في سوريا، وفقاً لما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال».
وتأتي خطة الانسحاب الأميركية، التي من المنتظر الإعلان عنها بشكل كامل في الأيام المقبلة، بعدما أقرّت بطلب وإلحاح عراقيين قادهما رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الذي أكد عدم الحاجة إلى وجود القوات الأميركية التي دخلت البلاد بحجة «محاربة الإرهاب»، لتنتهي بذلك مماطلة أميركية استمرت شهوراً عدة. على أن تلك المماطلة أفضت إلى خطة زمنية فضفاضة تمنح واشنطن هامشاً كبيراً للمراوغة، في وقت أظهرت فيه الأخيرة بشكل واضح التمسك بالوجود في سوريا، رغم وجود أصوات معارضة لهذا الوجود في الداخل الأميركي، دفعت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عام 2018، إلى بدء عملية انسحاب كبيرة من الشرق السوري، قبل أن يتراجع عن قراره.
وتنتشر القوات الأميركية في موقعين أساسيين في سوريا؛ الأول في الشمال الشرقي من البلاد، ضمن مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» التي تقود «الإدارة الذاتية»، الساعية إلى فرض نظام فيدرالي في البلاد، والثاني في أقصى الجنوب السوري، عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق (التنف). وفيما يمكّن الوجود الأميركي في الشرق، الولايات المتحدة، من القبض على مصادر النفط السورية، إلى جانب امتلاكها عناصر ضغط على تركيا التي تعتبر «حزب الاتحاد الديموقراطي» امتداداً لحزب «العمال الكردستاني» المصنف على لوائح الإرهاب التركية، يُعتبر الوجود الموازي في منطقة التنف الأكثر أهمية بالنسبة إلى واشنطن.
وكانت قد ظهرت تلك الأهمية خلال محاولة ترامب الانسحاب من الشرق، ومن الزيارات المستمرة لمسؤولين أميركيين عسكريين إلى القاعدة المجهزة بأحدث المعدات العسكرية، لما تلعبه الأخيرة من دور بارز في تحصين إسرائيل، التي تعتمد عليها في عمليات كثيرة في الداخل السوري، إلى جانب إشرافها على الطريق الواصل بين طهران وبيروت.
وفي حديثها إلى «الأخبار»، تكشف مصادر كردية أن مسؤولين أميركيين أبلغوهم، أكثر من مرة، أن خطة الانسحاب التي يجري الحديث عنها من العراق لا تشمل سوريا، في الوقت الحالي على أقل تقدير، الأمر الذي يعدّ بالنسبة إلى الأكراد في «الإدارة الذاتية» عنصراً حاسماً في وجود هذه «الإدارة»، التي تسعى إلى ترسيخ نفسها بحكم الأمر الواقع. وتشير المصادر إلى جملة من التحركات الأميركية في الشرق السوري جرت أخيراً، من بينها استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة في محاولة لتحصين قواعدها والتصدي للهجمات المستمرة للمقاومة، والتي تأتي على خلفية الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين في غزة.
وإلى جانب استقدام تعزيزات، أقامت القوات الأميركية معسكرات تدريبية عدة لمقاتلين أكراد، تضمنت تدريبات على أسلحة حديثة، من بينها منظومات متوسطة للدفاع الجوي، وعربات عسكرية، وغيرها، الأمر الذي اعتبرته تركيا تهديداً إضافياً لها، حاولت واشنطن الالتفاف عليه عبر تقديم تطمينات عدة. وجاء آخر التطمينات في الرسالة التي حملها القائم بأعمال وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، جون باس، الذي التقى نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، الأسبوع الماضي، ضمن محاولة أميركية جديدة لعرقلة مساعي التطبيع السوري – التركي، بوساطة روسية وإيرانية وعراقية، والتي يشكل إنهاء «الإدارة الذاتية» أحد أعمدتها الرئيسية.
وإذ قالت المصادر إن ثمة حالة «عدم يقين» إزاء استمرار الوجود العسكري الأميركي في الشرق السوري، فهي أكّدت أن الولايات المتحدة يمكنها في أي وقت المفاوضة على وجودها هناك، كونها تفصل بين ملفَي الشرق والجنوب الذي يعدّ أكثر أهمية، وخصوصاً مع التطورات الأخيرة في فلسطين، والاستماتة الإسرائيلية لتوسيع دائرة الحرب وتحويلها إلى حرب إقليمية.