إعلان حرب تحرير فلسطين هو الحل الوحيد

بقلم: مجدى أحمد حسين*

المحت من قبل إلى اننى أختلف فى الرؤية الاستراتيجية مع محور المقاومة ولكننى أحجمت عن الإفصاح على أساس أننى لست فى غرفة العمليات وليس لدى مجمل المعلومات ، كما انهم لن يستمعوا لى على الأغلب ، ولأننى أثق فى إخلاص هذه القيادات للقضية الفلسطينية .. وبالتالى فإن دور المؤيدين والمناصرين من خارج المشهد أن يركزوا على دعم هذه الجبهة المناضلة ، والتركيز على ضرورة مشاركة مختلف الشعوب العربية فى معترك هذا النضال المشروع .

ولكن منذشهور أفصحت قليلا عن بعض آرائى وقلت إن المعارك الفاصلة فى التاريخ حدثت بدون ترتيب دقيق مسبق وحسابات معقدة طويلة .. واستعنت بالآية الكريمة عن معركة بدر ” ولو تواعدتم لاختلفت فى الميعاد ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولا ” والتاريخ مليىء بالأمثلة فروسيا أرغمت على الدخول فى حرب كبرى بدون أى استعداد أو ترتيب مرتين فى التاريخ فى عهدى نابليون وهتلر ، واضطرت للاستعداد خلال الحرب نفسها حتى انتصرت فى المرتين وهزم نابليون وهتلر شر هزيمة فى المرتين . ولا أريد أن استرسل فيما قلته أو كتبته على استحياء منذ شهور حتى أدخل فى التصور الحالى الذى أصبح واضحا فى ذهنى الآن مع كل التطورات والواقعة الحاسمة الجديدة . وقد كتبت سابقا على استحياء بمعنى عدم الرغبة فى الدخول فى حوارات جانبية أو خلط الأوراق مع منتقدى محور المقاومة بسوء نية . ولكن الآن بعد هجمات اسرائيل السيبرانية وضربها لبيروت للمرة الثالثة واستمرارها فى مسلسل الاغتيالات .. الآن حصحص الحق ، من وجهة نظرى ، ولابد من الحديث المباشر والصريح ، وهذا هو اجتهادى فى سبيل الله الذى كتمته ، أو ترددت فى الإفصاح عنه .. الموقف جد خطير وتقليب الأمور على كل الأوجه بين المخلصين مسألة ضرورية .

هذه حرب استنزاف وليست حرب تحرير فلسطين.

استراتيجية محور المقاومة قامت على ذلك ويفهم من ذلك انه غير مستعد بعد لمعركة التحرير ولكنهم كانوا يضيفون ان العدو إذا صعد الأمور إلى الحد الأقصى فإن المحور مستعد للمنازلة الكبرى . وأضافوا ليس فى ذلك أى تناقض فنحن نترك العدو ليخطىء ويكون هو فى موقع المعتدى حتى تقتنع جبهاتنا الداخلية لأن المعركة الكبرى ستكون مكلفة ، وكذلك نظهر أمام الرأى العام العالمى الذى بدأ ينحاز للقضية الفلسطينية أننا نحن المعتدى علينا . وبالتالى فإننا نقوم بحرب استنزاف للعدو ، نحن قادرين على تحملها وهو لايستطيع ، فسيضطر فى النهاية إلى القبول بشروط المقاومة ويوافق على وقف إطلاق النار وينسحب من غزة وتتم مبادلة الأسرى ويتم فك الحصار عن غزة وبداية عمليات الاعمار. حتى ذلك كان الأمر يبدو مقنعا ولكن :

تبين أن التحالف الأمريكى الصهيونى الغربى يرى إن الموافقة على هذه الشروط مع بقاء القوة التسليحية للمقاومة فى غزة وباقى أطراف محور المقاومة كما هى ، ان الموافقة على ذلك تعنى هزيمة مبرمة وواضحة لهذا الحلف . ستنتهى قوة اسرائيل وتفوقها فى المنطقة وستكون علامة فارقة على بداية خروج أمريكا منها ، وأمريكا تبذل قصارى جهدها حتى لا يصبح واضحا أنها لم تعد القوة العظمى الأولى فى العالم .

ولذلك بدأت العملية العكسية فى سلسلة من العمليات الأمنية النوعية : الاغتيالات وعلى رأسها : اغتيال هنية وفؤاد شكر ، بدور أمريكى حاسم . حتى وصلنا إلى تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية والاغتيال الأخير بضاحية بيروت الجنوبية . واليوم السبت أعلن عن عودة حاملة طائرات أمريكية ومجموعة من الفرقاطات إلى شرق المتوسط بعد غد الاثنين .

أعلم أن جبهة لبنان أوجعت اسرائيل من خلال الضرب المتواصل للمواقع العسكرية فى شمال الكيان بعمق 30 كيلومترا وهو أمر مفيد فى إضعاف الجيش الاسرائيلى وتعويق أى خطط له لاجتياح برى للبنان ، كذلك أوجعت جبهة لبنان الكيان بمسألة تهجير قرابة 100 ألف مستوطن من الشمال إلى الوسط .

ولكن حرب الاستنزاف تعتمد أساسا على التراشق عن بعد ، وهنا فإننا نقاتل العدو فى ميدان قوته ، وهو القدرات المتطورة فى المجال التكنولوجى .. فى الاتصالات والتجسس الالكترونى والأقمار الصناعية ، وهى قدرات أمريكية وأطلسية وغربية . الاغتيال الأخير أمس للقائد الكبير ابراهيم عقيل كان بتدبير وتنفيذ اسرائيلى – أمريكى – يونانى وأن الطائرة اف 35 الاسرائيلية جاءت من قاعدة أمريكية فى اليونان .

محور المقاومة يركز على الضربات العسكرية ، ويركز الاسرائيلى على ضرب المدنيين فى غزة وفى لبنان يضرب بدون تمييز بين المدنى والعسكرى ولكنه يحقق ضربات مؤثرة فى القادة ، ولا أدرى لماذا لا يبقون فى الانفاق المحصنة ؟

معنويات جمهور المقاومة والجمهور العربى والاسلامى الأوسع بكثير من جمهور المقاومة تتأثر بشدة ، عندما ترى أكثر من 2 مليون فلسطينى ينكل بهم فى غزة كل يوم على مدار أكثر من 11 شهرا ، بينما تقوم المقاومة بضرب أهداف عسكرية غير مرئية . الجمهور لا يرى أن الضربات تؤدى إلى تراجع العدو عن خنق غزة . بل يرى ان العدو يصعد ضرباته على مدنيى لبنان بالآلاف . قلت مرة فى أحد الفيديوهات إن إبادة مدينتين فى غزة : غزة وخان يونس ، كان يتطلب ضرب حيفا و صفد مثلا بنفس القدر من الضراوة . وهنا يقال لنا أننا لسنا دولة موحدة وكل قطر له ظروفه . ونحن لن نحرر فلسطين إلا بتجاوز هذا الوضع وتلك المشاعر .

وأنا أقدر تقديم حزب الله لأكثر من 600 شهيد وإخلاص حزب الله لقضية فلسطين ، وعدائه للعدو الاسرائيلى منذ نشأته عام 1982 ليست محل شك . فؤاد شكر و ابراهيم عقيل قاتلا الاحتلال الأمريكى للبنان قبل تأسيس حزب الله . ولكننى أتحدث فى الاستراتيجية الأفضل فى المواجهة .. والأسلوب الأفضل لتعبئة الجماهير العربية وهى العمق الكبير والخزان الرهيب للمقاومة ، عن طريق إشعال الأمر الأساسى الذى يلهب مشاعر الناس : شعار تحرير فلسطين .

إن الاكتفاء بالتراشق عن بعد ربما يتمكن العدو من تحمله طالما أن تجمعاته السكانية غير مستهدفة ، وطالما أن المدد العسكرى لايتوقف من أمريكا وكل الغرب . قال منظرو محور المقاومة إن استهداف التجمعات السكانية سيؤدى إلى إمعان العدو فى استهداف السكان فى بيروت ودمشق وبغداد وطهران . هذا صحيح ولن أقول لماذا تركنا المدنيين فى غزة يذبحون على مدار 11 شهرا بدون قصاص يكافىء هذه الجريمة . دعونا نتحدث عن الوضع الآن .

الأمر المثير ان منظرى محور المقاومة حدثونا كثيرا عن قوة الرضوان والاستعداد لاجتياح الجليل ، فى الوقت المناسب ، ورهنوا ذلك عند قيام الاسرائيلى بغزو لبنان بريا . ولكن ها هو يمارس العدوان عن بعد وهو يخشى الاجتياح البرى وهو يعلم خبرته السلبية فى عدوان 2006 . ولذلك لايزال يمارس العدوان عن بعد .

إن تحرير الجليل وفيه العديد من القرى اللبنانية الأصيلة أصبح مبررا وشرعيا ، بعد هذا العدوان الالكترونى الذى أصاب أكثر من 4 آلاف لبنانى استشهد منهم العشرات وفقد المئات عيونهم أو أصابعهم وأيديهم .

ربما كان الشهيد ابراهيم عقيل يبحث فى اجتماعه الأخير مسألة تحرير الجليل والجولان .

بغض النظر فإننى ادعو لذلك لأن القتال البرى هو ميدان القوة الأول للمجاهدين العقائديين الساعين لتحرير أوطانهم ، ونحن نرى كيف يهرب جنود اسرائيل أمام المقاتل الغزاوى ؟ وكيف يحاربون غزة بالقصف عن بعد بالطائرات والمدافع وقطع البحرية ؟ ومن خلال الاشتباك يتعطل دور الطائرات إلى حد بعيد ، وتتراجع مسألة التفوق التكنولوجى والتجسسى ، فالقتال البرى يعتمد أساسا على روح المقاتل رابط الجأش .

وأيضا فإن إعلان الحرب لتحرير فلسطين يفتح المجال لاستقبال المقاتلين المتحرقين للقتال فى اليمن والعراق وقد طالبوا بذلك وأعلنوا استعدادهم وطالبوا بفتح الجبهات لهم فى لبنان وسوريا . إن شعار تحرير فلسطين سيلهم الملايين من العرب والمسلمين ، ومنذ شهور أعلنت حركة طالبان الحاكمة فى أفغانستان استعدادها للقتال فى فلسطين وكذلك أعلن قائد الشيشان . وأنا واثق من مجيىء المتطوعين من كل انحاء العالم الاسلامى من اندونيسيا إلى المغرب . وأتصور أن تنقلب الأمور فى الأردن المشتعل منذ بداية الحرب فى 7 أكتوبر 2023 خاصة بعد العملية البطولية الأخيرة على معبر الكرامة . ولا شك سينهض الشعب المصرى وسيتغير الموقف المصرى . وسيتعرض النظام التركى لضغط شديد ليغير موقفه الكلامى إلى موقف فعلى ، وحتى اذا لم يحدث ذلك بصورة كبيرة فيكفى عشرات الملايين فى اليمن والعراق وايران والأردن وسوريا ولبنان .

وقد يخشى الأعداء من هذه الحملة فيدعون إلى التفاوض ووقف جدى لاطلاق النار ، ويمكن خلال ذلك أن نحرر جزءا من فلسطين وعلى الأقل إعادة تحرير غزة وجزء من الجليل وجزء من الجولان . كذلك يمكن التحصن بما يسمى الشرعية الدولية من خلال التمسك على الأقل بحد أدنى بالدولة العربية المنصوص عليها فى قرار للأمم المتحدة عام 1947 وهى تضم الضفة الغربية وغزة والقدس وأم الرشراش وجزء من الساحل شمالى غزة وجزء من الجليل . والخريطة منشورة و موجودة عند الأمم المتحدة .

الأمر يحتاج للمزيد من الشرح والتوضيح ولذلك أكتفى الآن بهذا الحجر فى البحيرة الراكدة .

واعترف فى النهاية إننى أتفاعل مع كثير من الآراء اليمنية ، فهؤلاء القوم أكثرنا قربا من الفطرة السليمة وعلينا أن نستمع منهم ونتعلم منهم ، ولذلك هم يبهرون العدو والصديق على السواء . وبعضهم قرأت له أفكارا قريبة من هذه الأفكار .

والله الموفق والمستعان.

*باحث اسلامى و كاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى