استهدافات الحرب التكنولوجية الإسرائيلية الأمريكية ضد حزب الله

بقلم: توفيق المديني

تُعَدُّ الوحدة 8200 من أهم وحدات الجيش الصهيوني ، المتخصصة بالحرب الإلكترونية والمخابرات العسكرية، وتُعرف بأنَّها النظير الصهيوني لوكالة الأمن القومي الأميركية ومكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية. وهي الوحدة الأكبر في الجيش الصهيوني وتعمل في مجالات التجسس الرقمي والهجمات السيبرانية، وتلعب دورًا حيويًا في المخابرات العسكرية.
ولعبت هذه الوحدة دورًا رئيسًا في العدوان السيبراني الإجرامي الأخير الذي استهدف مئات من أجهزة “البيجر” التي يستخدمها أعضاء حزب الله في لبنان ، يوم الثلاثاء 17أيلول/سبتمبر 2024، كما قامت هذه الوحدة يوم الأربعاء 18سبتمبرالجاري،بتفجير آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها حزب الله في موجة ثانية للعدوان السيبراني بدأت يوم الثلاثاء الماضي.
وخلال اليومين الماضيين، شهدت مناطق مختلفة من لبنان تفجيرات واسعة لأجهزة اتصالات لاسلكية من نوعي “بيجر” و”ووكي توكي- آيكوم ICOM V82″، ما أسفر عن سقوط 32 شهيدا وإصابة نحو 4000 آخرين بجروح مختلفة، وهناك 400 حالة حرجة، وفق أحدث بيانات وزارة الصحة اللبنانية.
فقد تعرّض حزب الله لأكبر خرق أمني في تاريخه، إذ تمكّن العدو الصهيوني من تفجير أجهزة بيجر للإتصالات المشفّرة، مما وضع الحزب في حالة إرباك نتيجة فقدان مواقعه العسكرية والأمنية عدداً كبيراً من العناصر أولاً، ونتيجة الخرق الحاصل والخلل الأمني الذي استغلّه العدو الصهيوني ثانياً.
كلمة السيد نصر الله
بعد هذا العدوان الإجرامي، قال السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في كلمته يوم الخميس 19سبتمبر 2024:” إن الحزب تلقى ضربة كبيرة وغير مسبوقة في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.وأوضح ، أنَّ يوم الثلاثاء والأربعاء “كانت أياما ثقيلة ودامية، وكانت امتحانا كبيرا، وسنتمكن من تجاوز هذا الامتحان”.
وأضاف أن “العدو تجاوز في هذه العملية كل الضوابط والقوانين والخطوط الحمراء، لم يكترث لأي شيء على الإطلاق، لا أخلاقيا ولا قانونيا. وقعت في مستشفيات وفي صيدليات وفي أسواق، وفي بيوت، وفي الطرقات العامة”.وتابع: “العدو كان ينوي قتل 4 آلاف شخص في دقيقة واحدة، وفي اليوم الثاني أيضا كانت نيته قتل الآلاف”.وقال نصر الله إنَّ “هذا العمل الإجرامي هو عملية إرهابية كبرى وعملية إبادة ومجزرة ويصل إلى إعلان حرب”.
الأطراف المتورطة في هذا العدوان الإجرامي الصهيوني
تعددت الفرضيات و التحليلات حول الآلية التي استخدمها العدو الصهيوني لتفجير أجهزة النداء الآلي “البيجر” ‏الخاصة بعدد كبير من عناصر حزب الله، ومنها القيام باختراق الجهاز عبر هجوم ‏سيبراني، أدى لتفجير البطاقة، وفرضية أخرى عن احتمالية زرع ‏متفجرات داخل الجهاز عبر اختراق سلسلة التوريد، ثم تم تفعيل هذه المتفجرات عبر تقنية متطورة.‏
فماهي أجهزة البيجر ؟إنَّه جهاز ‏اتصال لاسلكي صغير ومحمول، ‏شاع استخدامه بكثرة في من قبل عناصر حزب الله في أواخر الثمانينيات وأوائل ‏تسعينيات القرن الماضي، وهي مرتبطة بشبكة الاتصالات الخلوية ‏‏”الهاتف المحمول”.‏ يُذكر أن أجهزة البيجر، معروفة بقدرتها على توفير التواصل الفوري والمباشر، وتعد ‏من أقدم وسائل الاتصالات ‏المحمولة التي ساهمت في تعزيز التواصل السريع في ‏مختلف القطاعات.‏
وعلى الرغم من التطور الهائل في تقنيات الهواتف المحمولة، إلا أن البيجر لا يزال ‏يُستخدم بشكل واسع في العديد من ‏المجالات الحيوية مثل الرعاية الصحية والطوارئ، ‏بفضل موثوقيته وبساطته في نقل الرسائل النصية القصيرة ‏والتنبيهات.‏ويعتمد عمل البيجر على تقنية الاتصالات اللاسلكية الراديوية (‏Radio Frequency ‎Communication‏(.وهذه التقنية تقوم بنقل الرسائل والإشارات عبر ترددات راديوية من خلال شبكة من ‏الأبراج أو محطات الإرسال إلى ‏جهاز البيجر الخاص بالمستخدم.‏وتعمل أجهزة البيجر دون الحاجة لربطها على شبكة الإنترنت، وهي أجهزة اتصال تستخدم الأمواج الراديوية ‏بترددات ‏مختلفة.
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز “الأمريكية، أن الأجهزة التي انفجرت في لبنان، مصدرها شركة وهمية أنشأها الموساد الإسرائيلي بهدف تصدير أجهزة البيجر إلى حزب الله بعد زرع المتفجرات فيها.
ونفت الشركة التايوانية التي تحمل الأجهزة اسمها، أن تكون صدرت الأجهزة من تايوان، قائلة إنها من صنع شركة “بي.إيه.سي كونسلتنغ” المجرية التي تملك حقوق التصنيع.لكن من جهتها، أكدت الرئيسة التنفيذية للشركة المجرية كريستيانا بارسوني-أرسيدياكونو، في مقابلة هاتفية مع شبكة إن بي سي الأمريكية، العمل مع شركة غولد أبولو، لكنّها نفت أن يكون لها دخل في التصنيع.وقالت: “لا أُصنّع أجهزة النداء. أنا مجرّد وسيط. أنتم مخطئون”.
وقال المتحدث باسم الحكومة المجرية زولتان كوفاكس على “فيسبوك”: “أثبتت السلطات المجرية أن الشركة المعنية هي شركة وساطة تجارية، وليس لها مصنع أو موقع آخر للعمليات في المجر”.وأردف قائلاً: “لها رئيس عمليات واحد في المجر… ولم تدخل الأجهزة المشار إليها المجر قط”.
وفي بلغاريا، قال جهاز الأمن، الخميس، إنه سيحقق مع شركة مرتبطة ببيع أجهزة اتصال بيجر انفجرت في لبنان، الثلاثاء.وقالت وكالة أمن الدولة البلغارية في بيان إنها تعمل مع وزارة الداخلية للتحقيق في دور شركة مسجلة في الدولة، دون تسميتها.وتقول تقارير إعلامية بلغارية إنَّ شركة “نورتا جلوبال” المحدودة ومقرها صوفيا سهّلت بيع أجهزة البيجر التي انفجرت في أنحاء لبنان يوم الثلاثاء مما أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة قرابة 4 آلاف آخرين.
تشير تحليلات الصحيفة إلى أن شركة ‏‏”بي.إيه.سي كونسلتنغ” ‏كانت شركة مقرها المجر وكانت متعاقدة لإنتاج الأجهزة نيابة ‏عن شركة تايوانية، ‏”غولد أبولو‏”‏.
في الواقع، كانت جزءًا من واجهة إسرائيلية، وفقًا لثلاثة ضباط استخبارات ‏مطلعين على العملية. وقالوا إن شركتين وهميتين أخريين على الأقل تم إنشاؤهما أيضًا لإخفاء الهويات الحقيقية ‏للأشخاص الذين يصنعون أجهزة البيجر وكلهم ضباط استخبارات إسرائيليون.‏
لقد تعاملت شركة ‏”بي.إيه.سي كونسلتنغ” ‏مع عملاء عاديين، وأنتجت لهم مجموعة من أجهزة البيجر العادية. لكن العميل الوحيد الذي ‏كان مهمًا حقًا هو حزب الله، وكانت أجهزة البيجر الخاصة به بعيدة كل البعد عن العادية. تم إنتاجها بشكل منفصل، ‏وكانت تحتوي على بطاريات مملوءة بمادة ‏PETN‏ المتفجرة، وفقًا لضباط الاستخبارات الثلاثة.‏
بدأ شحن أجهزة النداء إلى لبنان في صيف عام 2022 بأعداد صغيرة، لكن الإنتاج تم تكثيفه بسرعة بعد أن انتقد الأمين العام لحزب الله، حسن ‏نصر الله الهواتف المحمولة.‏لم يحظر نصر الله الهواتف المحمولة في اجتماعات عملاء حزب الله فحسب، بل أمر بعدم نقل تفاصيل تحركات ‏حزب الله وخططه عبر الهواتف المحمولة، كما قال ثلاثة مسؤولين استخباراتيين.وأمر ضباط حزب الله بحمل أجهزة ‏البيجر في جميع الأوقات، وفي حالة الحرب، سيتم استخدام أجهزة البيجر لإخبار المقاتلين إلى أين يذهبون.‏وعلى مدار الصيف، زادت شحنات أجهزة البيجر إلى لبنان، حيث وصلت الآلاف منها إلى البلاد وتم توزيعها بين ضباط ‏حزب الله وحلفائهم، وفقًا لمسؤولين استخباراتيين أمريكيين.‏
بالنسبة لحزب الله، كانت هذه الأجهزة بمثابة إجراء دفاعي، ولكن في “إسرائيل”، أشار ضباط الاستخبارات إلى أجهزة ‏النداء باعتبارها “أزرارا” يمكن الضغط عليها عندما يبدو الوقت مناسبًا.‏ووفقًا لثلاثة مسؤولين استخباراتيين ودفاعيين، فقد قامت “إسرائيل” بتشغيل أجهزة البيجر لإطلاق صفارة الإنذار وأرسلت لهم ‏رسالة باللغة العربية بدا وكأنها جاءت من كبار قادة حزب الله.‏وبعد ثوانٍ، كان لبنان في حالة من الفوضى.‏
هذا العدوان السيبراني تأكيد على سيطرة النزعة الاستعمارية الغربية
تستهدف أمريكا و الكيان الصهيوني من خلال هذه الحرب التكنولوجية الحديثة جدًّا تعطيل الاتصالات والتأثير على قدرة حزب الله في ميدان المعركة، فضلاً عن أنَّها رسالة أمريكية تؤكد على أنَّ التكنولوجيا الرقمية(أجهزة الاتصالات الإلكترونية) رغم شيوع استخدامها على الصعيد الكوني تظل أداة حرب تكنولوجية تستخدمها القوى الغربية الاستعمارية وفي مقدمتها أمريكا وربيبتها “إسرائيل” في سبيل إبقاء العالم العربي تحت سيطرة الإمبريالية الأمريكية.
في العهود الاستعمارية،وفي مرحلة ما بعد الاستقلالات في العالم العربي، احتكرت الدول الإمبريالية الغربية مدِّ البلدان العربية بالتكنولوجيا المتقدمة سواء في المجال الصناعي أو الزراعي، أو النووي، لأنَّها تريد إبقاء الدول العربية في حالة من التبعية الاقتصادية والتكنولوجية للغرب الاستعماري.
وحين حاولت بعض الدول العربية والإسلامية مثل مصر في عهد عبد الناصر،والعراق وسوريا في ظل حكم البعث، وإيران بعد نجاح الثورة الإسلامية في عام1979، اقتناء التكنولوجيا الغربية و إعادة تخليقها محليا، لتحقيق التنمية المستدامة،وكسر نهج التبعية للغرب، جابهها الغرب الاستعماري عن طريق الحروب والعقوبات الاقتصادية، لأنَّ القوى الإمبريالية الغربية تريد احتكار التكنولوجيا في الصناعات الحيوية والموارد الطبيعية، واليوم تُعيد هذه القوى الإستراتيجية نفسها، ولكن عبر احتكار المعرفة والتقنيات الرقمية. فالشرائح المتقدمة وأجهزة الاتصال والمراقبة لم تعد فقط أدوات للاستخدام المدني أو العسكري، بل أصبحت رموزاً للقوة والسيطرة.
وفي هذا السياق، يخوض العدو الصهيوني ومن ورائه الإمبريالية الأمريكية والدول الغربية الحليفة لها حربًا تكنولوجية جديدة ،ضد حزب الله بوصفه الفصيل الطليعي في كل محور المقاومة، لكي لا يستخدم التكنولوجيا الرقمية في الحرب ضد الكيان الصهيوني، أما إيران التي تحاول تطوير التكنولوجيا النووية لاستخدامها للأغراض السلمية، فتُتَّهَمُ من قبل معسكر الأعداء بأنَّها تريد تطوير هذه التكنولوجيا لصناعة القنبلة النووية، فيتم معاقبتها أيضًا.
البيجر الذي كان يُعتقد أنَّه أقل عرضة للتنصت والتتبع بسبب بساطته التقنية مقارنة بالأجهزة الأكثر تطوراً، أصبح هو الآخر في مرمى الأعداء. هذا الاختراق لم يكن فقط لضرب البنية التحتية للمقاومة، بل لبعث رسالة أوسع مفادها أنّ التكنولوجيا ـــ مهما كانت بدائية أو معقدة ـــ ستظلّ تحت سيطرة الكيان الصهيوني والدول الإمبريالية الغربية . واستخدامها من قِبَل الشعوب المقاومة، يُعدّ تحدِّياً للهيمنة الإمبريالية الغربية التي تسعى أمريكا وحلفائها في المعسكر المعادي إلى إبقاء الشعوب العربية والإسلامية رهينة لسيطرة الاستعمار الأمريكي-الصهيوني الجديد، وإن اختلفت أدواته، وفي حالة تبعية دائمة.
هذا العدوان شكل جديد في الحرب بين “إسرائيل” وحزب الله
يُعَدُّ هذا العدوان الصهيوني السيبراني على حزب الله ،فصلاً جديدًا في الحرب القائمة بين حزب الله و الجيش الصهيوني منذ الثامن من أكتوبر 2023، حيث تجاوز الكيان الصهيوني كل الخطوط الحمراء، من خلال دخوله في حرب تكنولوجية، وعدوان سيبراني إجرامي، وحرب نفسية، فاجأت الجميع، بما فيهم حزب الله .
ومن أهداف هذا العدوان الصهيوني على لبنان خوض الحرب النفسية على حزب الله، وإسقاط الروح المعنوية، والضرب على الإنقسام الداخلي اللبناني، لكنَّ حالة التضامن اللبنانية الواسعة التي عمَّتْ المناطق اللبنانية كافة ، هي ردٌّ عمليٌ على رهانات العدو التقسيمية .
قادة الكيان الصهيوني الفاشيون: رئيس الوزراء ورئيس الأركان ورئيس الشاباك ورئيس الموساد ووزير الدفاع – كل ما يمثلونه،وبصورة مشتركة يريدون من خلال هذا التصعيد في الجبهة الشمالية، جرِّ إيران وحزب الله إلى حربٍ إقليميةٍ شاملةٍ ، حيث قال جيش الاحتلال الصهيوني إنَّ هناك خطط ‏جاهزة لمهاجمة لبنان.‏وقال رئيس الأركان الصهيوني هرتسي هليفي إنَّ “الجيش يعمل بقوة في الشمال وفي ‏حالة تأهب عالية مع خطط ‏عملياتية جاهزة”، مؤكدا أن الجيش مستعد لأي مهمة قد ‏يُطلب منه تنفيذها”.‏علما أنَّ إيران وحزب الله يتجنبان مثل هذه الحرب ، ‏وظهر هذا جليًا في تصريحات للأمين العام لحزب الله – ‏بأنَّ الحرب ليست نزهة، ولكنَّ إنْ فُرِضَتْ علينا سنقوم ‏بالمجابهةِ.
وقال وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت :”نحن في بداية مرحلة جديدة في الحرب، وهذا يتطلب منا الشجاعة والإصرار والمثابرة، وأنَّ مركز الثقل ينتقل نحو الشمال (لبنان)من خلال تحويل الموارد والقوات””.وأضاف أنَّ “هذه العملية يتمُّ تنفيذها من قبل جميع الهيئات، والمهمة واضحة وبسيطة – إعادة سكان المستوطنات في الشمال إلى منازلهم بأمان.. أعتقد أنَّه عندما تنظر إلى الوضع، فإنَّ الجيش الإسرائيلي يحققُ إنجازاتٍ ممتازة، إلى جانب الشاباك والموساد والنتائج مثيرة للإعجاب للغاية”.
يتبجح قادة العدو الصهيوني بأنَّهم على أتم الاستعداد لخوض الحرب الإقليمية الواسعة واحتلال شريط حدودي في جنوب لبنان، وكسر شوكة حزب الله العسكرية ، لا سيما أنًّه منذ دخول هذا الأخير الحرب في 8أكتوبر الحرب ضد جيش الاحتلال الصهيوني، التزم الطرفان بقواعد الاشتباك المحدودة، التي قبلها قادة العدو الصهيوني على مضضٍ بسبب حرب الإبادة الجماعية التي يخوضونها في غزَّة من أجل تصفية البنية العسكرية للمقاومة الإسلامية بقيادة حماس.
لكنَّ حرب الاستنزاف التي دخلها حزب الله ضد العدو الصهيوني منذ 11 شهرًا، كانت نتائجها متفاوتة بصورة كبيرة، إذ دمَّرَجيش الاحتلال الصهيوني عشرات القرى اللبنانية على امتداد 120 كيلومتراً من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة ، في مقابل ضرر متوسط إلى خفيف في بضعة مستوطنات صهيونية، 440 قتيلاً سقطوا من حزب الله بينهم عشرات من كبار قادته ومن كان بمنزلة القائد العسكري الأول، فؤاد شكر، في مقابل 20 قتيلاً عسكرياً في الجيش الصهيوني ، أي بمعدل قتيل صهيوني واحد مقابل 22 لحزب الله. أما في ما يخص المدنيين، فـمائة قتيل في لبنان (بينهم العديد من السوريين) مقابل نحو عشرة في الكيان الصهيوني . عدد المهجّرين اللبنانيين يناهز الـ150 ألفاً، أما في “إسرائيل” فهو يراوح بين 60 ألفاً و120 ألفاً يقيمون في فنادق.
أما عسكرياً، فاغتيالات “إسرائيل” التي أصابت إسماعيل هنية في طهران،وفؤاد شكرفي الضاحية الجنوبية لبيروت، والعدوان الصهيوني السيبراني الأخير، أظهروا أنَّ محور المقاومة مخترقٌ، ما أعطى دفعة معنوية سياسية وعسكرية هائلة لقادة العدو الصهيوني وجنرالاته، لكي يطرحون مسألة توسيع الحرب الإقليمية واحتلال شريط حدودي في جنوب لبنان ،كما فعلوا في السابق عام 1978،وفي حرب تموز 2006، لإقناع حزب الله بأنَّ من مصلحته قطع علاقته بحماس وإبرام صفقة منفصلة لإنهاء الحرب مع الكيان الصهيوني، بغض النظر عن وقف إطلاق النار في غزَّة.
في يوم الأربعاء الماضي، قرَّر جيش الاحتلال الصهيوني نقل فرقة نخبة من قطاع غزَّة إلى الحدود الشمالية مع لبنان، في ظل رفع حالة التأهب هناك، تحسبًا لرد محتمل من حزب الله، بعد العدوان الصهيوني السيبراني .ويدفع نتنياهو بقوة منذ أيام نحو شنِّ عملية عسكرية ضد لبنان في مواجهة “حزب الله”، تحت وطأة ضغوط داخلية جراء استمرار قصف الحزب لمواقع عسكرية إسرائيلية، والإخفاق في إعادة عشرات الآلاف من المستوطنين الصهاينة الذين نزحوا من الشمال مع بدء الاشتباكات على جبهة لبنان ، ورفضه إبرام الصفقة مع حماس، وخوفه الشديد من الذهاب إلى السجن مباشرة بعد سقوط حكومته الفاشية، التي يتحكم فيها اليمين الديني المتطرف.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
مازال الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية لم يتعظا بعد من دروس حرب تموز 2006، وحرب الاجتياج الصهيونية للبنان في عام 1982،إذ يدرك المحللون الصهاينة والأمريكان أنَّه توجد في إقليم الشرق الأوسط قوى مقاومة قادرة على مواجهة أي عدوان صهيوني أمريكي.صحيحٌ أنَّ العدوان الصهيوني السيبراني على لبنان، قلب قواعد المواجهة، والصراع بين المقاومة اللبنانية وجيش الإحتلال الصهيوني ، إِذْ بات عنوانه الآن ” حرب الردع ” ، لكنَّ الردود المنتظرة من المقاومة اللبنانية ستظهر أنَّ نتائج هذه الحرب لن تكون في صالح الإحتلال الصهيوني.
حزب الله هو قوة أساسية في محور المقاومة، أي قوة تحرر وطني مناهضة للاستعمار الصهيوني الاىستيطاني في فلسطين المحتلة، ومؤمنة بخوض معركة الإسناد في جبهة شمال فلسطين المحتلة نصرةً لحركة المقاومة الإسلامية في غزَّة بقيادة حماس التي تخوض الحرب في الجبهة الجنوبية .
ويستند حزب الله إلى تحالف إقليمي يمتد من شواطئ غزة إلى قلب طهران، مروراً بدمشق، ويمكن وصف هذا الحلف بأنه تحالف طبيعي لمتضررين من تحولات سياسية جرت في سياق غير طبيعي شهدتها المنطقة، بعد الحروب الصاعقة،التي شنتها “إسرائيل” منذ العام 1967 حين تمكَّن الجيشُ الصهيوني في غضون ستّة أيّام – والرقم له دلالاته التوراتيّة – من احتلال أراضٍ في ثلاث دول عربيّة بمساحةٍ تفوق بأضعاف مساحة الدولة الصهيونية نفسها.
كما أنّ حرب الإبادة الجماعية في غزَّة بالقتل والتنكيل والاقتلاع اليومي؛ فشلت في القضاء على المقاومة الفلسطينية، وفشلت أيضًا في أن تدفع الفلسطينيّون ليأكلون بعضهم بعضاً، بل أعطت زخمًا جديدًا للقضية الفلسطينية لكي تعود كقضية تحرر وطني لشعب فلسطيني شُرِّدَ من أرضه.
الحرب التي يخوضها محور المقاومة حوَّلت “إسرائيل” من “وديعة إلهيّة” إلى “وديعة أمريكيّة”، كما كشفت أيضًا أنَّ أمريكا قد تحوَّلت إلى “وديعة إسرائيليّة”، حيث باتت المنظومة الاستعمارية الغربية بكل دولها مقتنعةً أنَّ سقوط “إسرائيل” في إقليم الشرق الأوسط يعني سقوط كل النظام العالمي الليبرالي المتوحش بزعامة الإمبريالية الأمريكية في العالَم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى