وحدة الدم والمصير في مواجهة العدو الصهيوني

بقلم: د. زيد احمد المحيسن

تأتي زيارة الأفراد والجماعات من داخل الأردن وخارجه إلى ديوان عزاء الشهيد البطل ماهر الجازي كترجمة عملية لإيمان الشعبين الفلسطيني والأردني بعمق الوحدة التي تجمعهما في مواجهة العدو الصهيوني المحتل. ذلك إن استشهاد ماهر الجازي، الذي أثار مشاعر الحزن والفخر في آن واحد، يجسد روح المقاومة والتحدي التي تتطلبها المرحلة الراهنة.

لقد ألقى هذا الحدث الضوء مجددًا على أن العدو الصهيوني هو العدو الأول للأمة العربية، مؤكدًا أن الصراع معه هو صراع وجودي بحت. فما فعلته رصاصات الجازي لم يكن مجرد فعل عسكري، بل كان رسالة مدوية ترفض أفكار السلام الوهمية التي تتنكر للحقائق التاريخية. إن العدو الذي يسفك دماء الأبرياء ويعتدي على الأراضي ليس له مكان على طاولة المفاوضات؛ فالصراع معه لا يقبل التسويات أو الحلول السلمية.

إن تجمع أبناء الوطن في ديوان الجازي صباحًا ومساءً هو استنهاض للهمم والوعي القومي بشكل واضح، عندما أوقعت رصاصات الشهيد ثلاثة رجال أمن للكيان الغاصب في معبر الكرامة. لقد أسقطت هذه الأفعال مفاهيم سايكس بيكو التي حاولت تقسيم بلاد الشام إلى كيانات قطرية، لتؤكد على وحدة فلسطين وسوريا والأردن ولبنان في معركة التحرير. هذا التأكيد على الهوية المشتركة يعكس التلاحم الراسخ بين أبناء الأمة العربية، حيث يتجلى دم الشهداء كعنصر موحد في خندق واحد، يسعى لتحقيق الأمل المنشود في الوحدة والحرية والحياة الفضلى للأمة العربية وتخليص فلسطين من براثن الاحتلال الصهيوني البغيض المدعوم من قوى الاستعمار والاستكبار الغربي.

في ظل هذا التحدي، تبرز المقاومة كسبيل وحيد نحو الانتصار. إن رسالة الشهيد واضحة: ليس هناك طريق آخر يؤدي إلى الحرية سوى المقاومة. فالمفاوضات لم تُجلب لنا سوى الأوهام والخيبات، بينما ساحة المعركة هي المكان الذي يُكتب فيه التاريخ المجيد. لقد أصبح صوت الشعب في “طوفان الأقصى” يمتد إلى ما وراء حدود الوطن العربي والإسلامي، حيث أفاقت جماهير العالم من أمريكا إلى أوروبا لتدرك طبيعة العدو الصهيوني. فقد تبيّن للجميع أن الكيان الذي يدعي الديمقراطية هو في حقيقة الأمر استعمار يمارس أبشع أنواع القتل والتدمير، وأن الديمقراطية التي يتشدق بها ليست سوى ثوب مزيف وغطاء لإخفاء وجهه العنصري الفاشي الإجرامي القبيح.

وعلى الجانب الآخر، فقد وصل الشعب العربي الفلسطيني إلى قناعات راسخة مفادها أن التحرير يبدأ بإعادة ترسيخ مفاهيم الوحدة الوطنية والعربية معًا، وأن القضية الفلسطينية هي قضية عربية شاملة. فالصهيونية تهدد جميع الدول العربية، وخاصة الأردن وفلسطين. لذا، يتطلب الأمر جهدًا جماعيًا لدعم هذه القضية.

إن الدور الذي تلعبه التحالفات العربية، كما يتجلى في دعم حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، يعكس تآزر القوى العربية في مواجهة هذا العدو. فقد أسقطت هذه التحالفات عناصر التفرقة بين أبناء الأمة العربية الواحدة، فالشهداء في غزة ورفح وجنين ونابلس وطول كرم والقدس وغيرها من مدن وقرى ومخيمات الصمود، لكن العزاء يمتد إلى عمان ومسقط وصنعاء وبغداد ودمشق والرباط وتونس والقاهرة.

لقد أكدت مجريات الأحداث أن وحدة الصف العربي هي السلاح الأكثر فاعلية ومضاء ضد التحديات الكبرى، وعلى رأس هذه التحديات إزالة هذا الكيان من جذوره، فهو حالة نشاز في الجسد العربي الكبير.

إن تضحيات عشيرة الجازي التي قدمت العديد من الشهداء عبر السنين تذكرنا ببطولة القادة والشهداء الذين دافعوا عن الأرض والكرامة في القدس وباب الواد واللطرون وجبل المكبر والكرامة. من بينهم، يبرز اسم مشهور حديثة الجازي ورفاقه في السلاح، الذي قاد معركة الكرامة عام 1968 بكل كفاءة واقتدار، ليُظهر للعالم أن الغلبة والنصر ليس بكثرة العتاد والرجال، ولكن النصر يأتي بصدق سواعد النضال والغايات والأهداف، وتقديم الدماء الزكية في سبيل هذه الأهداف النبيلة.

نعم، إن الشهداء هم الأحياء في ضمائرنا، ودروسهم تبقى سارية فينا، لتشحذ هممنا للتمسك بالوطن والدفاع عنه. ولا شك إن ذهاب الوفود أفرادًا وجماعات إلى بيت الشهيد ماهر الجازي لم يكن مجرد تعزية، بل كان تأكيدًا على الالتزام بمواصلة النضال، وعهدًا بأن الدماء الطاهرة التي سُفكت لن تذهب سدى، بل ستظل وقودًا من أجل تحقيق النصر والحرية والكرامة، وقد صدق المناضل الكبير غسان كنفاني عندما قال كلمته المشهورة: خلقت اكتاف الرجال لحمل البنادق فأما عظماء على هذه الأرض او عظاما في جوفها . .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى