قانون الاجراءات الجنائية .. وقصة جورج أورويل ” 1984 “

بقلم: مجدى أحمد حسين*

دعوت فى السنوات الأخيرة إلى حوار وطنى شامل .. واصطفاف ضد العدوان الخارجى على مصر والأمة العربية .. الحلف الصهيونى الأمريكى هو المسئول الأول عن تدهور أحوالناالحضارية العامة قبل أن نقول تدهور أحوالنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية ، ليس بمعنى تبرئة أنفسنا مما نحن فيه ، فلا شك أن جزءا منا تعاون مع اسرائيل تحت لافتة السلام والتعايش السلمى وكفاية ما جرى من حروب رغم أننا لم نحارب حقيقة أى حرب طويلة عدا حرب الاستنزاف التى استمرت أكثر من عام . وجزء أكبر مننا تعاون مع الولايات المتحدة باعتبارها الصديق المناسب والمفيد . ولم يقتصر هذا الجزء على الحكام الذين قادوا مرحلة كامب ديفيد من 1974 أى قبل توقيع الاتفاقية وحتى الآن . وثورة يناير فشلت من وجهة نظرى لأنها لم تواجه هذه المعضلة الرئيسية وركزت كل الأطراف على الصراع الداخلى والخلافات الداخلية السياسية والفكرية باعتبارها أساس الداء وتركت الحكام الحقيقيين بدون مساس . بل ذهب الأطراف الثلاثة الأساسية : الاخوان – الانقاذ – المؤسسة العسكرية يتحاكمون دائما للولايات المتحدة فى شخص السفيرة بترسون أو كيرى أو البنتاجون .. الخ . فأكل القرد الأمريكى كل قطعة الجبن كما تروى إحدى القصص وخسرت القطتان اللتان ذهبتا تتحاكمان للقرد ليقسم بينهما قطعة الجبن .

وعندما دعوت للحوار الوطنى الشامل لم يدرك البعض مقصدى وظن البعض أنه نوع من التراجع بعد سنوات السجن وهم لا يدركون أن بعض الناس وليس أنا وحدى لا يحددون مواقفهم على أساس الخوف من السجن .. ولا على أساس المكسب والخسارة الشخصية.

كنت أقصد من الحوار مستويين : حوار القوى الوطنية والاسلامية ، ليس بمعنى أن يتنازل طرف عن أفكاره المتمسك بها من الناحية الفكرية ، ولا بمعنى التحالف التكتيكى البراجماتى المخادع كما حدث من قبل . ولكن على أساس الاتفاق على مشروع وطنى مشترك للتحرر والاستقلال والبناء والتنمية . والمستوى الثانى يضم الحكام إذا رغبوا ، إذا تنازلوا ، وقد اقترحت مرارا حوارا مغلقا تجنبا للاحراجات ، المهم أن نصل إلى أرضية مشتركة إذا حسنت النوايا وأدركنا جميعا الخطر الخارجى والذى تحول بالفعل إلى خطر داخلى وهذه نتيجة منطقية لخمسة عقود من التبعية تحولت إلى حالة مؤسسية .

ثم سمعنا عن حوار وطنى دعت إليه الحكومة ورأيت أنها خطوة إيجابية مهما تكن نتائجها محدودة . لأن السنوات السابقة شهدت اعلان النظام انه انتصر على الجميع وأنه يملك الحقيقة وحده .. وهذه مشروعاته .. وهى مشروعات قومية .

فى قصة جورج أورويل ” 1984 “ كان النظام الذى يفترضه يضم 4 وزارات أهمهم وزارة اسمها ” الحقيقة ” الوزارة تحدد الحقيقة ، ومن الذى يجرؤ على مخالفة الحقيقة ، بل العقوبة عليه مستحقة بلا جدال .

كان يمكن تصور أن النظام سيتجاوز هذه الأعراض بعد انتهاء حمية المنافسة والصراع وبعد استقرار الأمر له . ولكننا رأينا النهاية المأسوية للحوار الوطنى حتى لقد رأينا اعتقال قائد نقابى بناء على رأيه داخل هذا ” الحوار ” . وكان رأيا فى مسائل نقابية . كنا نستعد جميعا لموارة الحوار الوطنى التراب غير مأسوف عليه ، وإذا ببارقة أمل تلوح كصاعقة فى سماء صافية : لقد وافقت الحكومة على مسألة واحدة : هى حل مشكلة الحبس الاحتياطى المستديم . وأعلن رئيس الحكومة الأولوية لهذا الموضوع وانه سيتم التقدم بقانون لمجلس الشعب . مع أن الأمر ببساطة لا يحتاج لقانون ، فالقانون الحالى يضع حدا للحبس الاحتياطى لعامين بينما هناك من تجاوز السنوات الخمس ، وإن لم يكن هذا هو الاعتقال فماذا وكيف يكون الاعتقال ؟

كان يمكن الافراج عن كل أو معظم المحبوسين احتياطيا ثم الانتقال إلى نقطة أخرى .

ولكن هناك غرفة سوداء قررت الاجهاز على أى بصيص أمل لتطبيع العلاقات بين الشعب والحكومة فيما يخص الحريات . أما فى الأمور الاقتصادية فالغرفة معروفة ومعروف أعضائها : رئيس الوزراء وكل وزراء المجموعة الاقتصادية وهم يهددوننا كل يوم بالويل والثبور وعظائم الأمور ، ويقرنون تهدياتهم بالتنفيذ المتوالى لقرارات إفقار الشعب ، حتى تصورت أنهم أعلنوا الحرب علينا .

أما الغرفة السوداء فأخرجت قانونا جديدا للاجراءات الجنائية من مئات البنود ، والتعديلات كثيرة إلى حد أن القانونيين لا يحيطون بها فى مقال واحد أو كلمة واحدة . الأمر المثير للدهشة ان البلد لم تكن خاضعة لقبضة أمنية أشد مما يحدث فى البلاد منذ 10 سنوات ومع ذلك يأتى هذا القانون ليؤكد أن بعض الأنفاس لا تزال تتردد ولابد من خمدها . مشروع خيالى يتجاوز قصة أورويل أو يقتبس منها على الأقل . إلقاء القبض على المواطن لا يشترط أى موافقة كتابية من النيابة ، وحضور المحام غير ضرورى مع المتهم أمام النيابة ، وتقنين التحقيق والمحاكمة عن بعد من خلال الكاميرات . تسليم جثمان المتهم الذى يعدم شنقا لأهله مسألة جوازية . النيابة تستأنف الأحكام الغيابية . الأحكام تبلغ بالمحمول وتعتبر نافذة رغم ان التقارير الدولية تؤكد تخلف مصر فى تغطية الشبكات . كذلك يمكن إجراء التحقيق بدون المتهم ! ويستخدم القانون تعبير القوة العسكرية لإلقاء القبض رغم أن الدستور يتحدث عن الشرطة كمؤسسة مدنية . مأمور الضبط القضائى يقوم بالتحقيق وهو تابع للسلطة التنفيذية . وهناك تعارض صريح مع نصوص الدستور فى العديد من المواد . ويحدث كل ذلك رغم أن ترتيب مصر فى مسائل سيادة القانون والعدالة 130 من 142 دولة !

رأيت دوما أن التكاتف لمواجهة المخاطر الخارجية هو الأساس للتلاقى والوحدة الوطنية .. والطريف ان الاعلام الرسمى يتحدث من حين لآخر حول الخطر الخارجى ويحدد اسرائيل وأمريكا .. ولكن فى الواقع فان الحكومة تتعاون مع اسرائيل اقتصاديا استيرادا وتصديرا .. وأمريكا والغرب هم الذين يتكفلون بالانفاق على النظام بالديون وأخيرا تم صرف متأخرات معونة عسكرية بمليار ونصف المليار دولار . وصندوق النقد يدير عمليا الاقتصاد ، ولايزال بعض المعارضين يعولون على الغرب فى قضايا الحريات .

ورغم ان الاستقلال يسبق بالبديهة قضية الحريات والديمقراطية لأن استقلال الوطن شرط أولى لتنظيم الحياة السياسية داخل هذا الوطن ، وقوى الاحتلال والهيمنة الاستعمارية تضع شرط السيطرة كأولوية تفوق أى شىء آخر بما فى ذلك ما تسميه الديموقراطية . وقد كان السبب الأول لدى الانجليز للاطاحة بالخديو اسماعيل هو إصراره على استمرار مجلس الشورى وصياغة دستور ديموقراطى للبلاد ، وليس مسألة الديون التى كانت مصر قد تمكنت من ضبط عمليات السداد فى مواعيدها . لذلك لا أهمل مسألة الديموقراطية ولا أقلل من شأنها ولكننى أراها متشابكة ومرتبطة مع تحرير الوطن من السيطرة الأجنبية . وقد كان جوهر ثورة 1919 : الاستقلال والدستور ، وما نعمت به البلاد من حريات كان من فضل الثورة وليس من فضل الانجليز أو الملك . أما ثورة يناير فقد أهملت قضية الاستقلال وخسرت الحريات فى نهاية المطاف .

إن مسألة الحريات أو حقوق الانسان أو الديموقراطية مسألة شديدة الارتباط بكرامة الانسان وحقه فى الاختيار وهى هبة من الله لا يمكن لانسان أن ينزعها من إنسان . وقد كتبت منذ زمن : كيف يقول الله ولقد كرمنا بنى آدم .. .. وفضلناه على كثير ممن خلقنا تفضيلا ، ويقول إنى جاعل فى الأرض خليفة ، ثم يضرب هذا الخليفة على قفاه فى قسم الشرطة .

على مدار أكثر من 10 سنوات لم تكن هناك مشكلة فى حبس أى انسان فى مصر ” بالقانون ” ومع ذلك فهؤلاء القوم لا يشبعون ويريدون المزيد من الضمانات والحصانات ، فيجعلون التحقيق بلا محام والقبض بدون إذن مكتوب والتحقيق فى غياب المتهم ، وضمان صدور حكم غيابى نهائى . وهى كلها أمور غير مهمة لأنهم سجنوا كل من يريدون بدون ذلك . فهل هو الامعان فى الإذلال والإهانة .

إسقاط هذا القانون المعدل ضرورة حياة . لابد للشعب أن يقول كلمته .. ولابد أن تحترم كلمة الشعب .

باحث اسلامي و كاتب مصري

Magdyhussein.id

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى