البرلمان الأردني يتوشح باللون الأخضر
بقلم: د. زيد احمد المحيسن
اللون الأخضر، الذي يرمز عادةً إلى الخير والأمل، يتجلى في مقولة “دربك خضرة”، التي نستخدمها للتعبير عن تمنياتنا بالنجاح والتوفيق. كما أن اللون الأخضر يشكل جزءًا أساسيًا من علمنا الوطني، وهو مصدر اعتزاز وفخر يعكس الوحدة والتضامن بين أبناء الوطن. في ضوء هذا المعنى الرمزي، نثق بأن تحقيق فوز ملحوظ لمرشحي جبهة العمل الإسلامي في البرلمان الجديد سيكون تعبيرًا حقيقيًا عن التفاؤل والأمل في مستقبل مشرق، ونتمنى أن يكون هذا التفاؤل في محله ويحقق تطلعاتنا جميعًا.
شهدت الانتخابات البرلمانية الأردنية لعام 2024 تحولاً ملموساً في المشهد السياسي، حيث نجحت جبهة العمل الإسلامي في تأمين 23 مقعدا من أصل 138 في البرلمان. هذا التواجد الكبير لجبهة العمل الإسلامي، والتي تُعد ذراع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، يفتح أبواباً جديدة من التحديات والفرص التي تستحق التحليل الدقيق لفهم أبعاده السياسية وتأثيراته على الوضع الداخلي والخارجي للمملكة.
في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة والتي تعاني منها المملكة، مثل معدلات البطالة المرتفعة، الفقر المتفشي، والديون التي تجاوزت 50 مليار دولار، فإن تواجد جبهة العمل الإسلامي في البرلمان يقدم فرصة مهمة لمدى الإصلاحات التي .
تسعى جبهة العمل الإسلامي إلى تنفيذ سياسات من شأنها تحسين ظروف العمل وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي. بالنظر إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها المملكة، مثل الفقر والبطالة، قد تسهم الجبهة في تقديم تشريعات تسعى لتقليص هذه الفجوات الاقتصادية، مما يعكس التزامها بالعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية
كما تحظى مكافحة الفساد بأولوية لدى جبهة العمل الإسلامي. بفضل قوتها البرلمانية الكبيرة، يمكن أن تلعب الجبهة دوراً محورياً في تعزيز الشفافية وتعزيز الرقابة على المؤسسات العامة. هذا من شأنه أن يعزز الثقة في النظام الحكومي ويحفز الاستثمارات، مما يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي بشكل عام.
كما تتميز الجبهة بالتركيز على تعزيز القيم الوطنية والإسلامية، وهو ما قد يكون له تأثير إيجابي في دعم المشاريع التعليمية والثقافية. من خلال التركيز على تعزيز الهوية الوطنية، يمكن أن تسهم الجبهة في بناء جيل جديد ملتزم بالقيم الثقافية والوطنية، مما يعزز التماسك الاجتماعي والوطني وتصليب الجبهة الداخلية اما العاديات الخارجية المتربصة بالأردن .
وعلى الرغم من الفرص المحتملة، فإن الوجود الكبير لجبهة العمل الإسلامي يثير أيضاً مجموعة من المخاوف لدى بعض ضعاف النفوس من ان هذا الزخم البرلماني قد يؤثر على استقرار السياسة الأردنية الخارجية .
فقد يؤدي الموقف المبدئي للجبهة ضد التطبيع مع إسرائيل إلى تعقيد العلاقات الأردنية الإسرائيلية، مما قد يؤثر على استقرار الوضع الإقليمي. في ظل الأوضاع الإقليمية المتوترة والتحديات الأمنية، قد يشكل هذا الموقف تحدياً لقدرة الأردن على تحقيق مصالحه الاستراتيجية.
وقد تساهم السياسة النقدية للجبهة تجاه بعض دول الغرب في حدوث توترات مع الدول الغربية التي تدعم الأردن. بالنظر إلى حاجة الأردن إلى دعم مالي وتقني من الغرب، قد تؤدي هذه التوترات إلى تقليص المساعدات الغربية، مما يزيد من الضغط على الحكومة الأردنية في ظل التحديات الاقتصادية والمالية الحالية.
و كذلك وجود كتلة كبيرة لجبهة العمل الإسلامي في البرلمان قد يؤدي إلى تعقيد عملية اتخاذ القرارات. من المحتمل أن يؤدي العدد الكبير من مقاعد الجبهة إلى تأخير في إقرار التشريعات الضرورية، مما قد يؤثر سلباً على فعالية العمل البرلماني ويزيد من صعوبة تحقيق التوافق بين مختلف الكتل السياسية.
تأتي هذه الانتخابات في وقت حاسم، حيث يواجه الأردن مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الفقر، البطالة، والديون المرتفعة، بالإضافة إلى القضايا الأمنية والإقليمية مثل التهديدات على الحدود وأزمة اللاجئين. في هذا السياق، يمكن أن يكون وجود جبهة العمل الإسلامي في البرلمان قوة دافعة نحو تحقيق إصلاحات هامة، بشرط أن يتم التعامل مع التحديات بعقلانية وبمرونة.
تاريخياً، عملت جماعة الإخوان المسلمين ضمن إطار النظام السياسي الأردني، حيث احترمت الضوابط القانونية والسياسية. رغم الانتقادات التي توجه إليهم، فإن الجماعة تتبنى مواقف سلمية وتعمل ضمن القوانين. لذلك، فإن الشكوك حول نواياها قد تكون مبنية على سوء فهم وتحتاج إلى توضيح أعمق لطبيعة التفاعل البرلماني والسياسي.
يتطلب الوضع الجديد من الحكومة الأردنية تبني استراتيجيات مرنة ومتوازنة للتعامل مع جبهة العمل الإسلامي. قد تشمل هذه الاستراتيجيات:
فتح قنوات حوار مفتوحة مع جبهة العمل الإسلامي يمكن أن يسهم في تحقيق توافقات حول القضايا السياسية والاقتصادية غير المفهومة والملتبس بشأنها وهذا في المقام بحاجة الى مرونة . ويتطلب ذلك استعداداً لتقديم بعض التنازلات والعمل على تحقيق توازن بين مصالح الجبهة وأهداف الحكومة .
اوكخيار اخر يمكن للحكومة أن تسعى لتكوين تحالفات مع كتل برلمانية أخرى لتعزيز الاستقرار السياسي وتمرير التشريعات الهامة. بناء شراكات مع الأحزاب الأخرى قد يساعد في تجاوز العقبات التي تطرأ نتيجة تواجد الجبهة في البرلمان واعتراضها عليها .
وفي ظل التوترات المحتملة مع الغرب، قد يكون من الضروري إعادة تقييم السياسات الخارجية للأردن وضمان استمرارية الدعم الدولي. قد تشمل هذه الخطوة التفاعل بشكل استراتيجي مع الدول الغربية لضمان استمرار المساعدات وتجنب التأثير السلبي للتوترات البرلمانية وتسويق الحكومة نفسها امام الغرب انها دولة الديمقراطية بخيرها وشرها ونحن دولة ديمقراطية نسعى الى تعزيزها وتجذيرها في مجتمعاتنا المحلية من خلال قبول المعارضة كجزء اصيل في العملية الديمقراطية والا فأن ديمقراطيتنا تصبح عرجاء تسير على رجل واحدة وهذا منطق الأمور من هنا
فأن الانتخابات البرلمانية الأردنية 2024 اتسمت بمزيج من الفرص والتحديات. يمثل تواجد جبهة العمل الإسلامي في البرلمان فرصة لتحقيق إصلاحات هامة وحقيقية وهذا مطلب شعبي ، ولكنه في المقابل ، يطرح أيضاً تعقيدات في المشهد السياسي الخارجي والدولي . من خلال التوازن بين السياسة الداخلية الحصيفة ، ومع الحفاظ على علاقات الأردن الدولية المرنه وإدارة الأزمات بشكل فعال هذا كله يتطلب التروي والحكمة في اختيار حكومة وطنية متعددة الكفاءات والخبرات وفي قضايا الشأن العام وفي نفس الوقت يقبلها الشارع العام يملك أعضائها السجل النظيف من النزاهة والإخلاص في العمل والحرص على ترشيد انفاق المال العام في مشاريع إنتاجية تعزز الدخل القومي وتساهم في توليد فرص عمل لطوابير العاطلين عن العمل الذين يشكلون الخطر الحقيقي على استقرار الوطن أولا وأخيرا وليس اعداد جبهة العمل في البرلمان المنتخب حديثا .