هل بات نتانياهو القائد الأعلى الجديد للشرق الأوسط؟؟
بقلم: حسين عبد الغني*
بعد أن قام الرئيس السادات بإنهاء دور مصر القيادي في كبح النفوذ الأمريكي على العالم العربي وأعطاها ٩٩٪ من أوراق الهيمنة على ثروته وقراره كنت أقدر أن القائد السياسي الأعلى للشرق الأوسط هو أي رئيس أمريكي.
أذكر هنا بكل أسى كيف تفاخرت أطراف عربية وكشفت في السنوات الست الأخيرة أنها لعبت دورًا بارزًا في مساعدة الأمريكيين في إقناع السادات بتحويل القاهرة من معسكر التحرر الوطني والدفاع عن استقلال الإرادة العربية إلى معسكر التماهي مع إستراتيجية واشنطن في الهيمنة على المنطقة.
وبالتالي كنت أقدر بالتبعية أن القائد العسكري الأعلى للمنطقة هو قائد القيادة المركزية الأمريكية «سنتكوم»، خاصة بعد تكوين حلف النقب جامعا بين إسرائيل وممثلي جيوش عربية في مقر هذه القيادة.
لكنني تشككت في هذا الاستنتاج بعد أن تصرف وتكلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الأسبوع الأخير كأنه الحاكم الفعلي للشرق الأوسط الذي يقرر مصير المنطقة من طرف واحد متحديا كل الدول والأطراف العربية بما فيها تلك التي وقعت معه معاهدات سلام وتطبيع خاصة مصر.
بل ومتحديا هيكل السيطرة الإستراتيجية الذي بنته أمريكا للمنطقة على مدى واحد وخمسين عامًا كاملة.
يهدد نتانياهو تحالفات واشنطن مع دول «الاعتدال» العربية التي ضمنت لها الهيمنة العليا على ما يقرب من ٧٥٪ من موارد النفط العالمية التي ترقد عليها المنطقة وتحكمها في أهم ممرات الملاحة العالمية وبالتالي في قرار السياسة الإقليمية الذي صار من وقتها في جيب البيت الأبيض. يضع ذلك الضغط الجنوني دول «معسكر العقلاء»!! في حرج هائل مع شعوبها المنحازة بالكلية لفلسطين وبالأغلبية للمقاومة.
كزعيم مصاب بالعصاب وجنون العظمة يسعى نتانياهو يائسا لتصوير نفسه كقائد أعلى للحرب والمفاوضات الدائرتين حول غزة منذ أكثر من ١١ شهرًا، لاحظ الكثيرون باستنكار شديد إصرار رئيس الوزراء «الإسرائيلي» على عقد مؤتمرات صحفية يومية وإصدار بيانات وتصريحات يومية لا تتوقف خاصة بشأن محور فيلادلفيا تتضمن هجومًا ناريًا على مصر لاستفزاز القاهرة من جهة وإفشال المفاوضات حول الصفقة من جهة أخرى.
في هذه المؤتمرات والتصريحات يهين نتانياهو الرئيس بايدن وإدارته فيكذب بياناتهم عن التفاؤل بإنجاز صفقة الرهائن ووقف مؤقت لإطلاق النار في غزة ويصورها كإدارة مهيضة الجناح وعاجزة عن فرض تسوية وبالتالي يضعف من موقف كامالا هاريس في الفوز بالانتخابات داعيًا الأمريكيين ضمنيًا لانتخاب حليفه الأعظم دونالد ترامب موحيًا بأنه الزعيم القوي الذي يتعين على الأمريكيين انتخابه.
لإظهار نفسه كصاحب القرار الأول في الإقليم لم يكتف نتانياهو – شمشون بتصريحاته النارية الكفيلة وحدها بإشعال المنطقة بحرب شاملة بل بادر لمجموعة من الخطوات كفيلة بهدم معبد مسار التسوية السلمية الأمريكي بين العرب وإسرائيل وتحطيم أعمدته الثلاثة وهي اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر/ أوسلو مع الفلسطينيين/ ووادي عربة مع الأردن.
من الناحية العملية لا يقل احتلال نتانياهو محور فيلادلفيا وإعلانه أنه لن ينسحب منه أبدا عن خرق فاضح لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية «المادة الرابعة من المعاهدة في بندها الأول والثاني والتي تقضي بحسم لا لبس فيه أن هذه منطقة منزوعة السلاح» وبالتالي فإن دبابات وأسلحة إسرائيل (نحو ٥ ألوية) التي تحتل المحور ومعبر رفح هي بمثابة سلوك استفزازي مستهتر وصل إلى حد قيام إسرائيل بتغيير اتفاقية تعاقدية من طرف واحد بما يهدد الأمن الوطني والسيادة المصرية.
غرور نتانياهو المدجج بالسلاح حتى أسنانه والناشئ من نهر السلاح الأمريكي المتدفق الذي أغدقه عليه بايدن كما لم تفعل إدارة أمريكية في الـ٧٥ عاما من عمر الكيان الاستيطاني العنصري.. جعله لا يكتفي بتغيير اتفاقيات السلام الموقعة من طرف واحد بل قرن ذلك بسلوك أخطر هو تغيير الواقع على الأرض. أخطر تغيير للواقع وفرض نمط احتلالي استيطاني عبر عنه انكشاف خطة نتانياهو لإعادة احتلال قطاع غزة بإعلانه تعيين حاكم عسكري إسرائيلي تكون مهمته الإشراف على إدارة مدنية لقطاع سيتم تمزيق أجزائه إلى ثلاثة أقاليم منفصلة جنوب وشمال وشرق وسيطرة تامة على كل المعابر بما فيها معبر رفح المصري/ الفلسطيني.
في الوقت نفسه يصعد جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين المتطرفين هذه الأيام بتعليمات من نتانياهو من عملية مستمرة منذ ٦٧ لتقطيع أوصال الضفة إلى كانتونات منعزلة عبر زرع المستوطنات غير الشرعية والطرق الالتفافية والجدران العازلة. عملية تغيير الواقع في غزة والضفة والقدس لا معنى لها إلا أن مخطط تهجير فلسطينيي غزة إلى مصر ومخطط تهجير فلسطينيي الضفة والقدس للأردن هو الواقع الذي يفرضه نتانياهو على المنطقة لتصفية القضية الفلسطينية والتفرغ بعدها للتطبيع الإبراهيمي المجاني.
بالنسبة للأردن بتركيبته السكانية الحساسة ومساحته المحدودة فإن مخطط التهجير هو أكبر تهديد وجودي لكيانه الوطني منذ إنشائه عام ١٩٢١. وبالنسبة لمصر فإنه يمثل تهديدًا خطيرًا لأمنها القومي. بالنسبة للبلدين معا فإن الشارع الغاضب من حرب الإبادة على أشقائه ومن محدودية الخطوات التي اتخذتها الدول العربية-لردع إسرائيل قد يفقد صبره ويخرج للاحتجاج مع اقتراب الخطر من بلده نفسها مما يطرح تحديات غير قليلة على الاستقرار السياسي في البلدين.
وهو يتحرك – نتانياهو – وكأنه الفتوة الفعلي للحارة الشرق أوسطية وليس نائبًا أو وكيلًا عن الفتوة الأصلي – أمريكا – يبعث نيرون الجديد برسالة نارية كفيلة بحرق المنطقة مفادها إنني كقوة مقررة لشؤون المنطقة سأكون الطرف الرئيسي المنفرد بصياغة مصير القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وتحديد مَن مِن الأطراف العربية الذي سيسمح له يلعب دورًا في مساعدتي في تنفيذ هذه الصياغة.
لا يكتفي نتانياهو هنا بانتهاك اتفاقيات السلام وخرقها وتغييرها من طرف واحد مستهترًا بالمتعاقدين العرب وبالقانون الدولي.. ولا بتغيير الواقع على الأرض بما يجعل حل الدولتين المنصوص عليه في الشرعية الدولية سرابا لا يقف على أرض تم سرقتها، ولكن أيضا يتلاعب بالأدوار التاريخية التي خلقتها الجغرافيا وأحكامها القاطعة. فدور مصر كجارة جنوبية لفلسطين جعلها مسؤولة ومؤثرة تاريخيا على القضية وأصحابها خاصة في قطاع غزة. تشير توجهات نتانياهو إلى رغبة في حرمان مصر من هذه المسؤولية التقليدية عن غزة، واستبدال أطراف الاتفاقيات الإبراهيمية العربية بالدور المصري أو على الأقل تهميشه. يسعى نتانياهو لوضع قوة عربية من المغرب والإمارات مع قوات مصرية أو من غيرها تتولى مهام الأمن في غزة بالتنسيق مع الإسرائيليين وبما يسمح لجيش الاحتلال بالعودة لغزة بعمليات حربية متي وكيفما شاء.
سببان شجعا نتانياهو الدخيل على المنطقة والذي نشأ في الولايات المتحدة على التصرف بأنه ديكتاتور الشرق الأوسط دافعا دول المنطقة وشعوبها الطبيعية والأصلية إلى الهامش
الأول هو الضعف الأمريكي في شهور الانتخابات الأمريكية الأخيرة، إذ لن يغامر بايدن بمواقف حازمة من نتانياهو تُفقد هاريس الأصوات اليهودية وتهديها إلى ترامب.
الثاني هو الضعف العربي الفاضح الذي انحصر في بيانات الإدانة والشجب، وامتنع عن اتخاذ إجراء واحد من عشرات الإجراءات المتاحة له خوفا من غضب واشنطن راعية إسرائيل.
*إعلامي وصحفي مصري