من عمق المعاناة يأتي بصيص الوحدة

بقلم: د. زيد احمد المحيسن

في عصرٍ يرزح فيه الوطن العربي من المحيط إلى الخليج تحت وطأة الفساد والاستبداد، يتسرب الإحباط إلى أعماقنا، وتندثر الأحلام كحبات رمل تتطاير تحت ضربات قوانين جائرة وقاسية. هنا، حيث ارتوت جذورنا بتراب الوطن الكبير، شهدنا على مر العقود كيف تآكلت الأحلام وتبددت على يد من تعاقبوا على سدة الحكم في عالمنا العربي. كان لنا من سلاحنا الحروف والأقلام، التي استخدمناها لبناء حلم عن وطن يعمّه الخير والرخاء. ولكننا لم نكن سوى جزء من مشهد مؤلم، أبطاله طغاة لا يعرفون للعدالة سبيلاً.

نحن نحرث الأرض بأيدٍ مجهدة، نزرعها بالقمح الذي كنا نحلم يوماً بأن يزين موائد الفقراء في عالمنا العربي الجائع. ثم نرى الثمار تُحصد، ولكن كما في كل مسرحية مكررة، تُنهب الثروات ويُستلب العرق. أين العدل؟ أين الإنصاف؟ كلما علت الأصوات مطالبةً بالحق، ارتفعت معها أكاذيب الفاسدين الذين يرقصون على أنغام النفاق، بينما ينهبون خيرات الوطن الكبير، ويتسلقون أبراج الفساد، ويتركون الشعب العربي يعاني تحت وطأة الفاقة.

نتفحص وجوههم المتجهمة، محاولين فهم كيف يمكن لأولئك الذين ينفثون سموم النفاق والخيانة أن يقودوا وطنًا كبيرًا من المحيط إلى الخليج؟ كيف يبيعون القيم والمبادئ ويستبدلونها بمصالحهم الشخصية الرخيصة وحب الكراسي؟ كيف يتقاربون مع الأعداء ويساهمون في تبديد أموال الشعب، ويتخلون عن المبادئ التي يفترض بهم الدفاع عنها؟ كيف يسكنون القصور ويستنزفون ثروات الأمة، بينما يعيش الشعب العربي في كابوس الجوع والظلم؟

ولكن، في خضم هذا المشهد المؤلم في غزة ، غزة العزة والكبرياء العربي ورمز الصمود والتحدي ، تلمع شعاع أمل. أمل يرفض الاستسلام ويصرّ على الصمود. في عمق الظلام، هناك بصيص ضوء ينبض بالأمل في التغيير في الشكل والمضمون لمعنى الوحدة مصدر قوتنا وعزة امتنا ومع إننا نعيش في زمن قد يبدو فيه النضال وكأنه معركة ضد طواحين الهواء، لكن تلك الروح الصغيرة في غزة التي لم تنكسر، هي التي توقد فينا شعلة النضال والوحدة . فالصبر سيكون سلاحنا الأقوى، وعزيمتنا هي الجدار الذي سيتكسر عليه الفساد.

رغم كل الأزمات، ورغم كل من يعوق طريقنا نحو وحدة امتنا ، ورغم كل العقبات التي تُفرض علينا، سنظل نعيش في حلم وطننا الكبير، نعتز به ونعمل على بناء مستقبله. فمهما طال أمد الفساد، فإن الحق سيظل يضيء دربنا، وسينتصر في النهاية على زيف الطغاة. سنمضي قدمًا، نؤمن بأن الغد يحمل لنا وعدًا جديدًا، وأن صرخاتنا ستظل تتردد في أرجاء الوطن الكبير حتى يحقق الحق انتصاره، ويُقهر الباطل بلا عودة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى