متى تنهار إسرائيل؟!
بقلم: عماد الدين حسين/ القاهرة
تكثر الكتابات والتوقعات بأن إسرائيل تقترب من الانهيار بفعل عدوانها الظالم على الفلسطينيين وما أدى إليه من تداعيات خطيرة على المجتمع الإسرائيلى خصوصا الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية داخل هذا المجتمع.
ظنى الشخصى أنه من الخطورة بمكان أن يركن الفلسطينيون والعرب إلى هذه التوقعات فقط، ويتعاملوا معها باعتبارها حاصلة لا محالة، وينسوا أن الانقسامات العربية أخطر بكثير منذ سنوات طويلة وأغلب الظن أنها للأسف مستمرة بدون أى بارقة أمل كبيرة لإنهائها.
الذى أثار هذا الموضوع مجددا سيل من الكتابات فى إسرائيل لأحزاب وقوى وشخصيات معارضة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة، وآخر من كتب بوضوح فى هذا الموضوع كان الجنرال الإسرائيلى المتقاعد إسحاق بريك فى مقال نشرته صحيفة هاآرتس يوم ٢٠ أغسطس الماضى، وقال فيه إن إسرائيل سوف تنهار خلال عام واحد إذا استمرت حرب الاستنزاف ضد حركة حماس فى غزة وحزب الله فى جنوب لبنان.
بريك يقول إن وزير الدفاع يوآف جالانت بدأ يدرك هذه الحقيقة، وإننا نغرق فى مستنقع غزة ونفقد جنودنا هناك دون أى فرصة لتحقيق هدف الحرب الرئيسى وهو إسقاط حماس. ويضيف بريك أن جميع مسارات المستوى السياسى والعسكرى تقود إسرائيل إلى الهاوية، وأن استبدال نتنياهو وشركائه المتطرفين سينقذ إسرائيل من دوامة وجودية قد تصل قريبا إلى نقطة اللاعودة.
شخصيا لست خبيرا فى الداخل الإسرائيلى، بل مجرد متابع للتطورات عبر المقالات المترجمة من الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية. وبالطبع أتمنى أن تتحقق نبوءة ومخاوف الجنرال بريك وكل من يشاركونه هذه المخاوف، لكن نحن العرب جربنا كثيرا التفكير بالتمنى ورغم أنه فشل فى كل المرات، لكن معظمنا مايزال يتخذ هذا النوع من التفكير منهجا.
من المهم بطبيعة الحال أن ننشغل كثيرا كعرب وفلسطينيين بإسرائيل وكل ما يتعلق بها، باعتبارها الكيان الذى تم زرعه فى المنطقة عنوة لضمان تقسيمها الدائم وعدم توحد المنطقة أو تقدمها. ولدينا مراكز أبحاث مصرية وعربية مهمتها دراسة ما يحدث فى إسرائيل حتى نعرف كيف نواجهها بصورة عملية. لكن من الخطأ البالغ التعامل مع مشكلات الداخل الإسرائيلى باعتبارها سوف تنفجر غدا وتختفى إسرائيل من الوجود تماما، وتقوم الدولة الفلسطينية فورا.
نعم هناك انقسامات عميقة فى إسرائيل قبل وبعد عملية «طوفان الأقصى» فى ٧ أكتوبر الماضى، ونتذكر المظاهرات العارمة والرفض الكاسح من غالبية المجتمع الإسرائيلى لقانون التعديلات القضائية. وهناك انقسامات بين المتدينين والعلمانيين، وبين غالبية ترفض قيام دولة فلسطينية وأقلية قليلة تقبل ذلك. كل ما سبق صحيح، لكن المؤكد أيضا أن الخلافات فى غالبية البلدان العربية أكثر عمقا وخطرا.
أصحاب التفكير بالتمنى الذين ينتظرون انهيار إسرائيل غدا، لا يريدون أن ينظروا فى المرآة، ويقروا ويعترفوا بأن هناك انقساما فلسطينيا فلسطينيا منذ عام ٢٠٠٧ وحتى الآن. وهناك حرب أهلية فى سوريا، وحرب أهلية فى السودان وأخرى فى الصومال، ورابعة فى اليمن وخامسة فى ليبيا، وانقسامات عميقة بشأن الهوية فى بلدان كثيرة ومنها لبنان والعراق، وصراع حدودى منذ عقود بين الجزائر والمغرب، وأزمات اقتصادية فى معظم الدول العربية ومنها تونس ومصر والأردن.
بعض هذه الحروب العربية سببها أن بعض هذه المجتمعات لم تحسم حتى الآن مسألة الهوية. ومايزال كثيرون فى مجتمعاتنا يعيشون فى عصور الجاهلية، وبعضهم توقف تفكيره عند القرن الأول الهجرى، وبعضهم ما يزال يجادل هل يحق تهنئة المسيحى العربى بعيده أم لا، وكيف يدخل دورة المياه، كل هذه الخزعبلات ماتزال مستمرة رغم أن إسرائيل تحقق وهى كيان عنصرى استيطانى إحلالى نجاحات فى مجالات كثيرة. وتحظى بدعم وحماية أمريكية بريطانية مفتوحة طوال الوقت لأن زرعها كان بهدف وظيفى لاستمرار انقسام العرب وسيطرة الغرب .
الشرط الأساسى للانتصار العربى أن نأخذ بالأسباب المنطقية للانتصار. أن نتعلم أولا وأن نفكر بصورة علمية منطقية ثانيا، وأن نتقدم وأن يكون لدينا تنمية فعلا وأن تكون هناك سيادة قانون، وأن ندرس كيف تقدمت الأمم الأخرى. وإلى أن نصل إلى إلى بداية هذا الطريق، فلن تنهار إسرائيل، بل للأسف فأغلب الظن أنها سوف تتجبر وتبلطج، فى حين سيظل معظمنا يتمنى ويحلم بانهيارها دون أن يحدث ذلك على أرض الواقع. صعود وانهيار الأمم والشعوب والحضارات له أسباب موضوعية وليست رغائبية.