المعارضة في العمل السياسي ضرورة وطنية وليست ترفًا

بقلم: د. زيد احمد المحيسن

في الدول الشمولية والمستبدة، يكون الانتقاد بمثابة رمح حاد يطعن في جدار السلطة، متجاوزاً العوائق التي فرضها النظام الاستبدادي. كما أن الألم في جسم الإنسان يشير إلى وجود مشكلة تحتاج إلى علاج، فإن الانتقاد في الأنظمة الاستبدادية يعمل على تنبيه المجتمع إلى عيوب السلطة وسوءاتها. فهو ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة وطنية وأصيلة.

في تلك الأوطان التي يهيمن عليها الطغاة، يتخذ الانتقاد شكل المظلة الواقية التي تقي المجتمع من الانزلاق إلى الهاوية. إن الصمت في هذه الدول ليس هدوءاً، بل هو شبح مرعب يهدد بانهيار القيم وضمور الحقوق. هنا، يصبح الانتقاد هو الشعلة التي تضئ دروب الحرية، وتكشف زيف الادعاءات الرسمية.

إذا أردنا أن نتأمل في هذه القضية من منظور فلسفي، نجد أن الحق في المعارضة هو تجسيد لمفهوم الحرية. الحرية، كما عرفها الفلاسفة عبر العصور، ليست مجرد حالة من الانفلات من القيود، بل هي القدرة على التعبير عن الذات والاختلاف بجرأة. في الأنظمة الشمولية، يتم قمع هذا الحق، فيصبح الانتقاد في ظل هذه الظروف تحدياً عظيماً. ولكن، هذا التحدي هو ما يعيد تأكيد أهمية هذا الحق وضرورة الحفاظ عليه.

عندما تنكسر سلاسل الخوف، ويبدأ المواطنون في ممارسة حقهم في التعبير والانتقاد، فإنهم في الحقيقة يقومون بعملية تطهير اجتماعي. يتكشف الجرح الذي يحتاج إلى علاج، وتبدأ المجتمعات في استكشاف سبل الشفاء والتجديد. إن الانتقاد في هذا السياق هو مرآة تعكس ما هو أبعد من الحاضر، فهو يفتح أفقاً لرؤية المستقبل والتطور.

يبدو أن هذه الفكرة ليست جديدة، فقد عبر عنها الفيلسوف الفرنسي فولتير حين قال: “لا أوافقك في رأيك، لكنني مستعد أن أموت دفاعاً عن حقك في أن تقوله.” في هذا المعنى، يصبح الانتقاد ضرورة فلسفية واجتماعية، وليس مجرد نزهة فكرية. إنه حق أصيل يعكس نقاء الرؤية وعمق الفكر، ويجب أن يُحتفى به كأداة للتغيير الإيجابي.

لكن في خضم هذا الصراع، لا بد من إدراك أن الانتقاد في الدول الشمولية لا يأتي بدون ثمن. فهو قد يؤدي إلى قمع شديد واعتقالات، لكنه مع ذلك، يظل سلاحاً قوياً في مواجهة الظلم والاستبداد. كما أن التحديات التي يواجهها المنتقدون تساهم في تعزيز روح المقاومة والصمود، وتفتح الطريق لتحقيق التغيير المنشود.

وعليه،، فإن الحفاظ على حق المعارضة في الكلام ليس ترفاً، بل هو واجب وطني. إنه يعبر عن إيماننا بقوة الفكر وقدرته على إحداث الفارق. كما أنه يعكس تمسكنا بالقيم الإنسانية الأساسية، ويعزز من دورنا كمواطنين في تشكيل مستقبل أكثر إشراقاً وعدلاً. في عالم تسوده الطغاة، يكون الانتقاد بمثابة البلسم الذي يعيد النبض للحياة السياسية والاجتماعية، ويعطي الأمل في غدٍ أفضل واكثر واقعية واشراقا ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى