نعم للتقارب المصري – الصومالي .. ولكن !!

بقلم: مجدى أحمد حسين*

أعلن بدون مواربة أو مجاملة تأييد أى خطوة للتقارب والاندماج بين الدول العربية بغض النظر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة .. انه لأمر يثلج الصدر أن نرى هذا التقارب الكبير وإن جاء متأخرا بين مصر الصومال الذى وصل إلى حد توقيع اتفاقية للتعاون العسكرى ، وتسيير رحلات مصر للطيران بين القاهرة ومقدشيو الخ .

كثيرون فى مصر لا يعلمون أن الصومال كانت جزءا من الدولة المصرية تحت اسم ” ملحقات السودان ” فى عهد الخديو اسماعيل ، وقد تمدد فيها الجيش المصرى بصورة شبه سلمية وقام بإدارة الحياة المدنية والاقتصادية وإقامة البنية التحتية بها . ووصلت القوات المصرية إلى أقصى جنوب الصومال عند مدينة كيسمايو ورفعت العلم المصرى على المحيط الهندى كما رفع بشكل متواز على منابع النيل فى أوغندا على خط الاستواء وحيث بايع الملك الأوغندى خديو مصر !!

لقد تأخرنا عشرات السنين ونحن نترك الصومال يتمزق ، هذا البلد العربى المسلم الأصيل الجميل .. وذهبنا إليه فى عهد مبارك فى بداية التسعينيات من القرن العشرين بالتنسيق مع الأمريكان فى صورة قوات حفظ السلام . ثم خرجنا ونسينا الصومال وتركناه للغرب ودول افريقية تابعة للغرب بقواتها المسلحة ومع حرب مجنونة يشنها الشباب المسلم – الذى لايريد التفاهم مع أهله – بطريقة القاعدة وداعش ، حتى لقد حرموا كرة القدم .. ولعبها حتى فى الشوارع . وسبقتنا تركيا ورغم خلافى مع النظام التركى الحالى إلا أننى اعترف بأن له رؤية استراتيجية من أجل تحقيق حلم تركيا العظمى ولا أقول الدولة العثمانية الاسلامية ، ومن ذلك هذه الشجاعة والاقدام على الخوض فى افريقيا عموما و فى رمال الصومال المتحركة منذ سنوات عديدة سابقة عندما كان الوضع الأمنى أكثر سوءا ، وقد كانت أفضل من محاولات الامارات للتدخل التخريبى لأنه ليس لها أى مشروع خاص بل مجرد خدمة للحلف الصهيونى الأمريكى .

وهناك اتفاق للتعاون العسكرى بين الصومال وتركيا وهو لايتعارض مع الاتفاق المصرى لأنه يسير فى نفس الاتجاه ، دعم هذا البلد العربى المسلم الذى تخلينا عنه عبر عشرات السنين بعد سقوط نظام سياد برى يوم 26 يناير 1991 .

وقد جاء الاهتمام المصرى بالصومال بعد المبادرة الهجومية لأديس أبابا من أجل إقامة ميناء على البحر الأحمر فى منطقة أرض الصومال المنشقة والتى لا يعترف بها أحد وتوجد بها قاعدة عسكرية إمارتية وتقيم علاقات غير رسمية مع اسرائيل . وقد اعترضت مقديشيو على هذا التدخل الأثيوبى فى شئون الصومال لأن أرض الصومال جزء لا يتجزأ من الصومال .

من الملفت للنظر أن تدرك مصر الرسمية أهمية طى المسافات بالآلاف لتحقق مصلحة مصر فى الوقوف مع الصومال ضد العبث الاثيوبى الذى يعبث بحياة المصريين كلهم بالاستيلاء على نهر النيل ، وقد أعلن آبى أحمد مؤخرا أن مياه سد النهضة ستستخدم فى رى 3 ملايين فدان فى أثيوبيا وليس فى توليد الكهرباء وأن هذا سيؤدى إلى اقتطاع ما لايقل عن 17 مليار متر مكعب من المياه كانت تذهب لمصر والسودان من أصل 48 مليار . وبالتالى بطلت حجة من يقول أن توليد الكهرباء + امتلاء خزان سد النهضة سيجبران أثيوبيا على تمرير المياه لمصر كالمعتاد .

وهنا نصل إلى لكن . وآه من لكن .. قال البعض ان هناك لعنة اسمها ” لكن ” لإلغاء ما تم قوله قبلها . يعلم الله أننى لا أقصد ذلك ، لأننى اوضح الرؤية الصحيحة للأمن القومى . كما أوضحتها من قبل فى صحة قرار انضمام مصر للبريكس ، ثم أوضحت فيما بعد أن مصر لم تستفد شيئا من البريكس لأنها لا تزال منحازة للغرب ، وتسعى لمجرد الحصول على قروض من البريكس !!

ورغم أننا لا نعلم نص اتفاق التعاون العسكرى بين مصر والصومال ، ولكننا قرأنا تصريحات رسمية عن التزام مصر بالحفاظ على سلامة ووحدة أراضى الصومال ، وليس مجرد التدريب والمد بالسلاح . عظيم ولكن

لايبدو أن الصومال معرض لهجوم عسكرى وشيك من أثيوبيا أو غيرها . ولايبدو أن أثيوبيا مصرة على بناء الميناء عنوة فى أرض الصومال وإن حدث ذلك فمعنى هذا أن الصومال هى التى ستتصدى لأثيوبيا على ارض الصومال وهذا يعنى أن تشارك مصر فى هذا الهجوم ، رغم الاعلان عن إرسال قوات مصرية للصومال فى إطار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ، وهذه القوات لا تقوم بمهمات قتالية . ولكن حتى إذا حدث وأرسلت مصر قوات للمشاركة فى حرب على أرض الصومال لطرد أى وجود أثيوبى محتمل ، فهذا أمر مشكور وإيجابى دفاعا عن وحدة أراضى واستقلال الصومال كبلد عربى مسلم كان يوما جزءا من مصر حتى من أيام حتشبسوت حيث كان وجهاء بلاد بونت يأتون لزيارتها فى إطار التبادل التجارى ويقدمون لها فروض الطاعة والولاء ، رغم أنها لم ترسل جيشا لبلاد بونت ، وهذه هى الحضارة المصرية الأصيلة .

إذا حدث ذلك أعلن تأييدى المسبق ولكن ما علاقة ذلك بحل مشكلة سد النهضة .. مشكلة سد النهضة بدأت فعلا فهناك نقص فى مياه السد العالى التى نسحب منها للعام الثانى على التوالى بدون أى تدفق جديد من أثيوبيا بسبب الملأ الرابع والخامس . وهناك نقص بدأ فعلا فى مجال الرى الزراعى وأدى إلى خفض زراعة الأرز والقصب والقمح مع انفاق المليارات لإعادة استخدام مياه الرى الزراعى والصرف الصحى .

هذا التحرك الايجابى فى نقطة لم يؤد إلى تحرك ايجابى فى نقطة أهم بل نقطة وجودية .. هى مياه الشرب والرى والحياة .

نحن أمام حركة صحيحة على رقعة الشطرنج فى أقصى الأطراف بينما بينما سيطر الأعداء على قلب الرقعة وهى عادة المربعات الأربعة المتوسطة . بل سيطر الأعداء على معظم مربعات الرقعة بالأفيال والحصنة والطوابى . نحن حركنا أحد بيادقنا حركة صحيحة فى طرف الرقعة ولكن مجرى المبارة كلها معاكس .. والملك على وشك أن يقع فى تشيك ميت .

إن ألف باء الأمن القومى الذى كان يدرس فى معاهدنا العسكرية ان الأمن القومى المصرى يبدأ من الشمال الشرقى من فلسطين ونحن الآن محاصرون بالجيش الاسرائيلى على محور فيلادلفيا ومعبر رفح ، بالمخالفة لاتفاقية كامب ديفيد البائسة .. بينما نحن ملتزمون بتخفيض القوات فى سيناء تحت الرقابة الأمريكية العسكرية . والسودان وهو أمننا الجنوبى خرج من تحت السيطرة تماما ويواصل صديقنا الاستراتيجى الذى يشترى مصر دعم أديس ابابا ودعم الدعم السريع ، واثيوبيا أيضا تدعم الدعم السريع الذى اهان الجيش المصرى مرارا وأغلق القاعدة الجوية المصرية فى مروى فى بداية النزاع . والأوضاع مع ليبيا ليست على ما يرام وهى الضلع الغربى لمصر .. وليس من وزن مصر أن تظل تدعم الشرق ضد الغرب بل واجبها ومصلحتها أن تدعم توحيد الشرق والغرب ، الآن نعود لنقطة الصفر مع طرابلس فيتم طرد دبلوماسيين مصريين بسبب لقاء مدبولى مع حكومة الشرق ، ويتم منع دخول الشاحنات التى تحمل بضائع مصرية إلى طرابلس . وفى وقت سابق قام حفتر عدة مرات بترحيل العمالة المصرية بشكل سىء إلى مصر . علاقاتنا مع السعودية فى هذه اللحظة ليست على مايرام ، فمصر وكأنها فى علبة مغلقة من كل الجهات الأربعة .

لابد من ربط هذه الخطوة الصحيحة مع الصومال ب : 4 قرارات استراتيجية :

الوقوف الصريح مع غزة وتقديم المساعدات بالقوة ووقف التطبيع مع الجزارين قتلة النساء والأطفال .

ثانيا : الوقوف بحزم أكثر مع الجيش السودانى ضد الدعم السريع .

ثالثا : حل مشكلة سد النهضة بالعمل السياسى عن طريق تهديد اسرائيل بدعم غزة بدون سقف لأن اسرائيل تحاربنا فى ماء الحياة . وقد سرب الحاخام يعقوب أخيرا أن نهر النيل مقيد اليوم وغدا ممنوع تماما .

رابعا : اتخاذ موقف وحدوى تجاه ليبيا لطرد النفوذ الأجنبى لدى الجانبين لا المشاركة فى لعبة استمرار تقسيم ليبيا .

خامسا : وقف النشاط الاماراتى داخل مصر وبيع أراضينا ومشروعاتنا لها ، لأن السلطة هناك صهيونية وليست عربية ، ولها قاعدة كما ذكرنا فى أرض الصومال بالتعاون مع اسرائيل . مع تحسين العلاقات مع السعودية بشكل ندى وليس ببيع الأراضى والمشروعات والأصول .

سادسا : وقف بيع مصر عموما وإحالة موضوع مشكلة الديون للجنة موثوقة من الاقتصاديين المصريين المستقلين .

*باحث اسلامي و كاتب مصري

Magdyhussein.id

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى