ماذا لو اندلع “طوفان الأقصى” في عهد ثورة ٢٣ يوليو الناصرية ؟؟

بقلم : فهــد الريمــاوي

بمثل ما انبعثت ملحمة “طوفان الأقصى” الفلسطينية، ليلة ٧ أكتوبر عام ٢٠٢٣ ، من مجاهل الخوارق ومنازل المعجزات.. سبق ان انطلقت ليلة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢ ثورة الضباط الأحرار المصرية، من ثنايا المباغتة وفضاء المستحيلات.. ففي تلكما الليلتين شهقت عقارب الساعة من هول ما شهدت، وأفاقت من نوبة نعاسها ذاهلة مذعورة، ودارت بعكس خط سيرها المعتاد حيث اضطربت الأوقات، وتداخلت الأحيان، وأفاق فجر اليوم التالي على أوضاع وأحوال ومستجدات راديكالية طارئة لا سابق لها.

وكما تأبط فرسان “طوفان الأقصى” من كتائب القسام وسرايا القدس أسلحة انتصارهم، وضمنوا لمنازلاتهم قهر أعدائهم، وحشرهم في حيّز المفاجأة الخانق، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر.. فقد سبق لشجعان ثورة ٢٣ يوليو من رجال عبد الناصر ان اجترحوا مثل هذا الفعل الاستثنائي في بهيم الليل، وتسلموا زمام الحكم وناصية الأمور خلال بضع ساعات، وهدموا عرش الملك فاروق، أحد أقذر الحكام العرب الذين خانوا قضية فلسطين آنذاك.

وكما يقف الغرب الأوروبي والأمريكي كله في وجه “طوفان الأقصى” هذا الأوان، ويؤازره في هذا الموقف الحقير والخطير “قطيع” من الحكام والكتاب وأباطرة المال والأعمال العرب العملاء الانذال، ويستميت هذا الجمع الشرير لاجهاض مفاعيل الطوفان وشيطنة رموزه وقياداته الباسلة.. فقد سبق لهذا الجمع الصهيوني – الاستعماري – النفطي الوقوف في وجه ثورة ٢٣ يوليو منذ أول أيامها، وكيل الشنيع من الاتهامات لروادها وزعمائها، وحبك الكثير من المؤامرات وشن العديد من المعارك عليها، بقصد تفشيلها واستنزاف قواها ووضع العصي في دواليب نجاحها.

ليس القصد من هذه المقدمة عقد أية مقارنات او حتى مقاربات بين طوفان ٧ اكتوبر وثورة ٢٣ يوليو، التي نحتفل اليوم بعرس انطلاقتها ال ٧٢، بل القصد او المراد هو تجديد التأكيد – الذي طالما تناولناه مراراً وتداولناه تكراراً – ان الغرب الأوروبي الصليبي والأمريكي الإمبريالي لم يكن معادياً لجمال عبد الناصر وحده ولأسباب تتعلق بشخصه، وإنما كان وما يزال العدو المبين للأمة العربية بأسرها، والمتصدي الأول والرئيس لقتل آمالها وأحلامها وتطلعاتها، وضرب مشاريعها الوحدوية والتنموية والنهضوية، أياً كانت الجهة القيادية التى تتبنى هذه المشاريع الإستراتيجية، سواءً أكانت قومية او إسلامية او ليبرالية علمانية.

لقد فضح “طوفان الأقصى” جوهر الحقد الغربي الصليبي على العروبة والإسلام، وكشف حقيقته العنصرية النرجسية العابرة للقرون.. فيما وضع الكيان الصهيوني في حجمه الصحيح، بوصفه مجرد “محمية” – وليست قاعدة – عسكرية مغروسة في الشرق، ولكنها محروسة بجيوش وعتاد وأساطيل الغرب.. كما عرّى هذا الطوفان المبارك خيانات عدد من الحكام المحسوبين عرباً، الذين أسفروا عن تضاريس وجوههم الشائهة وعورات سياساتهم القبيحة، وسارعوا للالتحاق بالعدو الصهيوني والافتراق عن الشقيق الغزاوي، طبقاً لأوامر أسيادهم وأولياء أمورهم في واشنطن، رغم انها شاخت وخرّفت وباتت تُغاث ولا تُغيث، وتتداعى تدريجياً تحت وطأة أزماتها وانقساماتها وتفاهة نخبها وقياداتها.

ثم نقول.. أهلاً بثورة ٢٣ يوليو في ذكرى انطلاقتها الثانية والسبعين، ويوم اشراقتها المُبهرة التي أضاءت الكون العربي كله، وجاءت مُفصّلة على قياسات أغلى الأماني والآمال والطموحات الشعبية المصرية.. أهلاً بها حاضرة في جبين الوقت الحاضر، بمثل ما هي خالدة في مطارح الديمومة وأروقة الأبدية.. نظراً لان الثورات الكبرى شموس وأقمار سرمدية، لا يمنعها الخلود في دفاتر التاريخ من الهام الأجيال المتعاقبة، وهدايتها الى سواء السبيل.

أهلاً بهذه الثورة المباركة والمتوجة بهامة جمال عبد الناصر، والشامخة بشموخ قامة هذا القائد الثوري العملاق، الذي أقضّ مضاجع القوى الصهيونية والماسونية والاستعمارية كافة، ولم يتهيّب من مقارعة الخطوب، ومصارعة التحديات، ومناصرة حركات التحرر العربية والإسلامية والإفريقية.. وليس في أيامه يوم خلا من حراك ثوري، او عطاء فكري، او انجاز انتاجي وتنموي، حتى في أحلك الظروف وأصعب الأوقات.

ولعل من أبرز مزايا ثورة ٢٣ يوليو وفضائلها، انها لم تُغلّب نضالات الجبهة الخارجية على لزوميات الجبهة الداخلية، ولم تقدّم تكاليف الأولى على حساب الأخرى.. ذلك لأنها أبدعت في الجمع والمزاوجة بين مجابهة التحديات والعداوات الإقليمية والدولية، وبين تلبية الاحتياجات الوطنية والمتطلبات المعاشية لملايين المصريين الذين تمتعوا، في مجتمع “الكفاية والعدل الاجتماعي”، بحياة ميسورة وعيش كريم، حيث لم يبقَ هناك فلاح محروم، او عامل مظلوم، او رب أسرة مثقل بالهموم، او طالب بلا تعليم مدرسي، او خريج جامعي عاطل عن عمل، ناهيك عن المشروعات الزراعية والصناعية الهائلة التي سبقت مصر بها الهند والصين وكوريا الجنوبية وبقية دول شرق آسيا الناهضة.

يومذاك كانت مصر الناصرية تُعطي ولا تستعطي.. تُعين ولا تستعين او تستدين.. تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع.. تقدم المساعدات المالية والعينية والتسليحية والتعليمية للدول والمنظمات الصديقة والشقيقة من حُرّ مالها ورصيد خزائنها.. ذلك لأنها كانت دولة سيادة وقيادة تعتز بكرامتها واقتدارها، وتأبى الا ان تكون صاحبة اليد العليا المتفضِلة، وليس اليد السفلى المتطفلة على فتات معونات اليانكي وأوباش الخليج، والمتورطة في مديونيات فلكية تجعل منها رهينة طيّعة للبنوك الدولية والصناديق النقدية الشيلوكية.

طال المقال، ولكن ما أبهى وأشهى الأوقات التي نقضيها في حضرة التاريخ، ومع صحبة ثورة ٢٣ يوليو الميمونة، وبين يدي “أبي خالد” وزمانه العروبي الجميل والأصيل.

وعليه.. نختم بما بدأنا، ونشكر لفيوض “طوفان الأقصى” أنها قد جرفت طلاء الزيف عن وجه النظام المصري، كي يبدو على حقيقته الهزيلة والعميلة والذليلة، حد عجزه عن حماية عتبة بيته في معبر رفح، وتخاذل جيشه عن مجرد الرد على استفزازات قوات العدو المهزومة أمام “القسام”، فضلاً عن استنفار جلاوزته وأجهزته الأمنية لقمع ادنى تحرك جماهيري مصري، تضامناً مع أهالي غزة الصامدين ورفضاً لحرب إبادتهم.. وليس من شك ان كل عربي يستنكر هذا الموقف “السيساوي” المتخاذل، سوف يستذكر عنفوان ثورة ٢٣ يوليو، ونخوة قادتها، وفدائية جيشها.. بطل العبور الصارم والجَسور.. ولا حول ولا قوة الا بالله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى