القلم فى يوم الصحفي المصري(10 يونيو)
بقلم: محمود كامل الكومى*
كثيرا ما غردت مع القلم , وكثيراً ما حُوصِرَ القلم , ورغم ذلك كان يمضي كحد السيف ,حين يُنزع من غِمدهِ يطوى الصحاف, صحائف بعد أخرى ويستمر لا يجف له مداد.
كم كانت الأحداث الملتهبة- وكرات اللهب المشتعلة هنا وهناك في أرجاء المعمورة براً وجواً , وعلى سطح البحار والمحيطات التي تمخر عبابها وعباب أمواجها, آلاف المدمرات و الغواصات والفرقاطات وزوارق الطوربيد والسفن الحربية وحاملات الطائرات , مجتمعة في أساطيل لدول عظمى ومتوسطة الحال , جميعها يحمل بين طياته آلاف مؤلفة من القنابل والصواريخ ودانات الطوربيد ,التي تنطلق لحظة الضغط على ذر فًتَذِرُ وذِرها المئات تصيب الهدف كأنها مبضع جراح – في قول نافق- وفى قول صايع ” هي شهب شيطان” – كم كان كل ما سلف كتاب للقلم.
و كم تقيؤ القلم, جراء تعفن الجثث وتقيح جروح الجرحى التي زكمت الأنوف حتى الحيوانات التي نفقت من خلال طحين السيوف , واصفا الرجال التي ملأتها الشروخ .ِ
يغزل اليراع الحب ويواكب, ينجلي مع الوجد والنشوة ,يُسيل رضاب الشفايف يُحيى مداد القلم ,تنتشله من الجفاف فيستمر الغزل ويتعالى الهمس وحسيس الآهات ينضوي بين جوانح الكلِم ليستمر شبق المتعة .
في برهة تتبدل المشاعر وتصارع الأحداث حياة الناس ويساير القلم يتبدل من اليراع ذات المداد من شهد الرضاب ,وريشة فنان تغزل السكون وحياة الكون الممحون غزلا وعشقا بالطبيعة مفتون في لوحة حياة ومرام وغرام وجنة عدنان – إلى مداد من دموع الثكلى ونزيف الأطفال ودم الشيوخ الجاف الذي صار أحباراً تُشغل بها الصحف والمقالات المشتعلة أتون الحروب والمعارك وقصف الطائرات للمدارس والمستشفيات وأنهار الدماء التي ملأت أقلام الدنيا كلها فسالت نفاق وخراب تقلب الحق باطل والباطل صار على ما يرام , وعلى أنقاض الخراب والدمار ينزف مداد قلمي من سم الخياط أنهارا, يروى أسباب الانتحار والاندحار إلى الهاوية –يُعزى النفس القليل من مداد القلم حين يحقق انتصار المهجة على الشيطان, يروى قصص النضال والكفاح والبطولة من أجل أن تستمر الإنسانية ويحيا الإنسان – فيبعث الآمال في سطره الأخير من الكتاب.
ويتابع الغزل من جديد اليراع في قليل من الأحيان بِعَبرةِ حبِ وعبير حنان تغازلها حبات الحروف في كلمات تعيد للوجد بعض من الوهج , ومن ترياق الثغر تغزل عُقدِ من الكلام الموزون بالقافية يُرَجَعِ اللحن والضروب فيسيل الرضاب من جديد يروى العاشق حد الجنون .
سرعان ما تعدو النار تحاصر الجمال تُحِيَله إلى رماد , فيشتعل القلم من جديد يسكب المداد على النار يروى ظمأها لمزيد من البشر حين يُجمِل المحن ويزينها معبراً عن الشيطان بمارج من نارِ.
من يمسك بتلابيب القلم ويوجهه نحو الشرر الذي مستصغره معظم النار سوى كُتابِ البتر ودولار الصهيوني .
العاج واللؤلؤ والمرجان زين قلمي فبدت رائحة مواده تعبق الصفحات من عبير الشهداء بمداده من الدماء الزكية سالت تروي قصص البطولة والوطنية..يخط كلماته التي تفند ادعاءات الصهيونية وتقف حجر عثرة للمطبعين من الرجعية العربية , تحيط بالعقل الجمعي لشعبنا العربي تحميه من تزييف وعيه الذي تغميه الديماغوجية التي تبثها الأفاعي سموما من عملاء إعلام البترودولار.
وكان للحب والسلام عنوان , ونديم للعاشق الولهان , وناصب مافيا الحروب العداء من الكُتاب واعتبرهم خصيان, تجار الإنسان ومصاصي دماء البشر ومجرمين ,كثيرا ما تاقت كلمات قلمي لمحاكمتهم على جرائمهم ضد الإنسانية .
على ثغر يراعى إنسا بت كلماته على مُحياك يا حبيبي ,تحسد الطير الذي يَحُط على عودك المياس الرقيق ,يُخِيط الحكايات و الأقاصيص على فرعك الرطيب – حين غرد للحريات كعصفور الشرق الحزين يحوم حول سجون الحاكم الزنديق , وأحاط به الفقراء حين اشتموا عطره العتيق من بين ركام من يكتبون لرفات مافيا رجال الأعمال, وناصب العداء من يسايرون التطبيع ,ويحولون العدى إلى صديق , وأمضى قلمه في الصهيونية والامبريالية يحاول تقطيع التطبيع , ليحفر بكلماته الصراع معهم وجودي .
حوصر القلم ومورست عليه صفات الإرهاب بين الفينة وفى الأخرى بدلوا كلماته الإيمانية بالشهوات , والتحريض على الفسق ونكاح الفاتنات , راغبين تشويه العبرات ومضمون الكلمات وتسفيه النضال بها وتحويل قيم البطولة والقومية والوطنية التي سالت من القلم عبر حياتي إلى عُهرِ وبغاء .
حوصر القلم , لكن لم تقصف حياتي ولن استكين ,فمداد قلمي من الآن من دماء شهداء غزة الأحياء رغم الكفن خالدة في لوح الزمن, المنتصرة على الأعداء.
أنها من نطفة أمشاج طاهرة ذكية فلن ألين عند البلاء.
“إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا”
*كاتب ومحامي – مصري