بعد 7 أكتوبر.. سقطت كربلاء النكسة وخرس فلاسفة الهزيمة

بقلم: عبد الهادي الراجح

تمر الذكرى السابعة والخمسون لنكسة حزيران يونيو الأليمة هذا العام بشكل وظروف مختلفة عن كل الأعوام السابقة التي اعتدنا عليها ، حيث كان شهر حزيران يونيو من كل عام يشكل كربلاء جديدة لدعاة الهزيمة والاستسلام ، ابتكرها لهم مشغلوهم الصهاينة لممارسة العويل واللطم وذرف دموع التماسيح الخادعة، ليس حزنا واسف على الهزيمة والتقصير ولكن لشيء آخر مدروس بعناية، يستهدف نشر ثقافة الهزيمة ويظهرنا كعرب محض امة لا تصلح إلا للشعر والكلام، رغم كل ما اعقب النكسة الأليمة، ولا سيما على الساحة المصرية وهي بيضة القبان ، من انتصارات وأعمال مقاومة مجيدة عرفت بحرب الاستنزاف أو حرب الثلاثة أعوام ،كما وصفها الفريق أول محمد فوزي رحمة الله ،.

لقد عرف العدو قبل غيره أن أنتصاره الرخيص في حزيران يونيو 1967م. لم يكن نتاج عبقرية قيادته التي يحركها القادة الأمريكان كأحجار الشطرنج ، ولكن كان بفعل خدعة وغدر خططت له المخابرات الأمريكية مع تابعتها الصهيونية الصغيرة المحتلة في فلسطين منذ فشل العدوان الصهيوني الثلاثي على مصر جمال عبد الناصر، وكان الاسم الكودي لها “اصطياد الديك الرومي”، كما جاء في مذكرات القادة الأمريكان، وهي أشارة واضحة للهدف من العدوان السافر الإجرامي الذي ما كان له أن ينجح بذلك الحجم المهول؛ لولا دعم فئران الداخل من أنظمة الاعتلال العربي.. والاخص رسالة احد أهم ملوكهم للرئيس الأمريكي ليدون جونسون، حيث يطالبه بشكل واضح بأن تقوم إسرائيل بدعم عسكري أمريكي بالعدوان على مصر الناصرية وإسقاط نظام الزعيم جمال عبد الناصر أو إسقاط هيبته وثقله السياسي الذي يهدد كل أصدقاء أمريكا في المنطقة وليس في العالم العربي وحده، كما قال ذلك الملك في رسالته.

ومن المفارقات المحزنة أن ينتفض ذلك الملك العميل ويطالب – بعد العدوان – في خطاب شعوبي برفض ما اسماه بقرارات الأمم المتحدة التي لم تفعل شيء للعرب ، وهي كلمه حق يراد منها باطل، بالاضافة الى ملك آخر يضع سماعات التجسس لنقل كل ما يدور في اللقاءات السرية أثناء القمم العربية للمخابرات الصهيونية الموساد ، ولذلك كان يبالغ في كرم استضافة تلك القمم في بلده، ونفس الملك كان الوسيط في اللقاءأت السرية بين المختل حسن التهامي مندوب أنور الساداتي  وموشى ديان وزير خارجية العدو الصهيوني وأثمرت بعد ذلك عن زيارة السادات المشئومة لفلسطين المحتلة .. وملك آخر كانت أبواقه ومعظمها مرتزقة أجانب يصرخون بالغة العربية بالإذاعة والتلفزيون ليلا نهار بأن جمال عبد الناصر يختبئ خلف القوات الدولية في شرم الشيخ .

يضاف الى كل ذلك، التطمينات الأمريكية من أعلى مستوي في البيت الأسود وقاطنة بذلك الوقت الصهيوني ليدون جونسون ، احد أكثر الرؤساء الأمريكيين صهيونية، وبأن الحل لتلك الأزمة (إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الصهيونية) ، سيكون بالحوار غير المباشر وليس بالقتال، وان الولايات المتحدة ستكون الند للمعتدي، ولم تكتف أمريكا بذلك بل طلبت من الاتحاد السوفيتي عبر الخط الساخن بين العملاقين ، أن لا تقوم مصر بالهجوم وإلا ستجد نفسها في مواجهة الولايات المتحدة .

يومها اتصل السفير السوفيتي بمصر وأيقظ الرئيس جمال عبد الناصر الساعة الثالثة فجر يوم الرابع من حزيران ليبلغه رسالة القيادة السوفيتية، بان لا يبدأ بالحرب حتى لا يكون سببا في حرب كونية ثالثة ؛ الأمر الذي جعل القيادة العسكرية بمصر ممثله بالمشير عبد الحكيم عامر رحمه الله تأخذ تلك التطمينات كأنها الوصايا العشرة للأسف ، وليس كمؤامرة كونية على امتنا العربية بعد أن أصبحت مصر الناصرية احد أهم الأقطاب المؤثرة في العالم والمركز الذي أصبح مقرا لكل حركات التحرر ليس في وطننا العربي فحسب ولكن القارات الثلاثة .

وبناءً علية قررت مصر إرسال نائب رئيس الجمهورية زكريا محيي الدين وهو من خيرة رفاق الزعيم جمال عبد الناصر ومن الضباط الأحرار والعضو البارز بمجلس قيادة الثورة ، وللأسف في اليوم التالي والمقرر أن يسافر زكريا محيي الدين ، بدأ العدوان الصهيوني الغاشم بنتيجتة المفجعة التي كانت ضربة مؤلمة لحركة المد القومي الوحدوي، ولكنها ليست نهاية التاريخ، كما كانت تنعق أبواق الصهاينة من العرب .

يكفي أن نذكر أن مصر الناصرية حتى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر المفجع ، كانت تتفوق في الصناعة على ماليزيا وكوريا الجنوبية التي كانت ترسل خبراءها لمصر للاستفادة من التجربة المصرية ، وتقف لجانب الهند والصين واندونيسيا ولجانب كونها دولة زراعية من الدرجة الأولى منذ آلاف السنين .

لذلك كان لا بد من ضرب التجربة التحررية الوحدوية في مصر، وتكريس ثقافة الهزيمة على أنها نهاية التاريخ ورغم فشل العدو وهزيمته في كل الحروب التي عقبت النكسة المؤلمة .

ولان امتنا العربية تبقى ولادة ، وهزيمة حزيران كانت خسارة معركة وليس نهاية حرب كر, وفر، فقد جاء فجر السابع من أكتوبر العظيم عام 2023م الذي كان الزلزال وشكل الحدث الاعظم الذي هزم مأساة النكسة والنكبة معا، واثبت للعالم اجمع أن العدو مجرد آله قتل وإرهاب وإجرام صهيوأمريكي، وان فصيلا عربيا فلسطينيا واحدا صغير الحجم وليس لدية أي إمكانيات ومحاصر من الاخ والصديق قبل العدو، قد استطاع أن يهزم أسطورة العدو الصهيوني الخيالية التي صنعها إعلام صهيوني عالمي بلا أي ضمير مهني، تدعمه رأس الصهيونية أمريكا ومن يدور في فلكها من الغرب الاستعماري وإعلام الخيانة والتأمر في امتنا العربية .

ويكفي السابع من أكتوبر أنة اسقط كربلاء عرب أمريكا وفلاسفة الهزيمة ، وكتب بأحرف من نور حبرها التضحيات ودماء الشهداء، أن امتنا العربية قادرة بمثل تلك النماذج الفدائية المشرفة أن تهزم عدوها التاريخي ومن وراءه .

باختصار السابع من أكتوبر اسقط الصهاينة الأمريكان في البيت الأسود سياسيا واخلاقيا، وافرز أجمل ما في الشعوب بما فيها الأمريكي والأوروبي المقاومة والانتفاضة والثورة السلمية على الظلم والقهر والاحتلال التي رأيناها تتجلى في كل مدن العالم وجامعاته ، كما اسقط فلاسفة الهزيمة وكتبته البترودولار في وطننا العربي الكبير ومشغليهم من خونة الأمة العربية وأسيادهم الصهاينة .

إننا في ذكرى النكسة المؤلمة الطارئة وبفضل ملحمة السابع من أكتوبر أصبحنا نتحدث عن حق العودة وحتمية الانتصار، ونقول باعلى الصوت ان امتنا قادرة على ما كان يعتقده البعض اصغاث أحلام المستحيل .

عاشت أمتنا العربية عاش نضال ومقاومة شعبنا في فلسطين، والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار في فلسطين وكل بلاد العرب .
وبعد.. يقول الأستاذ كامل زهيري نقيب الصحفيين الأسبق في مصر رحمه الله:(جمال عبد الناصر كان اكبر من الهزيمة وأنور السادات اصغر من الانتصار ).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى