رذاذ الدم الفلسطيني وصل من غزة الى أستار الكعبة ونهر النيل
بقلم: نارام سرجون
نبوءة الراحل القذافي .. هذه أمة قد جاء أجلها … الزعيم الفيلسوف الذي تجاهله العرب مثلما تجاهلوا زرقاء اليمامة .. واليوم نعرف انه كان على صواب ..
ربما أصابني الاحباط عندما ظهر السيد حسن نصرالله في أول خطاب له بعد بدء حرب غزة لأنني كنت أمل ان يستجيب لانفعالي وعاطفتي .. وأن يندفع بمقاتليه نحو الجليل كما أحب أن اتمنى .. ولكن السيد لم يندفع بل فضل التريث لأمر لاأعرفه .. وكنت اظن أن تريثه ليس في محله .. ولكن لثقتي الكبيرة به قررت أن أنحني لقراره احتراما لرجل نقي تقي مخلص ووطني وشريف أعرف انه يعرف ماذا يفعل وكيف يصنع القرار .. وهو يرى مالانراه وينتظر لحظة لايتوقعها أحد بناء على شيء في معادلة خاصة جدا بالنصر المفاجئ ..
وتبين ان الرجل كان على صواب لأن تحركه لو حصل كان يجب ان يكون مستندا لقوة شعبية كبيرة عربية كاسحة ستقف معه في الدول العربية ولا تنقلب عليه .. ولكن يبدو أنه كان يدرك ان الشعوب العربية لم يعد ممكنا أن يتم التعويل عليها في هذه الفترة تحديدا وأنها كتلة باردة ليست فيها حرارة .. وأنها فقدت القدرة على صنع الانفعال وفقدت نخبها التي توجهها وسلمت قيادها لمجموعات ذباب الكتروني وقادة فيسبوك يعملون بالاجرة ووفق توجيهات مكاتب المخابرات العربية .. او أن معامل السلاح البيولوجي الغربية تمكنت من حقنها بلقاح او فيروس النوم الوطني .. والذباب الالكتروني ينشر الوباء بنشاط ..
أي ان معركة كبرى طاحنة يجب ان تخاض ويكون لدينا عمق شعبي ضخم قادر على ان يكون ضاغطا جدا وخطيرا لدرجه انه يحسب له الحساب في القرارات الدولية .. هذه الشعوب هي التي كانت تخيف الاميركيين والبريطانيين على ضعفها منذ عدة عقود .. وكانت هذه الشعوب يحسب لمشاعرها حساب .. ولذلك فان العملاء العرب لم يجرؤوا يوما على رفع رؤوسهم أو قول ما لا يرضي الجماهير حتى في ظل الهزائم الكبرى .. فالجماهير سحقت العملاء وعاقبتهم بقسوة .. وكان اي اعتداء غربي على اي بلد عربي يجعل الشعوب العربية تنتقم على طريقتها اما بقطع طرق المرور الدولية ام منتجات النفط أو غيرها .. ولكن كان الربيع العربي حقل الاختبار الذي أظهر ان الشعوب العربية كلها تلقت لقاحا مثل لقاح الفيروسات .. وتصرفت كأنها شعوب أصيبت بفيروس غريب .. فهي تنهش نفسها .. وتفتك ببعضها .. وتصرفت كما يتصرف العبيد ضد العبيد .. فالعبد لا يغضب ولا يثور لكرامته الا ضد عبد مثله .. لأنه تعلم في مدرسة العبودية أنه لا يحق له ان يمارس مشاعره بل مشاعر سيده .. ولذلك يصبح جل همه هو ان يستمر في حياته بلا مشاعر ولا أحاسيس .. ومن هنا فقد كان منظر اللاجئين العرب مثيرا للشفقة وهم يرمون أنفسهم في البحار ويطعمون أسماك البحر من لحوم أبنائهم ويرمون أوطانهم في البحر بدل أن يرموا الغزاة والخونة والمستعمرين في البحر ..
لقاح العبودية لم تتلقاه بعض الشعوب العربية مثل الفلسطينيين والسوريين وبعض اللبنانيين وحتما اليمنيين .. ولكن كل القصور العربية وكل المشيخات والممالك والامارات تلقت اللقاح ..حكومات وجيوشا وشعوبا .. حتى الشعوب التي كانت يوما على قيد الحياة وتتمتع بمشاعر السادة فانها تم حقنها بذلك اللقاح الذي دمر مشاعرها الانسانية ومشاعرها الوطنية .. وكان من تأثير هذه اللقاحات أن هذه الشعوب صارت متبلدة المشاعر .. وهي ليست مصابة بالصمم والعمى .. بل ان مركز الشعور بالكرامة والنخوة تم شله بالفيروس الذي جاء به اللقاح .. فصارت الجموع تسير وكأنها مجرد روبوتات تتم برمجتها عبر منصة أكس وفيسبوك ..
عقب كل مجزرة يظن أحدنا ان النار التي اندلعت في أجساد الاطفال .. والاشلاء التي انتشرت وسقطت على بيوت المصريين في القاهرة وطافت في قناة السويس وفي نهر النيل وعلى قصر القبة وقصر عابدين وفوق ضريح جمال عبد الناصر وعلى جمجمة أبي الهول وأنفه .. لم تحرك هذا الشارع المصري الذي لايزال مذهولا بنكهة صدمة حزيران 67 منذ خمسين سنة رغم ان اهل غزة حاربوا 8 أشهر فيما مصر حاربت 6 أيام .. والمفارقة ان مصر لاتزال تتصرف كانها مهزومة فيما غزة تتصرف كقوة عظمى ..
ورذاذ الدم الفلسطيني وصل الى الكعبة ويمكن ان نرى رذاذ الدم الاحمر القاني على أستارها السوداء .. فيما السعوديون وعرب النفط جميعا منشغلون بافتتاح النوادي الليلية والمراقص ويتابعون اسعار النفط العربي الخفيف وخام برنت ..
ووصل الدم الفلسطيني الى البوسفور ونراه بالعين المجردة على جسر استانبول .. ولايزال الجيش الانكشاري مشغولا في ناكورنو كاراباخ .. وليبيا .. ويمسح على لحى زعران ادلب ..
كنا نظن أن هذه الدماء وهذه المحارق الرهيبة كفيلة أن تشعل وتلهب مشاعر الناس وقلوبهم .. ولكن أي قلوب صارت في صدور الناس؟؟ هل هو الوسواس الخناس أم لقاح النأي بالنفس ؟ وأي شعوب من الروبوتات صرنا .. وكيف تبلدت المشاعر وصرنا الأمة التي تحتقرها الأمم .. وتقتل على الملأ أمام عدسات الكاميرات وكأننا نرى برنامجا وثائقيا عن ذبح العجول وذبح الطيور .. فيما مئات ملايين الاراكيل العربية تنفث الدخان ردا على مجازر اسرائيل حتى تبدو المقاهي مثل غزة كأنها قصفت من كثر الدخان ونفث التفاهة .. والمقاهي زاخرة بالرواد الذين يطقطقون بالزهر ويتجادلون حول مذاقات نساء أوروبا وتايلند ..
للزعيم القذافي الكبير نبوءة ستتحقق وهي أن هذه الامة قد جاء أجلها .. ومن الواضح أن أول هذه الدول التي ستدفع الثمن هي أكثر الدول التي تلقت شعوبها لقاحات العبودية .. والاستكانة .. فهؤلاء أثبتوا أنهم سينحرون علنا مثل الأنعام .. وسيموتون مجانا .. ويباعون في عالم .. كما العجول المريضة التي أصابها جنون البقر ..
الغريب والمعادلة الغريبة التي ستفاجئ هذا العالم العربي والاسلامي هو ان من سيبقى هم أهل غزة وكل من سيقاتل اليوم شعوب ستحيا .. من يدفع الدم اليوم هو الأبقى .. وهذه معادلة لاتشبه معادلة النشوء والتطور .. ففي علم داروين فان من يموت يفنى .. ولكن أهم معادلة في البقاء والوجود في علم داروين وعلم الاجتماع وعلم التاريخ وعلم الشعوب .. هو أن الأأقوى هو الأبقى .. والاقوى هو من يقدم الدم ويقاتل وتتكسر أنياب مفترسيه على لحمه القاسي .. فيما يترهل لحم القطيع الراكد البليد .. ويكون أشهى وليمة للضواري .. وأسهلها على الاطلاق ..
غزة تنغرز فيها أنياب الضبع .. ولكن هذه الانياب تتخلخل كل يوم .. وستسقط قريبا .. ولن يبقى للضبع ما ياكل الا أجساد مترهلة رخوة من نفط وأجساد من تطبيع وأجساد من (واحنا مالنا) .. وجبة ووليمة شهية تستحقها أشداق الضباع التي فقدت انيابها وتركتها مبعثرة على ارض غزة ..