..وانكشف الوجه القبيح!!

بقلم: عماد الدين حسين/ القاهرة

 «هل جننتم، وهل صدقتم أنفسكم، كيف تتجرأ المحكمة الجنائية الدولية على التفكير فى إصدار مذكرات توقيف لمحاكمة بنيامين نتنياهو ويوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى قطاع غزة، هذه المحكمة خلقت ونشأت وتأسست فقط لمحاكمة قادة إفريقيا السود أو أى رئيس أو مسئول آخر يفكر فى تحدى الغرب مثل نموذج الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وليس لأى مسئول أمريكى أو أوروبى أو إسرائيلى».

ما سبق ليس كلاما تخيليا أو بلاغيا، بل حدث فعلا. وكشفته مصادر داخل المحكمة الجنائية الدولية، وقالت إن رئيس المحكمة كريم خان قد تلقاه فعلا من بعض المسئولين الأمريكيين والأوروبيين.

للموضوعية، لم أصدق هذا الكلام حينما سمعته للمرة الأولى منسوبا إلى أحد المصادر العربية، وهو يقوم بالتعليق على الأمر فى إحدى الفضائيات الإخبارية العربية، لكن ثبت أنه صحيح، إذ لم يتم نفيه من قبل كريم خان أو المحكمة ثم جاءت بعض التعليقات الأمريكية والأوروبية لتكشف أن ذلك هو الحقيقة.

حتى وقت قريب وتحديدا قبل العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة المستمر منذ ٧ أكتوبر الماضى، كنت أعتقد أن هناك فعلا ما يسمى بالقانون الدولى، وأن هناك عدالة دولية فعلا، حتى لو كانت ناقصة ومبتورة ومشوهة، لكن ما حدث منذ بداية العدوان كشف حقيقة واحدة مؤكدة، هى أن تعبير «القانون الدولى» كلمة مطاطة جدا ولا تطبق إلا إذا كانت لصالح الأقوياء، أما إذا كانت فى مصلحة الفقراء، فهى مجرد أوراق يعلوها الغبار فى أرفف المؤسسات الدولية، مثلما هو الحال فى كل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وسائر المؤسسات والهيئات الدولية التى صدرت لصالح الفلسطينيين.

ومن الواضح أن هذا هو القانون الحقيقى للحياة طوال الوقت أى قانون الغابة أو البقاء للأقوى، لكن كان يتم تنفيذه معظم الوقت بطريقة ذكية وناعمة، لا يلاحظها كثيرون، ثم جاء العدوان الإسرائيلى الهمجى ليكشف كل الأوراق ويزيل المساحيق الرخيصة من على وجوه من يقولون عن أنفسهم إنهم الكبار.

سقطت الأقنعة تماما وتعرت الوجوه لتكشف عن وجه قبيح وعنصرية مقيتة، ونفوس ضعيفة وأرواح شريرة، ربما تكون الحيوانات المفترسة فى الغابات أكثر رحمة منها بمراحل كثيرة.

بعد العدوان الإسرائيلى اكتشفنا أن غالبية المسئولين فى الغرب يؤمنون فعلا بأنهم أكثر رقيا وتحضرا وسموا ورفعة وتفوقا من بقية البشر.

الطريقة التى يتحدث بها غالبية المسئولين الأمريكيين عن المؤسسات الدولية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك هذه الحقيقة الرهيبة.

حينما أصدرت محكة العدل الدولية قرارها الجرىء يوم الجمعة الماضى بضرورة أن توقف إسرائيل عدوانها العسكرى على مدينة رفح الفلسطينية، فإن السيناتور الأمريكى المعروف «ليندسى جراهام» هاجم المحكمة وقال: «فلتذهب هذه المحكمة إلى الجحيم»، وأنه على إسرائيل ألا تلتفت إلى قراراتها، وأن تواصل عمليتها فى تدمير المقاومة الفلسطينية.

جراهام هو نفسه الذى طالب إسرائيل قبل أسابيع قليلة باستخدام القنبلة النووية وتسوية غزة بالأرض.

ما قاله جراهام كرره عدد كبير من المسئولين الأمريكيين، خصوصا أولئك الذين يؤيدون ويدعمون إسرائيل ربما حتى أكثر من بلدانهم، ورأينا بعض أعضاء الكونجرس يدرسون إصدار قانون يلزم الرئيس الأمريكى جو بايدن بعدم تجميد أى أسلحة لإسرائيل.

حينما صدر قرار المحكمة الجنائية الدولية وبعده قرار محكمة العدل الدولية، رأينا العديد من الحكومات الأوروبية إضافة للولايات المتحدة تكشف عن احتقار كامل لهذه المؤسسات القانونية الدولية، بل تجرأ بعضهم على المطالبة بالغاء هذه المؤسسات القانونية طالما أنها فكرت فى المساس بهم أو بإسرائيل.

العدوان الإسرائيلى على غزة، كان وحشيا وقتل وأصاب مئات الآلاف وشرد أكثر من مليون فلسطينى، لكن كان له ميزة عظيمة جدا وهو أنه كشف لنا حقيقة هذه العنصرية والعنجهية والاستعلاء، بعد أن كدنا نصدق أنهم يؤمنون فعلا بالحرية والمساواة وحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى