هل تؤمن أمريكا فعلا بحل الدولتين؟
بقلم: عماد الدين حسين
صباح يوم الأربعاء الماضى اتخذت ثلاث دول أوروبية هى إسبانيا وأيرلندا والنرويج قرارا شجاعا وجريئا يتضمن الاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية اعتبارا من ٢٨ مايو الجارى. بطبيعة الحال إسرائيل غضبت واعتبرت هذا القرار مكافأة لحركة حماس وعمليتها طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الماضى.
لكن الملفت للانتباه هو أن البيت الأبيض خرج بعد ساعات قليلة من قرار الدول الأوروبية الثلاث ليعارضه ويقول إن الرئيس جو بايدن يعتقد أن الدولة الفلسطينية يجب أن تقام من خلال المفاوضات وليس باعتراف من أطراف منفردة.
تصريح بايدن ليس جديدا ويردده منذ فترات طويلة هو والعديد من المسئولين الأمريكيين لكن المثير للانتباه أكثر أن بايدن وإدارته يقولون دائما إنهم يؤيدون إقامة دولة فلسطينية بجوار إسرائيل، وتكرر هذا الكلام كثيرا خصوصا بعد العدوان الإسرائيلى الوحشى المستمر بلا توقف طوال أكثر من ٧ شهور على قطاع غزة .
وبالتالى فالسؤال الذى يجب أن نسأله هو: كيف يمكن فهم الموقف الأمريكى الحقيقى من الدولة الفلسطينية أو على الأقل موقف الإدارة الحالية التى سيخوض رئيسها الانتخابات أمام دونالد ترامب فى نوفمبر المقبل؟
من الواضح أن المنطق الأمريكى تمت صياغته بصورة شديدة اللؤم لكى يوحى أنه أولا مع حل الدولتين، لكنه عمليا لا يوافق عليها.
حينما تقول واشنطن إن إقامة الدولة الفلسطينية لابد أن تأتى عبر المفاوضات فهى عمليا تعطى إسرائيل حق الفيتو وترفض إقامة دولة فلسطينية من حيث المبدأ وسياستها على أرض الواقع تدمر وتخرب أى فرصة لإقامة هذه الدولة، وما تفعله الآن فى غزة هو ترجمة عملية لهذا المنطق.
الولايات المتحدة ظلت ترفع طويلا شعار أنها مع حق الدولتين. الوحيد الذى تجرأ على الكشف عن النوايا الحقيقية كان الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب حينما تراجع عن ذلك، بل ونقل سفارة بلاده إلى القدس من تل أبيب، بل وزعم بحق إسرائيل فى مرتفعات الجولان المحتلة والاستمرار فى الاستيطان فى الضفة الغربية.
بايدن فى حملته الانتخابية قال إنه سيعود للتأكيد على حق الدولتين، واستبشر العرب والفلسطينيون خيرا، لكنهم لم يكونوا يدركون أن ذلك مجرد كلمات فى الهواء لا تعنى شيئا.
كانت هناك فرصة ذهبية أمام الولايات المتحدة لتكفر عن كل ذنوبها بحق الفلسطينيين بأن تتوقف عن الدعم المفتوح لإسرائيل فى عدوانها ضد الفلسطينيين، أو تتوقف عن استخدام حق الفيتو ضد مشروع القرار الذى تقدمت به الإمارات العربية المتحدة قبل أسابيع قليلة بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية.
جوهر الموقف الأمريكى وتصريحات العديد من المسئولين الأمريكيين تقول إن واشنطن ضد إقامة الدولة الفلسطينية حتى لو كانت صورية، فهى حينما تعطى إسرائيل حق الموافقة أولا على إقامة هذه الدولة فهى تقول عمليا إن هذه الدولة لن تقاوم، فهل يعقل بالمنطق أن توافق إسرائيل المتطرفة جدا الآن على إقامة هذه الدولة؟.
ثم إننا ننسى أن الولايات المتحدة ومن بعدها بريطانيا أعلنت فى أوائل العام الحالى أنها يمكن أن توافق على إقامة دولة فلسطينية حتى من دون موافقة إسرائيل.
حدث ذلك ربما للتخفيف من الانحياز الأمريكى المكشوف لإسرائيل والذى قاد لأكبر مجزرة فى التاريخ الحديث.
بعد هذا التصريح والذى أيدته دول غربية كثيرة ذهب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى الكنيست وحصل منه على قانون يمنع الموافقة على إقامة دولة فلسطينية، والمهم أن كل الأحزاب والقوى السياسية الإسرائيلية وافقت على ذلك بما فيها الأحزاب التى نصنفها معتدلة أو حتى يسار وسط.
واشنطن تقول لفظيا إنها مع الدولة الفلسطينية، لكن عمليا هى ضد هذه الدولة، ومن الواضح ومن خلال القراءة الدقيقة للموقف الأمريكى طوال الشهور الماضية، فإن واشنطن تتماهى مع الموقف الإسرائيلى فى كل نقاطه الجوهرية، حتى لو كانت هناك خلافات شكلية.