الرئيس الإيراني يَسْقُطُ صَرِيعًا.. الخلفيات والآفاق

بقلم: توفيق المديني

لقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (63 عامًا) مصرعه في حادثة المروحية التي فُقِدَ الاتصال بها في منطقة جبلية على بعد حوالي 95 كيلومتراً (60 ميلاً) شمال شرق مدينة تبريز،وقُتِلَ فيها جميع من كانوا فيها ،وذلك بعد مراسم افتتاح سُدِّ “قيز قلعة سي” برفقة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف على نهر آرس الحدودي المشترك، يوم الأحد19مايو/أيار الجاري .
فقد تعرضتْ المروحية التي تَقِلُ رئيسي لحادثٍ في طريق العودة إلى تبريز لتدشين مشروع تحسين جودة مصفاة تبريز،وتحطمتْ في غاباتِ ديزمار الواقعة بين قريتي أوزي وبير داود في منطقة ورزقان في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران.وكان من بين ركاب الطائرة المروحية وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان وممثل المرشد خامنئي سيد محمد علي آلهاشم، ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي.
وأثار مصرع الرئيس الإيراني ووزير الخارجية في حادث تحطم مروحية صدمةً كبيرةً في العالم العربي والإسلامي ،وقلقًا بشأن مستقبل إيران،وتساؤلات لدى المحللين و الخبراء وأجهزة الإعلام العربية ،هل إ نَّ هذا الحادث هو قضاء وقدر بسبب رداءة الأحوال الجوية،أم أنَّه مدبرٌ من قبل جهة معادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية .
في تحليلنا لحادث الوفاة للرئيس الإيراني ومرافقيه، يمكن إدراج الأسباب التالية:
أولاَ: تحطم المروحية الناجم عن العقوبات الأمريكية
في تعليقه على حادث وفاة الرئيس الإيراني،اعتبر وزير الخارجية السابق جواد ظريف،في تصريحٍ للتلفزيون الرسمي الإيراني،أنَّ “أحد أسباب هذا الحادث المفجع هو الولايات المتحدة من خلال فرضها عقوبات على بيع صناعة الطيران لطهران”. وسارع المسؤولون الأمريكيون إلى رفض هذه الادعاءات،واعتبروا “ألا أساس لها”.
وفيما يشير التحليل إلى أنَّ العديد من الأسباب قد تكون وراء تحطم مروحية بيل 212 الأمريكية الصنع والتي تعود إلى حقبة حرب فيتنام عام 1968،مثل سوء الصيانة أو الخطأ البشري في الضباب الكثيف، يطرح أيضا مجموعة من التساؤلات بشأن الحادثة.
وكانت إيران مشتريًا رئيسيًا للطائرات الهليكوبتر من طراز “بيل” الأمريكية في أثناء حكم الشاه المدعوم من الولايات المتحدة قبل الثورة التي قادها الإمام الخميني عام 1979. ونتيجة العقوبات المستمرة منذ عقود، صار من الصعب على إيران الحصول على قطع غيار للطائرات الأمريكية أو تحديثها. لكنَّ السؤال الذي يطرحه الخبراء و العديد من المسؤولين السياسيين في دول الغرب، لماذا استمرت السلطات الإيرانية في الاعتماد على مروحيات عجوزة كـ”بيل 212″ التي كان يطلق عليها لقب “دبور الجحيم” نظراً إلى تطورها وقدراتها، لكن بمعايير ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وليس بعد نصف قرن من صناعتها.و لا تأتي مروحيات “Bell-212‎” بصندوق أسود مدمج فيها مسبقًا وذلك لأنَّها في الأساس غير قتالية أو عسكرية في المقام الأول بل إنَّها تستخدم للإسعاف والإنقاذ والنقل.
هناك إجماع من قبل المحللين و الخبراء أنَّ صناعة الطيران الإيرانية عانت من سنوات من الإهمال ونقص الاستثمار والعقوبات القاسية، وأنَّ حوادث الطيران باتتْ مُتَكَرِّرَةً، فضلاً عن انحفاض معايير سلامة النقل الجوي بشكلٍ مُطردٍ.وهناك ما يقرب من 2000 إيراني فقدوا أرواحهم في حوادث طائرات منذ عام 1979، في حين قدرت شبكة “سلامة الطيران” أن الحوادث التي شملت شركات الطيران الإيرانية أدت إلى 1755 ضحية في السنوات الـ44 الماضية.
ثانيًا: المناخات الجوية
كانت ظروف الرحلة للرئيس الإيراني والوفد المرافق له محفوفة بالمخاطر،من جرَّاءِ حالة الطقس السيئة وتكثف الضباب حول القمم الوعرة والنائية التي يبلغ ارتفاعها 1800 متر على مسار الطيران المباشر.فقد تحطمت طائرة رئيسي عندما كانت تحلق في منطقة جبلية ضبابية في شمال غرب إيران، وتساءل الخبراء عن أسباب الطيران عبر الجبال، بينما كان من الممكن تغيير المسار أو الوجهة لتحقيق مزيدٍ من الأمان.
ولذلك، ارتسمت منذ البداية علامات استفهام ضمنية حول التفسيرات المناخية التي قِيلَ إنَّها كانت السبب في سقوط المروحية، خصوصًا أنَّ هذه التفسيرات بدتْ غير متماسكةٍ ومتباينةٍ أحيانًا وبما أعطى المزيد من الذخيرة للتشكيك في الرواية التي ربطت بين سوء الأحوال الجوية والحادثة، منها أنَّ الطائرة كان برفقتها طوافتان للحراسة تسيران على الخط الجوي ذاته لمروحية الرئيس إبراهيم رئيسي، وفي الحالة الجوية الضبابية الماطرة ذاتها، ومن دون أن تتعرضا لأي خطرٍ. كما كان لافتًا أيضًا الفارق بين التوصيف الأولي للحادثة على أنَّها حصلتْ نتيجة “هبوطٍ حادٍ ” للمروحية وبين التقرير النهائي الذي تحدث عن اصطدامها برأس الجبل لانعدام الرؤيا.
ثالثًا: التوتر الإقليمي بين إيران و الكيان الصهيوني وأمريكا
هناك شكوكٌ حول ملابسات وفاة رئيسي، بسبب التوقيت خلال المواجهة المتصاعدة بين إيران والكيان الصهيوني والتي أثارت القلق في إقليم الشرق الأوسط وخارجه، من أن تندلع حرب إقليمية في أي لحظة بسبب الحرب في غزة.فعلى مدار الأشهر السبعة الماضية، نفذتْ فصائل محور المقاومة المسلحة والمدعومة من إيران هجماتٍ عسكريةٍ وصاروخيةٍ ضد مواقع جيش الاحتلال الصهيوني ،والولايات المتحدة الحليف الدولي الرئيسي في حرب الإبادة الجماعية الصهيونية في قطاع غزة، على الحدود الجنوبية للبنان، وفي البحر الأحمر، وفي سوريا والعراق. وأدَّى تصاعد عمليات المقاومة إلى مخاوف مستمرة من نشوب حرب إقليمية، على الرغم من إشارة إيران مرارًا إلى أنَّها تحاول تجنب تلك النتيجة.
في ظل أجواء التوتر الإقليمي السائد الذي تشكّل إيران أحد أطرافه ،واتهام الكيان الصهيوني والولايات المتحدة إيران ،بتطوير برنامجها النووي، وسعيها إلى الحصول على سلاح نووي أو استغلال مكانتها كقوة على عتبة إنتاج مثل هذا السلاح بسرعة، وبعد اغتيال “إسرائيل” جنرالًا إيرانيًّا كبيرًا في الحرس الثوري في القنصلية الإيرانية بدمشق،أطلقت إيران 300 صاروخ ومسيّرة على الكيان الصهيوني الشهر الماضي ،حيث نسقتْ الولايات المتحدة مع “إسرائيل” والأردن والقوات الإقليمية الأخرى لإسقاطها،فضلاً عن توسيع إيران بشكلٍ كبيرٍ برنامجها الصاروخي ومدى انتشاره، في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي،وتوجهها إلى امتلاك تقنيات تهدف إلى التغلب على الدفاعات الإسرائيلية ،هو على الأرجح درس من الدروس المستفادة من الحرب في أوكرانيا، وقيام إيران بتسليح الحوثيين وتزويدهم بالمعلومات الاستخبارية من سفينة إيرانية واحدة على الأقل،وتوفير طهران الأسلحة والتكنولوجيا لحماس وحزب الله، وهي الجهود التي توسعت أيضًا في ظل حكم رئيسي،كل هذه العوامل زادت من احتدام المواجهات الإقليمية بين إيران و”إسرائيل”.
وهذا ما حمل البعض من المحللين والخبراء على عدم استبعاد أن تكون حادثة مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه مرتبطةٌ بأجواء هذا التوتر وتصفية حساباته،وضلوع الكيان الصهيوني في حادثة المروحية التي كانت تقل رئيسي. ويتمتع الموساد، جهاز التجسس الإسرائيلي، بتاريخٍ طويلٍ في اغتيال أعدائه، بما في ذلك في إيران، حيث قتل علماء نوويين بارزين.
وزير الدفاع الأميركي السابق مارك آسبر، وخلال مقابلة أُجريت معه، مساءالأحد 19مايو/آيار الجاري ، حول هذا الموضوع، أشار إلى مثل هذا الاحتمال ولو على سبيل التخمين، على أساس أنَّ مفاجأة بهذا الحجم وبالظروف المحيطة بها تحتمل فرضية أن يكون أحدهم مثل “إسرائيل” أو غيرها وراء العملية. افتراض يستدعي الوقوف عنده بحكم الموقع الذي شغله الرجل مؤخراً في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
بينما نقل الموقع الروسي عن عالم السياسة أليكسي ماكاركين، أنَّ حالة الطوارئ بمروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قد تكون نتيجة التخريب من قبل الولايات المتحدة أو “إسرائيل” أو بعض القوى داخل إيران نفسها. وحسب ماكاركين فإن المشتبه بهم الرئيسيين هم الغرب و”إسرائيل” في ظل الهجوم على “إسرائيل” في عهد رئيسي. وأشار الخبير إلى دعم رئيسي لحماس، على الرغم من أنَّ الأمرَ لا يتعلق برئيسي فقط، في ظل تقديم آية الله العظمى علي خامنئي الدعم لهذه الحركة. ولا يستبعد العالم السياسي سيرغي ماركوف تورط “إسرائيل” في الحادث. وحسب رأيه، فإنَّ جهاز الموساد ( َالمخابرات الإسرائيلية) ينتقم بهذه الطريقة من رئيسي لموقفه المتشدد تجاه السياسات التي تنتهجها “إسرائيل”.
وكانت دولة الاحتلال الصهيوني نفتْ أي تكنهات بشأن ضلوع محتمل في تحطم طائرة الرئيس
الإيراني ،إبراهيم رئيسي ، ووفاته إلى جانب ركاب الطائرة.وقال مسؤول إسرائيلي لوكالة رويترز الاثنين20مايو/أيار الجاري ،إنَّه لا علاقة لدولة الاحتلال بمقتل رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتروقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته: “لم نكن نحن”.
رابعًا: هل للشراكة الإستراتيجية بين أذريبجان و”إسرائيل” دور في المؤامرة؟
تحدثتْ صحيفة “الجمهورية الإسلامية” الإيرانية عن احتمال وجود مؤامرة خارجية استهدفت طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي ومعاونيه،من بين الطائرات الثلاث العائدة من الحدود الأذريبجانية-الإيرانية ، مستندة في ذلك إلى تحول أذريبجان إلى قاعدة استراتيجية صهيونية متقدمة تعمل ضد مصالح الأمن القومي الإيراني.فمنذ توقيع اتفاقيات التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول الخليجية(الإمارات والبحرين) ،ودولتي السودان و المغرب في عام 2020، وعودة التقارب التركي -الإسرائيلي،أضافت العلاقات المتوترة بين أذربيجان وإيران بُعدًا جديدًا للشراكة الأذربيجانية الصهيونية . وبعد عقود من عدم الظهور الدبلوماسي تجاه الكيان الصهيوني ، وافق البرلمان الأذربيجاني في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 على مشروع قانون لفتح سفارة في تل أبيب. مع أنه حتى وقت قريب، رفضت أذربيجان دائمًا طلب “إسرائيل” بإرسال سفير دائم بالرغم من افتتاح “إسرائيل” لسفارة في باكو في أغسطس/آب 1993. تغير هذا عندما اتخذت أذربيجان القرار التاريخي بالرد أخيرًا بعد ما يقرب من 30 عامًا.
وكان السبب وراء تردد أذربيجان الأولي تخوفها من إزعاج دول إسلامية أخرى واستفزاز إيران، التي حملت “إسرائيل” مسؤولية تدهور العلاقات بين باكو وطهران. ويبدو أن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف شعر أن الوقت مناسب لتقوية العلاقات مع الكيان الصهيوني. فخلال حكومة بينيت-لابيد قصيرة العمر، تم الارتقاء بالشراكة الأذربيجانية الصهيونية إلى مستوى استراتيجي جديد.
وقد وصف لبيد في بيانه أذربيجان بأنَّها شريك مهم ل”إسرائيل”. في هذا السياق، كانت زيارة وزير دفاع الحكومة الصهيونية بيني جانتس إلى أذربيجان بالغة الأهمية. وأكد جانتس خلال زيارته على أهمية “الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية بين دولة الاحتلال الصهيوني وجمهورية أذربيجان، و” التفكير في التغييرات في الشرق الأوسط بعد توقيع اتفاقيات إبراهام”، ويمكن القول أن المناقشات خلال هذه الزيارة لعبت دورًا حاسمًا في تمهيد الطريق لقرار فتح سفارة أذربيجان في “إسرائيل”، حيث عين إلهام علييف أول سفير لأذربيجان لدى تل أبيب مختار محمدوف، في 11 يناير/كانون الثاني2024.
ورغم حرب الإبادة الجماعية التي يقودها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين في قطاع غزة،زار وزير الخارجية الأذربيجاني جيخون بيرموف القدس وتل أبيب في 29 مارس/آذار2024، لإجراء محادثات مع نظيره الصهيوني إيلي كوهين، ولحضور حفل افتتاح السفارة.
وفقًا لمسؤولين إيرانيين، عزلت باكو طهران عن قصد عن عملية إعادة إعمار كاراباخ مع إعطاء الأولوية للكيان الصهيوني . وتعتقد إيران أنَّ “إسرائيل”تشجع باكو على اتباع سياسة عدوانية تجاه طهران وتحدي النظام الجيوسياسي القائم. وينظر كل من الكيان الصهيوني وأذربيجان إلى التقارب السعودي الإيراني بوساطة الصين على أنَّه تطورٌ خطيرٌ لكليهما .ونتيجة لذلك، يمكن أن ينقلب التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط ضد مصالح “إسرائيل” بينما تحصل إيران على فرصة لتعزيز ضغطها تجاه أذربيجان. فكل التطورات المذكورة أعلاه تقرب بين أذربيجان والكيان الصهيوني يوما بعد يوم، وقد صرح وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين خلال زيارته الأخيرة لأذربيجان أنَّ “إسرائيل” تسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع أذربيجان.
خامسًا: حرب الخلافة
وأثارت وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أسئلة أخرى، بما في ذلك من سيخلف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران الذي يبلغ من العمر 85 عامًا. واعتبر البعض أنَّ رئيسي هو المنافس الرئيسي، إلى جانب نجل المرشد الأعلى، مجتبى، وتحدثتْ عدَّة أوساط ٍعربيةٍ و”إسرائيليةٍ” عن التكهنات بشأن مقتله ،خصوصًا أنَّ المرشد خامنئي بدأ وكأنَّه يُعِيدُ ترتيب بيته، ولكنَّ لا أحد يعرف أنَّ رئيسي الذي شهدتْ فترته الرئاسية اضطراباتٍ وزيادة في التضخم وألام اقتصادية وتراجع في قيمة الريال الإيراني،سيكون خليفة لخامنئي لو لم يمت، فهناك نجل المرشد، مجتبى الذي ينتظر في الجناح، إلا أنَّ ولاء رئيسي للمرشد ساعد على تقديم صورةٍ عن كتلةٍ محافظةٍ موحدةٍ حول أهداف ورؤية المرشد وتجنب الخلافات التي طبعت الرئاسات السابقة مع مكتب المرشد.
والحال هذه ،لاأتبنى نظرية المؤامرة التي تتحدث عن عمل أمني أدَّى إلى تحطم الطائرة الرئاسية الإيرانية.ولا يوجد أي مؤشر إلى صراعاتٍ على الخلافة أو الرئاسة في إيران، حتى يقال أنَّ طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي تحطمتْ نتيجة عمليةٍ مدبرةٍ،هذا التحليل من صنع الخيال.
فالرئيس إبراهيم رئيسي يُعَدُّ الرئيس الأكثر إخلاصًا وراحةً لخامينئي من بين الرؤساء الخمسة الذين تولوا الرئاسة تحت قيادته منذ أن عُيِّنَ كزعيمٍ في صيف 1989، خلفًا للإمام الخميني.
تذكر المادة 107 من الدستور الإيراني ،الذي أعدّه مجلس خبراء القيادة في 175 مادة سنة 1979 م بعد استفتاء شعبي ، سلطة المرشد الأعلى الذي يتبنى ولاية الفقيه على مختلف مظاهر الحياة،مايلي: “بعد المرجع المعظم والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية سماحة آية الله العظمي الإمام الخميني (قدّس سرَّه الشريف) الذي اعترفت الأكثرية الساحقة للناس بمرجعيته وقيادته، توكل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من قبل الشعب…”. فقد تم اختيار المرشد علي خامنئي القائد الأعلى في الجمهورية الإسلامية في إيران في عام 1989، عقب وفاة الإمام الخميني.
وتضبط المادة 110 من الدستورالإيراني وظائفه وصلاحياته. فمن مهامه، تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية، بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام، والإشراف على حسن تطبيقها وإصدار الأمر بالاستفتاء العام والقيادة العامة للقوات المسلحة وإعلان الحرب والسلام والنفير العام وتنصيب كبار المسؤولين أو عزلهم أو قبول استقالة من يتخلّى عن مهامه منهم. ويُعهد إليه تنظيم العلاقات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وحل ما ينشأ بينها من الخلافات. ويؤكّد الدستور الإيراني بجلاء سلطته على رئيس الجمهورية. فهو من يمضي حكم تنصيبه بعد إجراء الانتخابات. وله أنْ يَعْزِلَهُ إنْ اقتضتْ مصلحة البلاد ذلك.  ولكنَّ بعد صدور حكم المحكمة العليا يثبت تخلفه عن وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية على أساس المادة89.
لقد فاز إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية الإيرانية الـ13، التي أُجْرِيَتْ في يونيو/حزيران 2021، ليصبح الرئيس الثامن للجمهورية الإسلامية الإيرانية..ويُعَدُّ إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني الثاني الذي يقتل أثناء فترة الرئاسة، إذْ سبق أنْ تعرّض الرئيس الإيراني الأسبق محمد علي رجائي لعملية اغتيال في حادث تفجير مقر رئاسة الوزراء الإيرانية في 30 أغسطس/ أب 1981، في عملية نُسبتْ إلى منظمة مجاهدي خلق المعارضة، التي لم تتبناها رسميًا.وحلّ رجائي مكان الرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر، الذي كان أول رئيس لإيران بعد الثورة الإسلامية، لكنه عُزل من منصبه وهرب من إيران إلى فرنسا بشكل سري.
كانت المصلحة تستوجب ذلك. أما الان السؤال هو ما هي المصلحة. الإسلام، الثورة، الدولة، مصلحة النظام ام مصلحة الزعيم الأعلى. خامينئي رسم منذ الان الحدود ورئيسي كان مناسبا لخططه كالكفة لليد. ليس بسبب مؤهلاته بل لانه كان الأكثر موالاة من بين الأشخاص حوله.
مستقبل السلطة الرئاسية في إيران
يمثل الرئيس السلطة التنفيذية في النظام السياسي الإيراني الذي يرتكز على سلطات ثلاث هي التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، بينما تعود الكلمة النهائية في السياسات العامة للدولة إلى المرشد الأعلى.ويتولى رئيس الجمهورية تعيين مجلس الوزراء، وتوجيهه نظرا لعدم وجود منصب رئيس للوزراء، ووضع السياسات الاقتصادية والمالية للبلاد، والإشراف على تنفيذ السياسة الخارجية.
وتنص المادة الـ131 من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أنَّه “في حالة وفاة رئيس الجمهورية،أوعزله، أواستقالته،أوغيابه، أو مرضه لأكثر من شهرين،أو في حالة انتهاء فترة رئاسة الجمهورية وعدم انتخاب رئيسٍ جديدٍ،يتولى المعاون الأول للرئيس أداء وظائف رئيس الجمهورية، ويتمتع بصلاحياته بموافقة القيادة”، أي المرشد الأعلى.
وتشير المادة إلى أنَّه “يتوجب على هيئة مؤلفة من رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) ورئيس السلطة القضائية والمعاون الأول لرئيس الجمهورية أنْ تَعُدَّ الأمور ليتم انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، خلال فترة 50 يوما على الأكثر”.
وأوكل خامنئي، الأحد الماضي ، محمد مخبر، الذي كان نائبًا لرئيسي، مهام رئيس الجمهورية.
وخلال الفترة التي يتولى فيها مخبر مسؤوليات رئيس الجمهورية ويتمتع بصلاحياته، “لا يمكنه استيضاح الوزراء أو حجب الثقة عنهم، ولا يمكنه – كذلك – القيام بإعادة النظر في الدستور أو إصدار الأمر بإجراء الاستفتاء العام في البلاد”، وفقا للمادة 132.فقد تمتْ الموافقة على موعد الانتخابات الرئاسية في إيران خلال اجتماع لرؤساء السلطة القضائية والحكومة والبرلمان، حيث تقرَّرَ أنْ تجرى في 28 يونيو المقبل، بينما ستفتح أبواب الترشح أمام المرشحين للرئاسة أواخر الشهر الحالي.
وبحسب المادة 99من الدستور الإيراني، يتولى مجلس صيانة الدستور الإشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة ورئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى، وعلى الاستفتاء العام. وفي هذا الجانب يكشف الباحث الإيراني أنَّ مجلس صيانة الدستور يبقى بمنزلة “المحكمة الدستورية” بالأنظمة السياسية الغربية ، ويرجع له قرار الفصل في قبول أو رفض ترشيحات المرشحين.
ويُنتخب رئيس الجمهورية مباشرة من قبل الشعب لمدة أربع سنوات، ولا يجوز انتخابه لأكثر من دورتين متتاليتين..ويعتقد المحللون والمتابعون للشأن الإيراني إلى أنَّ المرشد خامنئي، قد يعمل على “استقطاب أطراف من التيار الأصولي توصف بالمعتدلة في مواقفها الأخيرة”.
أسماء مرشحة
من بين الأسماء المدرجة بقوة لتولي منصب رئاسة الجمهورية في إيران،علي لاريجاني، الذي أُقْصِيَ في الانتخابات الأخيرة “ليس لسبب فيه، إنَّما لأنَّه كان منافسًا قويًا أمام الخيار الأمثل بالنسبة للمرحلة” الماضية.ويُعَدُّلاريجاني شخصية يُعتمدُ عليها داخليًا وسبق أنْ تقلدَ مناصبَ عديدةٍ وحساسةٍ في إيران،أهمها رئاسة مجلس الشورى الإيراني من 2008 إلى 2020، وأيضًا توليه منصب  الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي في الفترة ما بين 2005-2007.
كما أنَّ سعيد جليلي، وهو شخصية متشددة ومقربة من خامنئي، من بين الأسماء المرشحة أيضًا.
وعمل جليلي في السابق مقاتلاً بصفوف الحرس الثوري الإيراني قبل أنْ يصبحَ مفاوضًا في الملف النووي
وكانت نسبة المشاركة في إيران في مسار تنازلي في السنوات القليلة الماضية. في عام 2016، شارك أكثر من 60 في المئة من ناخبي البلاد في الانتخابات البرلمانية. بحلول عام 2020، كانت النسبة 42 في المئة. وتعهد مسؤولون بأن تكون النتيجة أعلى في مارس – لكنَّها جاءتْ أقل بقليل من 41 في المئة.
وفي جميع الانتخابات الأخيرة في إيران، أظهر خامنئي “استعداده لاستبعاد أي مرشحين إصلاحيين أو حتى معتدلين يُنظر إليهم على أنَّهم معارضة موالية”، وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”.وكانت النتائج واضحةً، ففي عام 2021، فاز رئيسي بأدنى نسبةِ مشاركةٍ على الإطلاق في انتخاباتٍ رئاسيةٍ، بنسبة 48 في المئة.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة: رحم الله الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان ،فقد كان شخصان أساسيان في تطوير العلاقات مع روسيا والصين،وفي تقديم كل الدعم لفصائل محور المقاومة ضد العدو الصهيوني. وفي عهد رئيسي ،قطعت إيران شوطًا عظيما نحو إبرام اتفاقية استراتيجية مع الصين. والان مع موت الاثنين يكون الإيرانيون مطالبين بان يعثروا، وبسرعة، على رئيسٍ جديدٍ يكون ذا مزايا وقدرات عملية لإدارة السياسة الخارجية في ظل بداية أفول النظام الليبرالي العالمي الأمريكي المتوحش.وعلى الرئيس الجديد أن يكون أيضًا شخصًا مواليًا للمرشد علي خامينئي،الإرث الذي سيتبقى خلفه. فخامينئي لم يكن مرتاحا من الرؤساء الذين سبقوا رئيسي كونهم خرجوا عن خطه الأيديولوجي. فبينما هو، خامينئي يرسم الطريق، على الرئيس ان يوفر الطعام لقرابة 90 مليون نسمة، وأن يتحلى بالنزعة البراغماتية ، لتحقيق مصالح الشعب الإيراني،التي تتغلب على الأيديولوجيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى