الاعتراف بفلسطين.. بين ترحيب السلطة وتضحيات أهل غزة

بقلم: راني ناصر*

رحبت السلطة الفلسطينية بإعلان إسبانيا والنرويج وايرلندا الاعتراف بدولة فلسطين، وقال أمين سر اللجنة التنفيذية حسين الشيخ في تصريح له عبر منصة “X”: “لحظات تاريخية ينتصر فيها العالم الحر للحق والعدل بعد عقود طويلة من الكفاح الوطني الفلسطيني والمعاناة والألم والاحتلال والعنصرية والقتل والبطش والتنكيل والتدمير الذي تعرض له شعب فلسطين.”
الحقيقة هي أن السلطة الفلسطينية لا علاقة لها، لا من قريب ولا من بعيد، باعتراف الدول الغربية بفلسطين خارج منظومة الأمم المتحدة؛ فرجال السلطة لم يكونوا ليحلموا بقدوم هذا اليوم لولا التضحيات الجسيمة التي قدمها أهل غزة بمختلف أطيافهم المجتمعية وانتماءاتهم الفصائلية، وصمودهم الأسطوري في القطاع المحاصر إسرائيليًا وعربيًا وغربيًا لأكثر من ثمانية أشهر، وقدرتهم على وضع القضية الفلسطينية على رأس سلم أولويات المجتمع الدولي، ونجاحهم في تجييش الرأي العام لصالحهم مما تسبب في المظاهرات العارمة التي اجتاحت عددًا كبيرًا من العواصم والجامعات الغربية، والتي شكلت عامل ضغط مهم على كثير من الحكومات الغربية لتغيير مواقفها لصالح الشعب الفلسطيني.
ففي وقت يُذبح فيه الشعب الفلسطيني في غزة من الوريد إلى الوريد من قبل دولة الاحتلال تحت تواطؤ غربي وعربي غير مسبوق، لم يجد رئيس السلطة، محمود عباس، أي حرج في اتهام حماس بتوفير الذرائع لدولة الاحتلال للهجوم على غزة في مؤتمر القمة العربية الأخير في المنامة، ضاربًا بكلامه عرض الحائط الجرائم التي اقترفتها دولة الاحتلال قبل 7 أكتوبر من قتل وتهجير للفلسطينيين في كل أنحاء فلسطين المحتلة، واقتحامات مستوطنيها المتكررة للمسجد الأقصى، وحصارها غزة وتحويلها إلى سجن كبير على مدى 17 عامًا، وانعدام الأفق السياسي لينال الشعب الفلسطيني حريته أسوة بباقي شعوب العالم.
ومنذ الساعات الأولى من انطلاق الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر الماضي، قامت السلطة الفلسطينية بمساعدة إسرائيل في تنفيذ عمليات قتل واعتقالات في جميع مناطق الضفة الغربية من خلال إبقاء كامل أجهزتها الأمنية التي تقدر بأكثر من 60,000 عنصر في مراكزهم. ووجهت عناصرها الامنية بالانقضاض بقسوة على المظاهرات والفعاليات المناصرة لغزة، وملاحقة المقاومين في الضفة وتسليم معلوماتهم لدولة الاحتلال. وأعلنت السلطة الإضراب العام حدادًا على ضحايا غزة من أجل إبقاء الناس في منازلهم ومنعهم من التجمع بهدف تجنب أي ثورة أو هبة شعبية تهدد بقاءها، ومنع فتح جبهة داخلية أخرى ضد دولة الاحتلال من شأنها أن تشتت تركيز قواتها على غزة والحدود الشمالية مع لبنان.
لهذا، فإن السلطة الفلسطينية التي تعمل كذراع أمني لدولة الاحتلال، والتي انتهت صلاحيتها منذ عام 2009، تشكل خطرًا جسيمًا على الانتصار الفلسطيني والثبات على أرضه؛ فمحاولتها تجيير اتساع عزلة إسرائيل دوليًا، واعتراف دول غربية جديدة بحقوق الشعب الفلسطيني على أنه نتيجة لجهودها، تمثل إهانة كبيرة لأهل غزة الذين قدموا شلالات من الدماء وجبالًا من الجماجم لنيل حقوقهم المشروعة.

*كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى