دارت الأيام.. بروفيسور إسرائيلي يعترف ان العالم يتقيّأ “الدولة الصهيونية” لان استمرارها يهدد بقاءه

انضمت كولومبيا لعدد من دول أمريكا الجنوبية وأعلنت قطع علاقاتها مع إسرائيل على خلفية تورطها في حرب إبادة في غزة. وفي التزامن تتواصل الاحتجاجات ضدها في الجامعات الأمريكية، وتنتشر لدول أخرى، وسط مخاوف إسرائيلية من صدور مذكرة اعتقال بحق قادتها.

رغم ذلك، تعلن إسرائيل، على لسان عدد من قادتها، منهم رئيس حكومتها نتنياهو، أنها مصممة على اجتياح رفح رغم المخاطر المترتبة على ذلك، ليس من ناحية حياة المدنيين الغزيين فحسب، بل من ناحية صورة ومكانة إسرائيل التي باتت دولة تعيش عزلة وتواجه انتقادات أكثر من أي وقت مضى.

ويقول محرر الشؤون الدبلوماسية في القناة 12 العبرية نداف أيال إن هناك خوفاً كبيراً وحقيقياً في إسرائيل من صدور مثل هذه الأوامر بالاعتقال. ويوضح، في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، أن نتنياهو بحالة رعب حيال هذا السيناريو، وأنه يستغيث بنواب في الكونغرس للضغط على محكمة الجنايات الدولية لمنع إصدار مثل هذه التعليمات، مثلما يضغط على الجيش لفتح معبر بيت حانون (إيرز)، وإدخال مساعدات إنسانية أكبر للقطاع استبعاداً ونفياً لتهمة تجويع الغزيين، التي بسببها ربما تصدر مذكّرة الاعتقال.

يشار إلى أن الإذاعة العبرية العامة كشفت، أمس، أن نتنياهو توجّه أيضاً لعائلات المخطوفين طالباً المساعدة من خلال استثمار علاقات شخصية نسجها بعض هذه العائلات مع مسؤولين في “المحكمة الدولية”، على أمل أن يسعفه ذلك، بمنع صدور أمر اعتقال بحقه.

وكانت، منذ أيام، قد نُشرت تسريبات وتقارير صحفية تتحدث عن توجّه النائب العام للجنايات الدولية لإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وقائد جيش الاحتلال هليفي ووزير الأمن في حكومة الاحتلال غالانت.

ويتساءل أيال؛ كيف يمكن لإسرائيل الذهاب لاجتياح رفح، والتورط بمذبحة كبيرة تلحق ضرراً فادحاً بصورة ومكانة إسرائيل تعمّق عزلتها. وهذا ما يحذر منه عددٌ من المراقبين الإسرائيليين ممن يعتبرون أن رفح من هذه الناحية “كمينٌ إستراتيجي” ستنجم عنه ضربة دبلوماسية موجعة جداً لإسرائيل في مرحلة مأزومة أصلاً.

دولة مارقة
وينضم باحث إسرائيلي بارز لهذه التحذيرات، مؤكّداً أن تدهور مكانة إسرائيل في العالم، وتصويره لها كدولة مارقة يشكّل خطراً وجودياً داهماً عليها. في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” في ملحقها، غداً الجمعة، يقول البرفيسور في الفيزياء تسفى مازا، الحائز على أرفع وسام إسرائيلي- “جائزة إسرائيل”، إن العالم عندما يتقيّأ إسرائيل، وهو يتقيأها أكثر فأكثر، فهي لن تستطيع البقاء والصمود هنا.

وفي نطاق تعبيره عن قلقه، يشير لخطورة إدارة الحرب والصراع مع الفلسطينيين بانفعالية، و”من البطن لا من العقل”، ويسخر من حكومة نتنياهو بالقول إن عدداً غير قليل من وزرائها لا يجيدون التحدّث بالإنكليزية، ولا يدركون ما يجري في العالم اليوم ويدلون بتصريحات دموية غير أخلاقية وحمقاء.

في هذا السياق، يفيد تقرير تنشره صحيفة “هآرتس” أن “ماكنة الأخبار الكاذبة” التي تعتمدها “حماس” ضمن روايتها في العالم تهزم إسرائيل وماكنتها الدعائية، منبهاً إلى أن المشكلة عميقة، وبدأت قبل الحرب على غزة.

مع ذلك، تستغرب أوساط إسرائيلية واسعة، رسمية وغير رسمية، اتخاذ العالم موقفاً مناوئاً من إسرائيل في ظل جرائم حرب ترتكبها في غزة، وترصدها حتى منظمات حقوقية إسرائيلية، أهمها وأخطرها تقرير لـ “منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان”، نشر في الشهر الماضي، عن قتل أسرى غزة، وتنكيل مريع بهم داخل معتقلات في النقب تذكّر بغوانتنامو.

ويبدو أن شهوة الانتقام ومشاعر الإحباط حيال فشل إسرائيل بتحقيق أهداف الحرب والتغلب على “حماس”، رغم كونها فصيلاً محاصراً، قد تسبّبت بحالة عمى ونكران لهذه الجرائم التي يحاول الإسرائيليون تجاهلها، لكن العالم يراها عبر منتديات التواصل الاجتماعي بالأساس.

وأمام هذه الحالة، التي تتجلى الآن في موجة الغضب داخل الجامعات الأمريكية المنتفضة ضد إسرائيل، تواصل الأخيرة اللجوء لوسيلة اتهام المنتقدين بـ “اللاسامية”، والمطالبة مجدداً بعمل دبلوماسي ودعائي، ينتقل من الدفاع للهجوم، وسط تجنيد الحلفاء والجماعات اليهودية في العالم.

بيد أن إسرائيل، بعد 209 أيام، من حرب متوحّشة على غزة ترتكب فيها جرائم يومية بحق النساء والأطفال، باتت مبللة تماماً بسيل عالمي من التقريع والنبذ والاشمئزاز، ولذا فإن محاولاتها تحسين صورتها بعيون البشرية، من خلال حيل مختلفة، تبدو عقيمة، ولن يصلح عطارها ما أفسدته أيدي قادتها وجنودها، فما بالك وهي منذ سنوات قد صارت دولة يهودية متزمتة يشارك في قيادتها نواب ووزراء عنصريون متعصبون دينياً وسياساً، يدعو بعضهم لإبادة الفلسطينيين بقنبلة نووية، أو إلقاء غزة بالبحر، وبحرق حوارة، ودوما، بعد إحراق عائلة دوابشة وغيره، ناهيك عن جرائم الاستيطان والتهويد والقتل في الضفة الغربية، وملاحقة حتى فلسطينيي الداخل بشكل غير مسبوق، رغم كونهم مواطنين فيها.

فهل تدوم هذه الحالة التي تحولت فيها إسرائيل من دولة مدلّلة لدولة منبوذة بنظر المجتمعات الإنسانية، فيما تواصل الحكومات الاحتكام لمنظومة المصالح بدلاً من القيم في التعامل معها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى