“رمتني بدائها وانسلت”.. في معرض الرد على سموتريتش
بقلم : تيسير خالد*
تناقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية والمحلية أخبار اتفاق بوساطة أمريكية يسمح لإسرائيل بتحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية في اطار تسوية ابرمه ابرمها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع الجانب الفلسطيني تتضمن تقديم قائمة بأسماء مستحقي الرواتب من موظفي السلطة الوطنية في قطاع غزة اشترطت فيها إسرائيل مقابل الموافقة على ذلك الاطلاع على أسماء متلقي الرواتب في القطاع
وردًا على أنباء الاتفاق المذكور نشر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش فيديو تم تصويره للوزير المذكور بالقرب من مدينة رام الله ، أوضح فيه ما يلي : ” إذا كان هناك من يعتقد أننا سننقل شيكلًا للنازيين هنا ليحولوه إلى النازيين في غزة فهو لا يعرف أين يعيش. كل مساء تقام هنا مسيرات مؤيدة لحماس والمذبحة الإرهابية في 7 أكتوبر. مستوطنة بسغوت لن تكون بئيري وكفار سابا لن تكون كفار غزا. فرام الله تبعد 10 دقائق عن القدس ” .
لفت انتباهي أمران في حديث بتسلئيل سموتريتش ، الأول إصراره على مواصلة سياسة السطو اللصوصي على اموال المقاصة الفلسطينية ، وهي سياسة اعتمدها غيره من وزراء سابقين في وزارة المالية الاسرائيلية في عمليات ابتزاز سياسي يصعب ان تجد لها مثيلا في دولة أخرى غير اسرائيل باستثناء الولايات المتحدة الأميركية ، التي تسطو هي الاخرى على اموال دول ترفض الامتثال لمعاييرها في الموقف مما تسميه ممارسة او دعم ” الارهاب ” أو حتى ترفض الامتثال لمعاييرها في الموقف من ” نمط الحياة الأميركية وسياسة الهيمنة والبلطجة ” . أما الثاني فهو حكاية النازيين ليس فقط في قطاع غزة بل وفي الضفة الغربية كذلك ، فتبادر الى الذهن ، ذلك المثل العربي المعروف ” رمتني بدائها وانسلت “.
حكاية ” رمتني بدائها وانسلت ” هي حكاية رهم بنت الخزرج ، كانت رهم جميلة تثير غيرة ضرائرها وباقي الحكاية معروف ، أما وزير مالية بنيامين نتنياهو فقبيح ، وقبحه لا يثير غيرة أحد . فمن هو بتسلئيل سموتريتش هذا . لعله أحد أحفاد السبط الثالث عشر من أسباط اسطورة يعقوب ، يرجع في أصوله الى مدينة تقع على الحدود الروسية الرومانية، ويحيط بها نهر من كافة الجهات يسمى نهر سموتريتش ، وكان جده قاضيا في تلك المدينة، وصار يطلق على العائلة اسم تلك المدينة .
ولد بتسلئيل سموترتش في خسپين ، وهي مستوطنة دينية أقامتها دولة الاحتلال في مرتفعات الجولان المحتلة ، ونشأ في مستوطة بيت إيل بجوار مدينة البيره ويسكن الآن مع عائلته في بيت بناه في مخالفة صريحة حتى لقوانين البناء في المستوطنات ، هي مستوطنة قدوميم في محافظة قلقيلية في منتصف الطريق بين مدينتي نابلس وقلقيلية . كان والده حاخاماً أرثوذكسياً ، له مواقف تفيض في عنصريتها على سواها .
سموتريتش هذا ، هو احد مؤسسي منظمة رگاڤيم الارهابية وكان لفترة مديرها العام ، وهي منظمة تراقب وتتابع ما يسمى الإجراءات القانونية في نظام المحاكم الإسرائيلي ضد عمليات البناء ، التي يقوم بها الفلسطينيون من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل والمناطق المصنفة ( ج ) في الضفة الغربية دون تصاريح بناء إسرائيلية. وكان قبل ذلك أحد قادة حركة التمرد على خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة، حيث جرى اعتقاله خلال عملية الاخلاء في آب 2005 ، بعد العثور في بيته على 700 لتر من الوقود، بهدف القيام بأعمال تخريبية .
وصل إلى الكنيست لأول مرّة في انتخابات 2015 عن حزب ” تكوما – الاتحاد الوطني ” في قائمة ” البيت اليهودي ” اليميني المتطرف وواصل مسيرته البرلمانية في الانتخابات اللاحقة للكنيست وخاض الانتخابات الاخيرة في نوفمبر من العام 2022 على رأس تحالف ” الصهيونية الدينية ” مع ايتمار بن غفير ” وحاز على 14 مقعدا ، كانت كفيلة بأن يتولى حقيبة وزارة المالية فضلا عن وزير الاستيطان في وزارة الجيش ، فيما تولى زميله في الفاشية بن غفير حقيبة وزارة الأمن القومي .
لسموتريتش مواقف تنضح بالعنصرية البغيضة ، نسوق منها نماذج على سبيل المثال لا الحصر . فهو يؤيد التطهير العرقي للتخلص من الشعب الفلسطيني ، ومتهم بالتحريض على كراهية المواطنين العرب في دولة إسرائيل ، قال مخاطباً الأعضاء العرب في الكنيست في أكتوبر 2021، ” كان خطأً أن بن غوريون أنه لم يـُكمِل المهمة ولم يطردكم في 1948 ” . وهو مؤيد للفصل العنصري في اسوأ أشكاله وأكثرها انحطاطا ، ففي أبريل من العام 2016، غرد في مواقع التواصل الاجتماعي بأنه يدعم الفصل بين النساء العربيات واليهوديات في غرف الولادة بالمستشفيات : “من الطبيعي ألا ترغب زوجتي في الاستلقاء بجانب شخص أنجب للتو طفلًا قد يرغب في قتلها بعد 20 سنة . أما زوجته فأضافت بأن لحظة الولادة لحظة مقدسة وهي لا ترغب في تدنيس تلك اللحظة بجوار امرأة فلسطينية .
وفي موقفه من ارهاب المستوطنين في الضفة الغربية يقدم سموتريتش نفسه كنازي نموذجي . سئل ذات يوم عن موقفه من يهودي يقوم برمي زجاجة حارقة داخل بيت ويقتل عربًا (المقصود مجزرة دوما التي حرق فيها المستوطنون أسرة دوابشة ) هل هذا عمل إرهابي ؟ فأجاب بالنفي ، وسئل كذلك ، هل باروخ غولدشتاين ، الذي ارتكب مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف عام 1994 ، إرهابي ؟ فأجاب ، كلا ليس إرهابيًا ، وهل عامي بوبر – منفذ مجزرة عيون قارة – إرهابي ؟ فكان جوابه لا. إنه إنسان مؤمن،
” ليلة الكريستال ” في حواره في آذار 2023 تعكس هي الاخرى فاشية هذا الوزير ونازيته . كانت ليلة شبيهة بليلة كريستال ادولف هتلر ضد اليهود في برلين في التاسع من نوفمبر 1938 . فقد دعا سموتريتش في مؤتمر جريدة “ذي ماركر” الاقتصادية في آذار الماضي الى محو بلدة حوارة من الوجود ، وأن على دولة إسرائيل أن تفعل ذلك ، وسجل إعجابه على موقع تويتر بتغريدة نائب رئيس ما يسمى المجلس الإقليمي شومرون ، دافيد بن تسيون ، الذي كتب قبل ساعات قليلة من الجريمة : ” بلدة حوّارة يجب أن تُمحى اليوم من الوجود … ليس هناك مكان للرحمة ”.
هذا هو بتسلئيل سموتريتش ، يقرأ النازية قراءة عكسية ولا يجد ضيرا في ذلك . أما الجانب الاخر من المسألة فهي موقفه من أموال المقاصة ، التي تجبيها دولة الاحتلال بالوساطة من التجارة الفلسطينية ، وتقتطع مقابل ذلك 3 بالمئة من قيمة بضائعها . نسبة فائدة مجزية ، وشكل آخر من أشكال السطو اللصوصي على المال العام الفلسطيني ، سطو لصوصي وفق ” القانون ” نص عليه بروتوكول باريس الاقتصادي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عام 1994 .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في سياق السطو اللصوصي الاوسع على المال العام الفلسطيني هو مدى حاجتنا نحن الفلسطينيين الى التمسك بذلك الاتفاق . في البدء يجب التأكيد بأنه اتفاق سيء بكل المقاييس وينطوي على مخالفة فاضحة للقانون الدولي بكل ما تعنيه الكلمة . هو اتفاق إذا أطرناه سياسيا ، فإنه لا يخلو في أبعاده من مضامين الضم . فهو ينطلق اساسا من فكرة السوق الواحدة لدولة الاحتلال والبلد الواقع تحت الاحتلال من خلال غلاف جمركي واحد والى حد بعيد سياسة مالية ونقدية واحدة ، رغم التفاوت الهائل بين اقتصاد البلد المحتل والبلد الواقع تحت الاحتلال . مثل هذا ليس له شبيه في تاريخ الاحتلالات العسكرية ، سوى سياسة فرنسا في الجزائر قبل الاستقلال .
عيوب هذا البروتوكول كثيرة ، فهو وفقا لأحكامه يبقي المعاملات التجارية بين دولة الاحتلال والسلطة الوطنية في حالة عجز دائم ، وهو عجز يتراوح بين 3 – 3.5 مليار دولار سنويا ، يفتح الابواب واسعة للتهرب الضريبي من خلال إخفاء ما يمكن إخفاؤه من فواتير المقاصة وعدم الافصاح عنها او التلاعب بقيمتها وعدم تقديمها الى دائرة ضريبة القيمة المضافة للسلطة الفلسطينية ، يحدد كميات المياه المخصصة للفلسطينيين من مياهه الجوفية والسطحية ، والتي لم تعد تكفي اليوم حتى للشرب ، ناهيك عن المياه ، التي يحتاجها الفلسطينيون للتنمية الاقتصادية ، سواء في الزراعة أو في الصناعة ، أما عائدات الضرائب فهي صالحة لستة أشهر من تاريخ إصدار فواتيرها ، فبعد ذلك يسقط الحق القانوني في المطالبة بها فلسطينيا ، يحدد انواع السلع المستوردة في مختلف المجالات ، كالأغذية والمواد التموينية والمواد الصحية ومواد البناء والأجهزة الكهربائية والملابس والأحذية والجلود والمواد الخام وغيرها وهذه في جميع الحالات غير محفزة لنمو اقتصاد فلسطيني منفصل او مستقل عن الاقتصاد الاسرائيلي ، وهذا غيض من فيض تلك العيوب .
أما السطو اللصوصي على المال العام الفلسطيني فإنه يتجاوز حجب مخصصات الاسرى والشهداء والجرحى وحجب مخصصات رواتب العاملين في قطاع غزة ونفقات تشغيل الوزارات والإدارات الحكومية في الصحة والتعليم والكهرباء والمياه وغيرها ، لتطال ، حسب رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد اشتيه ” صافي الإقراض “، حيث تخصم سلطات الاحتلال مبالغ تقدر بعشرات ملايين الدولارات لصالح شركات إسرائيلية لها ديون على شركات فلسطينية والتسرب الضريبي واحتجاز ضريبة المغادرة عبر الجسور ، التي تضاعفت ثلاثة أضعاف على امتداد السنوات والتي تتجاوز قيمتها الاجمالية مجتمعة 1.1 مليار دولار ، كفيلة بحد ذاتها بسد العجز في الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية .
أمام هذا كله يقف الجانب الفلسطيني عاجزا عن الرد على باسلئيل سموتريتش ، الذي لا يخطو خطوة دون مباركة بنيامين نتنياهو وحكومته الفاشية ، ويعيد في كل مناسبة التأكيد على استمرار سياسة السطو اللصوصي تارة بحجة محاربة ” الارهاب ” وحديثا بحجة محاربة ” النازية ” ليس فقط في قطاع غزة بل وفي الضفة الغربية كذلك . هذا العجز يدفع الجانب الفلسطيني الى الاستجارة من الرمضاء بالنار ، يطلب المساعدة من الادارة الأميركية ، التي تقف بثبات خلف الموقف الاسرائيلي ، في الحد الأدنى من السطو على مخصصات الأسرى والشهداء والجرحى . هذا العجز أصبح عبئا ثقيلا على الاقتصاد الوطني وعلى المواطن والموظف الفلسطيني ، وهو عبء لا يحل عقدته غير الرد على هذه السياسة الاسرائيلية بوقف العمل ببروتوكول باريس الاقتصادي وفرض المقاطعة على جميع السلع الاسرائيلية ، التي لها بديل محلي او عربي أو أجنبي ، غير أميركي .
” نازية ” سموتريتش ليس لها حلول ، فمن العبث أن تخوض حوارا مع نازي جديد حول السمة الشيطانية للنازية ، أما السطو اللصوصي على المال العام الفلسطيني فحلوله في أيدينا ، وهي حلول فد تقلص أرباح تجارنا ، ولكنها لن تدفع بهم الى الافلاس ، وهي بالتأكيد لن تدفع المواطن الفلسطيني الى التضور من الجوع .
*قيادي فلسطيني