كي لا ننسى.. مرور 36 عاماً على الانتفاضة الأولى “انتفاضة الحجارة” المغدورة التي أجهضها إتفاق أوسلو المشؤوم

رام الله – يصادف يوم غد السبت، التاسع من كانون أول، الذكرى الـــ36 لاندلاع الانتفاضة الأولى “انتفاضة الحجارة”، التي فجرها الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي، لتكون بسنواتها السبع (1987-1994)، من أهم مراحل تاريخ نضالنا.

من جباليا انطلقت انتفاضة الحجارة، عقب استشهاد أربعة عمال على حاجز بيت حانون “ايريز” الاحتلالي عام 1987، بعد أن أقدم مستعمر على دعسهم بشاحنته، وهم: الشهيد طالب أبو زيد (46 عاما) من المغازي، والشهيد عصام حمودة (29 عاما) من جباليا البلد، والشهيد شعبان نبهان (26 عاما) من جباليا البلد، والشهيد علي اسماعيل (25 عاما) من المغازي.

وفي صباح اليوم التالي، عم الغضب مخيم جباليا، وانطلقت المظاهرات العفوية الغاضبة، التي تحولت إلى مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، أدت إلى استشهاد الشاب حاتم السيسي، ليكون أول شهيد في الانتفاضة المباركة.

متدحرجة من مخيم جباليا، إلى مخيم بلاطة، ونابلس، سارت الانتفاضة إلى مجدها وعلوها، فاستشهد في 10 كانون أول 1987، الطفل إبراهيم العكليك (17 عاما)، ولحقه في 11-12-1987 الشابة سهيلة الكعبي (19 عاما)، والطفل علي مساعد (12 عاما) من مخيم بلاطة، ثم قامت الانتفاضة، واشتعلت وازدهرت بمئات الشهداء، وعشرات آلاف الجرحى والأسرى.

واستمرت الانتفاضة سبع سنوات وهي تدور، في كل بيت، وعائلة، وقلم، ومنبر، وجدار، وشارع، وحارة، وحي، ومدينة، ومخيم، وقرية في الضفة، وغزة، والقدس المحتلة، وأراضي عام 1948، كما تقول الأغنية الثورية: “في كل قرية وبيت وحارة، انتفاضتنا تظل دوارة”.

وتشير معطيات مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى إلى استشهاد 1550 فلسطينيا خلال الانتفاضة، واعتقال 100-200 ألف فلسطيني خلالها، كما تشير معطيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى أن عدد جرحى الانتفاضة يزيد عن 70 ألف جريح، يعاني نحو 40% منهم من إعاقات دائمة، و65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف، بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف هامة.

كما كشفت إحصائية أعدتها مؤسسة التضامن الدولي، أن 40 فلسطينيا استشهدوا خلال الانتفاضة داخل السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية، بعد أن استخدم المحققون معهم أساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات.

وكان مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بيتسيلم) قد أصدر في الذكرى العاشرة للانتفاضة إحصائية بهذا الخصوص على النحو التالي: قتل 256 مستعمرا إسرائيليا، و127 عسكريا من قوات الاحتلال، وتم ترحيل 481 فلسطينيا من الأراضي المحتلة، وتعذيب عشرات الألوف من الفلسطينيين خلال استجوابهم، وإصدار 18000 أمر اعتقال إداري ضد فلسطينيين، وهدم 447 منزلا فلسطينيا (على الأقل) هدما كاملا كعقوبة، وإغلاق 294 منزلا (على الأقل) إغلاقا تاما كعقاب، كما جرى هدم 81 منزلا فلسطينيا (على الأقل) هدما كاملا خلال قيام جنود الاحتلال الإسرائيلي بعمليات البحث عن المطلوبين، وهدم 1800 منزل فلسطيني (على الأقل)، بحجة قيام أصحابها بالبناء دون ترخيص.

انتهت دون أن تستثمر سياسياً في سبيل “مشروع التحرير”

لقد جاءت الانتفاضة الأولى بعد سنوات من خروج قوة منظمة التحرير الفلسطينية، من لبنان، بعد الاجتياح عام 1982، والأزمات التي دخلت فيها الثورة الفلسطينية، لتنقلب على مشاريع إسرائيلية ودولية كانت تريد فرض “قيادات” على الشعب الفلسطيني، في الأرض المحتلة، على شكل ما سمي حينها “روابط القرى”.

كانت الانتفاضة تتويجاً لتراكمات من القهر والنضالات الواسعة، في مختلف القطاعات، وبعد المجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده.

انتهت الانتفاضة الأولى دون أن تستثمر سياسياً في سبيل “مشروع التحرير”، كما يرى باحثون ومؤرخون، وجاءت بعدها مرحلة “اتفاقيات التسوية” التي بدأت مع مفاوضات مدريد وما سبقها من اتصالات بين شخصيات من منظمة التحرير وأخرى في دولة الاحتلال الإسرائيلي، ثم تأسيس السلطة، والانقسام بين البرامج السياسية في الساحة الفلسطينية، وإعلان حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين حققتا قوة شعبية وسياسية وميدانية، خلال الانتفاضة، مع فصائل أخرى على رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رفضها لمسار السلام.

شكلت الانتفاضة الأولى فرصة للتيار الإسلامي لتثبيت وجوده، في المجتمع الفلسطيني، في غزة والضفة المحتلة، واكتسب منها قوة جماهيرية مكنته من البقاء على قيد الحياة ثم زيادة قوته، رغم التحديات الاستراتيجية التي قابلته خاصة مع تأسيس السلطة الفلسطينية.

الجيل القيادي من التيار الإسلامي الحاضر اليوم الذي بدأ مع انتفاضة الأقصى، مثل محمد الضيف ويحيى السنوار وغيرهم، راكم من قدرات متواضعة بناء تنظيمياً وعسكرياً كان قادراً مع فصائل المقاومة على إلحاق “هزيمة استراتيجية” بدولة الاحتلال، باعتراف القادة والضباط الإسرائيليين أنفسهم.

ومنحت الانتفاضة أيضاً بقية الفصائل جيلاً راكم تجارب على مستوى التنظيم والخبرات العسكرية، وبقي حتى انتفاضة الأقصى التي كان له دور قيادي فيها، ورغم حملة الاعتقالات والاغتيالات التي صممها رئيس حكومة الاحتلال السابق، أرئيل شارون، بحق الصف القيادي الأول في التنظيمات المقاومة، إلا أن شخصيات منه بقيَت حتى اللحظة على قيد الحياة وأشرفت على تطوير مشروع المقاومة حتى وصل إلى هذه المرحلة التي نعيشها في معركة “طوفان الأقصى”.

دفعت الانتفاضة الأولى قوة الاحتلال إلى اختيار الانسحاب من المدن والتجمعات السكنية الكبرى، في الضفة وغزة، ورغم مخططات الاحتلال لتطويقها بالتجمعات الاستيطانية، إلا أن هذه كانت فرصة لاستغلال المناطق الخلفية خاصة في القطاع، في مرحلة انتفاضة الأقصى، لتطوير التنظيم العسكري والإداري للمقاومة.

سنوات بداية التسعينات قبل قدوم السلطة شهدت ارتفاعاً في معدل العمليات المسلحة، ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، ورغم أن تأسيس السلطة الفلسطينية شكل تحدياً استراتيجياً لفصائل المقاومة خاصة الإسلامية منها، إلا أن المرحلة التالية شهدت انخراطاً من جانب عدد من كوادر وضباط الأجهزة في القتال مع الاحتلال.

هذا الجيل من المقاتلين الذين حمل بعضهم تجارب خارج فلسطين، وآخرين داخلها، ومنهم من اعتقل لسنوات، ساهم في تشكيل حالة دفعت الاحتلال إلى الانسحاب من غزة، وهي المرحلة الأولى التي يؤكد المختصون التي مهدت الطريق للمقاومة لتقوية تنظيمها وعتادها وقدراتها، رغم قسوة الحصار الذي طال كل تفاصيل الحياة في القطاع.

الجيل الذي بدأ حياته العسكرية في مواجهة قوة الاحتلال الإسرائيلي، من الحجارة والزجاجات الحارقة والأسلحة الخفيفة، صمم على تطوير مشروعه وصولاً إلى امتلاك مقذوفات صاروخية من أنواع مختلفة، ووحدات نخبة ومشاة، واستخبارات، وهو المشروع الذي يؤكد أصحابه أنه كان بفعل “المراكمة” و”التصميم”، حسب وصفهم، وحلم به آلاف الشهداء، وصولاً إلى “مشروع التحرير الكامل”، كما يقولون.

كانت انتفاضة الحجارة أولى الثورات في عهد الاحتلال الإسرائيلي، داخل الأرض المحتلة، التي تنطلق من الداخل عن طريق قوى ومؤسسات وتيارات شعبية، كان لها دعم في الخارج، إلا أن الثقل كان داخلياً، وشكلت الصدع الأول مع مشاريع الاحتلال لإدخال الفلسطينيين في مشاريع الحكم الذاتي الإسرائيلي، ورغم الانتكاسات اللاحقة والانقطاعات بين المراحل، إلا أن امتداداتها التاريخية والنفسية والسياسية بقيت حاضرة في الواقع النفسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى