فلسطين بين الربح والخسارة… الكل يمثًل؟
بقلم: حسني محلي
بعد كل ما ارتكبه من جرائم وحشية بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وبدعم أميركي مباشر، عاد الكيان الصهيوني بعد أسبوع من الهدنة المؤقتة إلى عدوانه الهمجي، وهذه المرة بضوء أخضر لامع من الأنظمة العربية والإسلامية التي أثبتت مرة أخرى تواطؤها التقليدي مع هذا الكيان.
ويفسر ذلك حضور رئيس هذا الكيان إسحاق هرتسوغ إلى دبي لحضور القمة العالمية للعمل المناخي، وبدعوة خاصة، وربما ملحّة من محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، عرّاب التطبيع والاستسلام مع هذا الكيان، بعد كل ما فعله في المنطقة خلال سنوات ما يسمّى بـ”الربيع العربي” ومعه حكام الأنظمة المعروفة، والذين راهنوا معاً على سقوط الرئيس الأسد ونهاية حزب الله.
ويفسر ذلك أيضاً مشاركة الرئيس المصري السيسي في هذه القمة التي صافح خلالها الأمير القطري تميم آل ثاني الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ، متجاهلاً كل ما قاله صديقه وحليفه الشخصي الرئيس إردوغان الذي وصف الكيان الصهيوني وحكامه بالإرهابيين والقتلة، وتجب ملاحقتهم في محكمة الجنايات الدولية.
ومع أننا لا ندري ما إذا سعى الشيخ تميم لجمع الرئيس إردوغان بهرتسوغ كما سبق له أن جمع إردوغان بالرئيس السيسي، لا بد لنا ان نذكّر باستقبال إردوغان لهرتسوغ في أنقرة في 9 آذار/مارس العام الماضي ليفتح بذلك صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، التي كادت أن تنتقل إلى مرحلة نوعية بعد لقاء إردوغان بنتنياهو في 20 أيلول /سبتمبر الماضي، وقبل أسبوعين من عملية “طوفان الأقصى”.
كما لا ندري ما إذا التقى إردوغان، ولو مصادفة، هرتسوغ وعدوّه اللدود السابق السيسي الذي كان عدواً في الوقت نفسه للشيخ تميم. ومن دون أن يمنعهما ذلك من العمل المشترك على خط الوساطة بين حماس والكيان الصهيوني في عملية تبادل الأسرى الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين.
والغريب أن أحداً من المشاركين في المؤتمر لم يحاسب هرتسوغ على ما ارتكبه كيانه الصهيوني من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تستنكر معظم شعوب العالم، ومعظم حكوماتها هذه الجرائم التي لم تحرك الأنظمة العربية والإسلامية ساكناً من أجلها.
وربما لهذا السبب تحدث الإعلام التركي عن تأجيل زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى تركيا، والتي كانت مقررة في 28 من الشهر الماضي، وقيل إن واشنطن والعديد من عواصم الحلف الأطلسي اعترضت عليها لتزامنها مع استعداد البرلمان التركي للمصادقة خلال هذا الأسبوع على موافقة الرئيس إردوغان على انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي مقابل وعود أميركية ببيع تركيا طائرات أف -16.
وترى الأوساط السياسية في تأجيل زيارة الرئيس رئيسي تكتيكاً من الرئيس إردوغان كي لا يظهر أمام الأنظمة العربية، وخاصة مصر والسعودية والأردن والإمارات وكأنه حليف سياسي وعسكري لإيران التي انسحب ممثلها وزير الطاقة علي أكبر محرابيان من قاعة مؤتمر المناخ استنكاراً لمشاركة رئيس الكيان فيه.
وهو ما لم يبال به الرئيس إردوغان الذي هدد هذا الكيان وتوعده واستنفر الإعلام الموالي له ضده، وأصبحت الأغلبية الساحقة من الشعب التركي بفضل هذا الإعلام معادية لـ”إسرائيل” والصهيونية، بل وحتى اليهود عموماً؛ بسبب مجازر الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
ومن دون أن تجد هذه الأغلبية الشعبية التركية أي تفسير منطقي لتناقضاتها إذ إن البعض منها يثمّن عالياً الدعم الإسرائيلي لأذربيجان في حرب كاراباخ الأخيرة، ولكنها لا تتذكر أن “إسرائيل” هذه حليف استراتيجي للقبارصة اليونانيين، العدو التقليدي والتاريخي والديني والقومي لتركيا والأتراك.
فقد وقّعت “تل أبيب” خلال السنوات القليلة الماضية على العديد من اتفاقيات التعاون العسكري مع نيقوسيا وأثينا، كما تجري مناورات مشتركة مع القبارصة اليونانيين الذين يسمحون لـ”إسرائيل” بالاستفادة التامة من القواعد البريطانية في قبرص، وتنقل الطائرات الأميركية والأطلسية منها الأسلحة إلى الكيان الصهيوني خلال العدوان على غزة.
ويتحدث الإعلام القبرصي التركي، بدوره، عن خطة إسرائيلية لإنشاء نظام دفاعي كالقبة الحديدية لمساعدة القبارصة اليونانيين للدفاع عن أنفسهم ضد أي خطر خارجي، وهو في هذه الحالة تركيا.
كما يتحدث هذا الإعلام عن شراء مواطني الكيان الصهيوني مساحات واسعة من الأراضي في الشمال التركي، بالإضافة إلى نشاط سري للموساد الإسرائيلي في الشطرين الجنوبي والشمالي حيث ميناء السفن السياحية “البوابة”.
وتقوم شركة إسرائيلية بتشغيل هذا الميناء مع التذكير بأحلام اليهود التاريخية في قبرص باعتبارها “بوابة الهروب الأخير” لليهود من فلسطين مع اقتراب زوال كيانهم.
ومن دون أن يكون واضحاً هل سيحالف الحظ الرئيس إردوغان لحل المشكلات مع رئيس الوزراء ميجوتاكيس الذي سيلتقيه في أثينا في الـ 7 من الشهر الجاري، وهو الذي قال في أيار/مايو العام الماضي ” بالنسبة لي، بعد الآن، ليس هناك شخص أعرفه اسمه ميجوتاكيس”. وتجاهل إردوغان، الأسبوع الماضي، استقبال حليفه الاستراتيجي الشيخ تميم لرئيس جمهورية قبرص (المعترف بها دولياً) نيكوس كريستودوليديس في الدوحة ووقّع معه على العديد من الاتفاقيات المهمة مع اهتمام قطري معروف بغاز قبرص و”إسرائيل” وغزة.
ومن دون أن تكون كل هذه التناقضات في مفاهيم السياسة الخارجية بالنسبة إلى تركيا والأتراك السمة الوحيدة في تكتيكات الرئيس إردوغان المعروف عنه علاقاته الشخصية الوطيدة برئيس هنغاريا فيكتور آوربان الذي اتخذ موقفاً واضحاً وعلنياً لدعم الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة.
وهذه هي حال الرئيس الأذربيجاني إلهام عالييف الذي لولا بتروله الذي يبيعه للكيان الصهيوني بأسعار تفضيلية لما استطاع “الجيش” الصهيوني أن يهاجم غزة طوال الفترة الماضية.
في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن المتناقض في سياساته في المنطقة ليس هو الرئيس إردوغان فقط بل معظم إن لم نقل جميع حكام الأنظمة الموالية لواشنطن. وإلا ما هي القواسم المشتركة التي جمعت السيسي بعدوّه اللدود حتى العام الماضي الشيخ تميم، وكيف أقنعا قيادات حماس للقبول بالهدنة المؤقتة بدلاً من اتخاذ خطوة عملية لمنع الكيان الصهيوني من عدوانه على غزة. فوقفا ومن معهما موقف المتفرج ومن دون أي وجدان وضمير على ما عانى منه الشعب الفلسطيني على يد عصابات الإجرام الصهيونية في غزة والضفة الغربية.
فلا حياة فيهم لمن ينادي وكأنهم جميعاً في واد والشعب الفلسطيني العظيم في واد آخر، وإلا لماذا يستنفر حكام الإمارات كل إمكانياتهم من أجل هذا المؤتمر، ولماذا يشارك الحكام في مسرحية المضحك المبكي ما دامت “الأجندة الخضراء لا معنى لها في ظروف المواجهات الساخنة التي تتطلب وتفترض احترام سيادة الدول والعدالة للشعوب” على حد قول رئيس بلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو الذي شارك في المؤتمر، وربما بتشجيع من الرئيس بوتين.
في الوقت الذي تجاهل فيه الجميع ولا سيما العرب منهم ما عانى ويعاني منه الشعب الفلسطيني وكأنهم صم بكم لا يفقهون ولا يسمعون حرائر فلسطين وأطفالهن وهم يصرخون “وا معتصماه”!