قمّة طارئة بعد 36 يوما من العدوان.. يا حكّام العرب، ألا تبّت أياديكم

بقلم: عبد الكريم بنحميدة*

 

نشأنا منذ الصغر على مسلّمات أهمّها أنّ الصراع مع الصهاينة صراع عربيّ صهيونيّ. وكنّا ندرك بعدما راكمناه من خبرات أنّ الصراع قد يتّخذ أشكالا متعدّدة، وأنّ حالة الوهن التي يعيشها العرب ليست مبرّرا للتخلّي عن اللاءات التي رُفعت في قمّة الخرطوم بعد أقلّ من شهرين على نكسة 1967. وكنّا ندرك على وجه اليقين أنّ مؤسّسة القمّة العربيّة لم تكن فاعلة إلى درجة تتيح لها تحرير الأرض، إلاّ أنّها كانت تعبّر إلى حدّ ما عن جانب من طموحات الشعب العربيّ لأنّ بعض القادة العرب كان لهم من المصداقيّة والوطنيّة ما يسمح للعرب بالتفاؤل، كما كان لهم ما يُلجم قادة آخرين عن الإفصاح عن نواياهم ويدفعهم إلى التستّر على خياناتهم وعمالتهم.
بعد اتّفاقيّة كامب ديفيد (مارس 1979) ثمّ تدمير العراق ( يناير- فبراير1991) ومؤتمر مدريد (أواخر أكتوبر 1991) تحوّل الصراع العربيّ الصهيونيّ إلى نزاع فلسطينيّ “إسرائيليّ” بكلّ ما يعنيه هذا التحوّل المصطلحي من تحوّل في الدلالة بحيث نفض العرب أيديهم من عبء الصراع وتركوا الفلسطينيّين لوحدهم في أتون المعركة واكتفوا بدور الوسيط الذي يدعو إلى “التهدئة ووقف العنف وضبط النفس”.
الآن أصبحنا نسمع من وسائل إعلامهم مفردات جديدة على غرار: النزاع الغزّاويّ “الإسرائيليّ” أو النزاع الحمساويّ “الإسرائيليّ”!!!
يا حكّام العرب.. ألا تبّت أياديكم..
بعد أسبوع واحد من غزو العراق للكويت هرعتم تنفيذا لأوامر أسيادكم لعقد قمّة عربيّة في القاهرة رغم حجم الخلافات واتّساع الشرخ في المواقف العربيّة ممّا حدث حينها. لكنّكم أصررتم على عقد القمّة وحرصتم في البيان الختاميّ على التذكير بأنّ قرارات القمّة جاءت استنادا إلى أحكام ميثاق جامعة الدول العربيّة ومعاهدة الدفاع المشترك. هذه الاتّفاقيّة التي تعاميتم عنها عندما قام الصهاينة بغزو لبنان في صائفة 1982، وعندما حاصروا العاصمة بيروت وظللتم تستجدون وقفا لإطلاق النار وإفراجا عن مياه الشرب:
يبذل الرؤساء جهدا عند أمريكا
لتفرج عن مياه الشرب
كيف سنغسل الموتى إذن؟
هذا ما كتبه الشاعر الفلسطينيّ محمود درويش سنة 1982 في قصيدته الشهيرة (مديح الظلّ العالي). ونحن نرى أنّنا بعد ما يزيد عن 40 عاما ما زلنا عالقين في نفس المطالب أو تدحرجنا دونها: هدنة إنسانيّة، ممرّات آمنة، ماء.. وغذاء.. ودواء.. وانتهى الغزو الصهيوني بخروج القيادة الفلسطينيّة وقوّات المقاومة من بيروت في أواخر أغسطس 1982، وما تلا ذلك من مجازر صبرا وشاتيلا بعد أقلّ من شهر على ذلك الخروج العاصف. وبعد أن اطمأنّ العرب إلى تأمين حدود “إسرائيل” تنادوا إلى عقد قمّة طارئة في فاس المغربيّة طرحوا فيها مبادرة الملك فهد بن عبد العزيز للسلام مع الصهاينة.
يا حكّام العرب.. ألا تبّت أياديكم..
في الألفيّة الثالثة استأنف الحكّام العرب مسلسل السقوط إلى القاع، تآمروا على العراق، فتفانوا بكلّ عزم وإخلاص لتطبيق الحصار الظالم على شعب العراق العظيم، ومكّنوا قوى البغي والعدوان من القواعد العسكريّة والأراضي التي انطلقت منها طائراتهم ودبّاباتهم، وانتهى الأمر بإسقاط النظام الوطنيّ في بغداد. ثمّ اتّجهوا إلى ليبيا فعلّقوا عضويّتها في الجامعة العربيّة، ثمّ طلبوا من مجلس الأمن فرض منطقة حظر جويّ كانت مقدّمة أساسيّة لحملة جويّة أطلسيّة استمرّت حوالي سبعة أشهر وانتهت بإسقاط النظام الوطنيّ في طرابلس (أكتوبر 2011).
انفردت الأنظمة الملكيّة في الخليج بالقرار العربيّ، وأصبحت جامعة الدول العربيّة رهينة إرادة أنظمة أثبتت في كلّ المحطّات تآمرها وتواطؤها على العروبة.. أرضا وشعبا ومصالح وقضايا…
هل وطن تحكمه الأفخاذ الملكيّة ؟
هذا وطن أم مبغى ؟
ما الذي ننتظره من هذه القمّة التي لا يخجلون من نعتها بالطارئة؟ طارئة بعد 36 يوما من بدء معركة طوفان الأقصى الخالدة؟ أكيد أنّ المقاومة الشريفة لا تنتظر شيئا من هذه القمّة. ولكن يبدو أنّ حكّام العرب حين أقرّوا تاريخ 11 نوفمبر موعدا لهذه القمّة كانوا يتوقّعون أن يكسر التفوّق الجوّي الصهيوني ظهر المقاومة، وتطحن آلتهم العسكريّة عظام المقاومين. كانوا فيما يبدو يتهيّؤون للاحتفال بهزيمة المقاومة مثلما فعلوا في قمّة فاس. لكنّ كتائب القسّام وسرايا الجهاد سفّهت أحلامهم وعصفت بها حين صمدت كلّ هذه المدّة وكبّدت العدوّ خسائر بشريّة ومادّيّة لم يكن يتوقّعها أحد.
إنّ الانتصارات التي تحقّقها المقاومة كلّ يوم على أرض غزّة الصامدة الصابرة أشبه ما تكون بكابوس يقضّ مضاجع حكّام العرب قبل بني صهيون. وإذن فأقصى ما يمكن أن يدعوا إليه هو السماح بإدخال بعض المساعدات الطبيّة والغذائيّة بعد أن ضمنوا حرّيّة تدفّق الأكفان إلى غزّة!!!
يا حكّام العرب.. ألا تبّت أياديكم..
كان أقلّ عهرا وبذاءة أن تدعوا غزّة لأهلها المقاومين الصابرين الشرفاء، وكان أقلّ خسّة ونذالة أن تتركوا الرجال يسطّرون ملاحمهم ويديرون معركتهم بعيدا عن غدركم وتآمركم:
خلّوها دامية في الشمس بلا قابلة
ستشدّ ضفائرها وتقيء الحمل عليكم
ستقيء الحمل على عزّتكم
ستقيء الحمل على أصوات إذاعتكم
ستقيء الحمل عليكم بيتا بيتا
وستغرز أصبعها في أعينكم
إلى فصائل المقاومة التي تكتفي بالمناوشات رفعا للعتب: العدوّ تجاوز كلّ الخطوط الحمراء.. نرجو ألاّ يصاب أحد بعمى الألوان.

*كاتب من تونس
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى