مساحة تاريخية.. غزة مع التاريخ
بقلم: خليل البخاري/ المغرب*

لن ينسى التاريخ أبدا قطاع غزة المحاصر والمظلوم بجراح بني صهيون والمقاوم بمفرده، ارتبط اسمه لحادث متميزة وهي طوفان الأقصى. فجميع وسائل الإعلام في العالم تتناول ما يقع في قطاع غزة التي تردد اسمها ليذكر العالم بالقضية الفلسطينية، بعد أن حاولت إسرائيل وحلفاؤها طمس هويتها واجتثاث شعب غزة .
لقد استطاع أبناء غزة كتابة التاريخ بمداد العز والإفتخار والتخطيط لاستراتيجية مدروسة في 7اكتوبر : طوفان الأقصى. كما استطاع أبناء غزة وفصائلها المجاهدة والمقاتلة من مواجهة إسرائيل المساندة من طرف واشنطن وحلفائها والتي لا توافق على حل الدولتين ووقف إطلاق النار وتمكين الشعب الفلسطينى من تأسيس دولة مستقلة على مجاله الترابي. وبهذا السلوك الأمريكي المعني، تكون واشنطن قد نسفت القرارات الشرعية الدولية المتحدة من قبل مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة والعودة بالفلسطينيين إلى المربع المشحون بالعنف والمخاطر وسفك الدماء والإبادة الجماعية.
إن الولايات المتحدة الأمريكية بممارساتها وآنحيازها الكامل لإسرائيل سيدفع المنطقة دون شك إلى أسوأ المخاطر وسيحولها إلى بؤرة صراعات خطيرة . كما أن إسرائيل تعمل على تهجير الشعب الفلسطيني خارج مجاله الترابي ومصادر ما تبقى من أراضيه لان شعارات إسرائيل دوما ومشاريعها المستقبلية هي قصم الأراضي الاردنية والعراقية والمصريه والسورية ماعدا الجولان المحتل أصلا منذ 1967 . وشعار إسرائيل من النيل إلى الفرات حقيقة تاريخية ستدركها الأجيال القادمة. فإسرائيل مستمرة في آجتثات الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته العمرية من الأرض والجغرافيا وقلع الجذور الفلسطينية من باطن الأرض وقتل روح المقاومة والحياة ومحاولة خرائط القيم الثقافية الإنسانية.
إن فلسطين صارت مجزرة بالخلافات بين أهل قضيتها المشروعة ومظلومة من اولاد العم. وهنا استحضر مقولة الشهيد غسان كنفاني: إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية علينا تغيير المدافعين لا القضية . فما يحدث الآن في قطاع غزة بالتحديد سوف يسجله التاريخ فالشعب الفلسطيني يقاتل بوحده والكل يتفرج. وإسرائيل مستمرة في إبادتها الجماعية الوحشية غير معترفة بقرارات هيئة الأمم المتحدة وباقي المنظمات الإنسانية. فالإسرائيلي منذ سنوات ولد، وهو عدو للأمم المتحدة . فكل قرار تراه معاديا لها ولسياساتها ترفضه ودعمها الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها تتمتع بحق الفيتو..
إن السنوات تمضي وإسرائيل ماضية في قضم متواصل للأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات وحولت الضفة الغربية إلى قطعة مليئة بالثقوب والفراغات وتمنع قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا. كما أن إسرائيل لم تكتف بذلك بل ضمت القدس وآعتبرتها عاصمتها الأبدية بتزكية من واشنطن .
إن الأفق يبدو مسدودا لكن استيعاب الأطراف المختلفة دروس الماضي يمكن أن ينير الجميع بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 ، تحتاج إسرائيل بداية جديدة وقيادة تدرك أن رمي القضية الفلسطينية في سلة المهملات لم يعد ممكنا. كما ان الفلسطينيين مطالبون بتوحيد قياداتهم وإنهاء خلافاتهم وانقساماتهم. إن مشروع الإحتلال الصهيوني “دولة إسرائيل” مريض بثلاثة أمراض باتت مزمنة أولاها صعود التطرف الديني الذي بات يسيطر على مفاصل الدولة ويأخذها بعيدا لحلم إسرائيل الكبرى ، ثانيه خطر وجود الحركات الجهادية، وثالثها خطر النمو الديمغرافي العربي داخل حدود الدولة.
وفي غياب الدعم العربي، بادرت بعض الدول إلى استدعاء سفرائها، نذكر من بينها بوليفيا بأمريكا اللاتينية وهي تبعد عن غزة الفلسطينية ب 12.119 كلم ، قطعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني الغاشم وهذا يدفع بقوة للمقارنة بين أحوال البلدان العربية التي ينتمي إليها الفلسطينيون وتلك الدول الأمريكية اللاتينية كالمكسبك والبرازيل وبوليفيا…فحكومات البلدان العربية تتناقض مع مصالح شعوبها وهو ما يجعل بوليفيا حسب قرارها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي، أقرب إلى الفلسطينيين من حكومات العرب التي تكتفي بالإدانات والحديث عن ضرورة وقف التصعيد والبحث عن تسوية وإصدار بيانات جوفاء خجولة، كما أن الموقف الأمريكي ومعه مواقف الدول الغربية لم يكن مفاجئا للشعوب العربية التي كانت تلمس الإنحياز الغربي الكامل للإحتلال.
وصفوة القول، إذا استمر الوضع على حاله وترك الأمر لإسرائيل وحدها سيقضي على فكرة الدولة الفلسطينية، وآستمرار أمريكا في نفس نهجها القائم على مجرد قيام ” دولة والسلام'” اي دولة إسرائيل فقط ، لن يؤدي لتسوية عادلة ومنصفة . ومن شأنه تكرار هجمات 7 أكتوبر “طوفان الأقصى” ولكن بشكل أعنف..لان الشعب محروم من المساعدات الإنسانية وحقوقه المشروعة تاريخية. فأين المجتمع الدولي من كل ما يجري في غزة ؟ أين احترام الأنسان الفلسطيني وروحه وكرامته؟ لقد حول الصهاينة غزة إلى سجن كبير، تحيط به رائحة الموت من كل ناحية. فهل يصحو العالم؟ وما الذي ستقوم به الصين وروسيا مقابل الحضور الامريكي الاوروبي؟
*أستاذ مادة التاريخ