إضاءة تاريخية…حول عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة
بقلم: خليل البخاري/ المغرب*

مباشرة بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، اجتمع الأربعة الكبار وهم: ولسن ، تشرشل، اورلاندو وكليمنصو بقصر فرساي بباريس سنة 1919.وانتهى هذا المؤتمر إلى توقيع معاهدة فرساي القاسية على ألمانيا. وتنص على عدة أحكام تتعلق بعالم ما بعد الحرب العالمية الأولى واهمها إنشاء عصبة الأمم باقتراح من الرئيس الامريكي ولسن صاحب المبادئ الاربعة عشر ثم محكمة العدل الدولية الدائمة.
كما عرفت الخريطة السياسية لاوربا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى تغيرات مهمة نتيجة لمؤتمر فرساي بباريس أهمها خسارة الامبراطورية العثمانية لجميع أراضيها في أوربا وخسارة ألمانيا لجميع مستعمراتها في أفريقيا، ونشوء بعض الدول المستقلة الجديدة مثل: بولونيا، تشيكوسلوفاكيا، ودول البلطيق وهي ليتونيا،لتوانيا واستونيا…وانفصلت المجر عن النمسا وايرلندة عن بريطانيا. واستكملت إيطاليا وحدتها الثرابية بٱسترجاع منطقة البندقية وتريستيا من النمسا التي خرجت مغلوبة من الحرب العالمية الأولى اضافة الى هذه التغيرات، سقوط النظام القيصري المستبد في روسيا بثورة أكتوبر 1917, يظهر لنا أن أحداث الحرب العالمية الأولى، قد قلبت الميزان الأوربي رأسا على عقب, وخلقت نوعا من التغيرات الجغرافية التي كانت السبب الاول في نشوب الخرب العالمية الثانية بعد عشرين سنة من معاهدة فرساي.
وهكذا فشلت واخفقت عصبة الأمم ولم تستطع ان تقف في وجه تدهور الاوضاع الدولية، واندفاع العالم الى الارتماء في أتون الحرب العالمية الثانية لأن عصبة الأمم كانت ضعيفة ولا تتوفر على قوة عسكرية.
لقد حاولت عصبة الأمم ان توفق بين ثلاث مصالح متعارضة ومتضاربة وهي: مراعاة مصالح الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.. ومراعاة الرغبات القومية والحفاظ على التوازن الدولي.
وبخصوص الانجازات التي حققتها عصبة الأمم فابرزها: تطبيق مبدأ مساواة الدول بشكل فعلي وذلك بقبولها في عضويتها بعض الدول الافريقية كمصر وليبيا واثيوبيا، والاسيوية كاليابان والصين وايران والعراق..ومن انجازات عصبة الأمم كذلك تطبيق نظام الانتداب بنجاح في بعض الأراضي التي انفصلت عن الامبراطورية العثمانية وهي سوريا، لبنان، العراق والأردن.. لكن نظام الانتداب الدولي انتهى إلى فشل كامل وأدى الى خلق بؤرة للحروب والثورات في مناطق مختلفة مثل الانتداب البريطاني على فلسطين اضافة إلى كون عصبة الأمم وضعت مشروعا لنزع السلاح..
لكن هذه الإنجازات جميعها لن يقدر لها ان تعطي أفضل النتائج لتوالي الأزمات الدولية بعد سنة 1933 وفشل عصبة الأمم في الوقوف ضد توسعات الأنظمة الشمولية في ايطاليا، ألمانيا واليابان..موقفها السلبي من مؤتمر ميونيخ 1938 الذي اعطى الضوء الاخضر لتوسع هتلر بالاراضي التشيكو سلوفاكية كاملة. وهذا ما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية 1939.
ومنذ 1941 بدأ الحلفاء بالتفكير في تنظيم المجتمع الدولي على أسس جديدة وإنشاء منظمة دولية أقوى فعالية من عصبة الأمم. ولهذا الغرض، دعت الولايات المتحدة الأمريكية جميع الدول الحليفة والصديقة والمحايدة الى عقد اجتماع بمدينة سان فرانسيسكو، حضره ممثلون لواحد وخمسين دولة. وقد وضع هؤلاء ميثاقا لمنظمة دولية جديدة تحت اسم: هيئة الأمم المتحدة.
واذا أردنا معرفة مقدار التطور الذي مرت به هيئة الأمم المتحدة، فيكفي ان نعدد الاوضاع الدولية التي كانت سابقاً مشروعة في فترة عصبة الأمم وزالت في العصر الحاضر مثل: زوال فكرة المعاهدات غير المتكافئة، تحريم الاستيلاء على الاراضي بالقوة وزوال الأوضاع الإستعمارية.
لكن هيئة الأمم المتحدة ينتظر منها ان تكون فعالة في تدخلاتها وان تقوم بمهام رئيسية كالحيلولة دون اندلاع الحرب العالمية الثالثة وانهاء الاوضاع التي خلفها الإستعمار كما هو الحال للقضية الفلسطينية وإقرار نظام اقتصادي عالمي جديد وعادل.
لكن السؤال المطروح: ماذا تبقى لهيئة الأمم المتحدة ولمجلس الامن وكافة المؤسسات التي تفرعت عنها؟ ألم توجه لها الحرب الروسية على اوكرانيا ضربة قاسية طرحت كثيرا من علامات التساؤل بعدما هدد بوتين باستعمال السلاح الذري على اوكرانيا .
ان هيئة الأمم المتحدة بدورها لا زالت عاجزة عن توفير السلم العالمي في عديد من مناطق العالم. وخير دليل هو ما يقع حاليا بالمدن الأوكرانية وبفلسطين المحتلة حيث يتعرض الشعب الفلسطينى وخاصة بقطاع غزة المحاصرة والتي يتعرض سكانها لحرب إبادة جماعية والتنكيل به. كما يتعرض المسجد الاقصى والمقدسات الإسلامية لخطر حقيقي ولمحاولات التهويد وطمس معالمها في غياب شبه تام لهيئة الأمم المتحدة والدول العظمى التي اختارت الصمت المقصود.ولازالت إسرائيل وواشنطن مستمرين في نسف القرارات الشرعية الدولية المتحدة من قبل هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. كل ذلك سيدفع بالمنطقة بدون شك إلى اسوء المخاطر وسيحولها إلى بؤرة صراعات كثيرة وخطيرة.
*أستاذ مادة التاريخ.