مؤشرات الحرب الإقليمية بين الشبق الصهيوني والضبط الأمريكي

بقلم: توفيق المديني

من التداعيات الإيجابية للحرب الدائرة بين المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عزالدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس،والكيان الصهيوني ،أنَّها أعَادَتْ الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية التي تُوَحِّدُ كل الشعوب العربية والإسلامية ،وأحْيَتْ الحراك الشعبي للشارع العربي والرأي العام العالمي من خلال المظاهرت التي سَادَتْ معظم العواصم العربية والإسلامية و الغربية ، مُنَدِّدَةً بالمجازر الاسرائيلية فى مشهد لم نعتده منذ عام 2005.
كما أَحْرَقَ هجوم حماس “طوفان الأقصى ” صفقة المخطط الأمريكي الصهيوني لإعادة تشكيل الشرق الاوسط ، إِذْ إِنَّ هذه الصفقة التي نُوقِشَتْ بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة كانت ستترك الفلسطينيين في البرد -(أي تهملهم ولا تمنحهم أي شيء)، وبالتالي سَتُسْهِمُ في تصفيةِ القضيةِ الفلسطينيةِ، لا سيما أنَّ شركاء نتنياهو في الائتلاف اليمين الفاشي يعارضون حلَّ الدولتين للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي ، ويُفَضِّلُونَ ضَمَّ الضفة الغربية بأكملها،ويُرِيدُونَ تحويلَ الكيان الصهيوني إلى دولةِ فصلٍ عنصريٍّ، وهو الأمر الذي طالما ادعى النقاد أنَّه هدف “إسرائيل”.
في سؤال جامع أصبح مطروحًا عربيًا وعالميًا: هل يمكن لإسرائيل الدخول في حرب برِّية لتصفية حماس في غزة والانتقام من الشعب الفلسطيني ومقاومته ، وبالتالي تحسين صورتها؟وإذا كان الأمر كذلك، فما هو سيناريو الحرب الإقليمية؟
إمكانية أن تشعل الحرب الحالية انتفاضة فلسطينية ثالثة
قبل العملية الحربية لحركة حماس يوم 7تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان الوضع في الضفة الغربية قابلاً للاشتعال،في ضوء تزايد غضب سكان الضفة الغربية من توسيع المستوطنات الصهيونية، والمذابح التي يرتكبها المستوطنون الصهاينة ضد الفلسطينيين، إذْ ظهر لكل المتابعين أنَّ هذا العام2023 ، كان في حدِّ ذاته الأكثر دمويةً منذ سنواتٍ، إضافة إلى الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى من قبل المستوطنين الصهاينة.
عقب العدوان الصهيوني الذي استهدف مستشفى المعمداني في 14 تشرين الأول/ أكتوبر2023، اندلعت مظاهراتٍ عنيفةٍ في جنين ونابلس ورام الله وطوباس والمدن الكبرى الأخرى في الضفة الغربية. وأعلن الفلسطينيون أيضًا إضرابًا عامًا للعمال في جميع أنحاء المنطقة، وبدأ المستوطنون االصهاينة المتطرفون بشنِّ هجماتٍ انتقاميةٍ. واستشهد أكثر من 90 فلسطينيا ، وأصيب أكثر من ألف في الضفة الغربية، على يد قوات الاحتلال والمستوطنين، منذ عملية طوفان الأقصى قبل نحو أسبوعين.ويعيش في الضفة الغربية حوالي 700ألف مستوطن،وهم يمثلون جيشًا رديفًا للاحتلال الصهيوني ، ويمارسون القتل ضد الفلسطينيين، ويقتحمون بانتظام المسجد الأقصى، ويحرقون أشجار الزيتون، ويتمتعون بالحصانة المطلقة من العقاب،وهم مدعومون من قبل الجيش الصهيوني وقوات الشرطة الإسرائيلية.
وكان خطاب رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي ، يزيد إشعال الأوضاع حينما قال إنَّه يروج للضم “التدريجي” للضفة الغربية، وقد رفع خريطة ل”إسرائيل” تضم الضفة الغربية وقطاع غزة كجزءٍ من البلاد. فقد استغل نتننياهو حالة “التطبيع” الإقليمي ، الذي أصبح الكلمة الطنانة بعد أن وقع الكيان الصهيوني اتفاقيات سلام مع البحرين والمغرب والسودان والإمارات.
فقد أسهمتْ عملية “طوفان القدس” بقيادة حماس، في تراجع سياسية التطبيع مع الدول العربية ، إِذْ ذكرتْ صحيفة نيويورك تايمز أنَّ احتمالات التطبيع الإسرائيلي والسعودي تبدو باهتة، نقلا عن تصريح السعودية بأنَّ البلاد حذرتْ مرارًا وتكرارًا “من مخاطر انفجار الوضع نتيجة استمرار الاحتلال، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته”.
وتشير كل الدلائل أنَّ فرص اندلاع انتفاضة ثالثة أصبحت أقوى مما كانت عليه منذ سنوات،وهي النتيجة المنطقية لتداعيات حرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث يستهدف العدو الصهيوني تهجير سكانه من جديد ،وإلقائهم في صحراء سيناء،في الوقت الذي تحولت فيه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بقيادة محمود عباس إلى جهازٍ قمعيٍّ ضدَّ المقاومة الفلسطينية.
فقد تولى محمود عباس قيادة السلطة الفلسطينية في أعقاب وفاة الزعيم الفلسطيني ياسرعرفات في عام 2004 ،وحدث هذا التحول خلال الانتفاضة الثانية، التي اندلعتْ في الفترة من 2000 إلى 2005 ثم تلاشت ببطء. لقد رأى عرفات في حركة حماس سلاحًا يمكن استخدامه ضدَّ “إسرائيل”، حيث يمنح المنظمة مساحة للعمل عندما يريد الضغط على تل أبيب، لكنَّه يكبح جماحها عندما يريد تهدئة الوضع. كان يعتقد أنَّه يستطيع سحقها متى شاء.
ولكنَّ حماس سرعان ما أصبحتْ أقوى من أن يمكن السيطرة عليها. وقد اكتسبتْ الحركات الجهادية المسلحة في فلسطين المحتلة مصداقيةً كبيرةً بسبب هجماتها المتكرِّرَةِ على المستوطنين خلال الانتفاضة الثانية،لا سيما في مخيم جنين بالضفة الغربية،وقطاع غزة، حيث استسلمت السلطة الفلسطينية للفساد والاقتتال الداخلي. وكان عباس يفتقر إلى الكاريزما التي يتمتع بها عرفات والشرعية الثورية، كما أدى صعوده إلى إضعاف شعبية السلطة الفلسطينية. وأصبحت حماس بدورها منافسا قويا لحكم عباس.
ومع تحول السلطة الفلسطينية بقيادة عباس إلى جهازٍ أمنيٍّ في خدمة الاحتلال الصهيوني ، وأصبح لدى الشعب الفلسطيني القناعة التامة أنَّ العيش على أوهام التسوية لإقامة دولة فلسطينية، والتخلي عن مقاومة العدو الصهيوني ،سيقابلها الكيان الصهيوني بالمزيد من العنف والاحتلال والضم البطيء للضفة الغربية، انْتَهَجَتْ الحركات الجهادية في فلسطين المحتلة خيار الكفاح المسلح ،الذي أجبر مجرم الحرب الصهيوني آرييل شارون على سحب الجيش الصهيوني من قطاع غزة في عام 2005. ونتيجة لهذا فقد تَمَكَّنَتْ حماس من ادعاء الفضل في ذلك. إنَّ الاحترام الذي اكتسبته حماس بسبب مقاومتها وسجلها ساعدها على الفوز بالانتخابات في غزة في عام 2006، ثم الاستيلاء على السلطة في عام 2007، بعد صدام مع السلطة الفلسطينية.
ومنذ ذلك الحين، حكمتْ حماس غزة، على الرغم من أنَّ إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى لا تعترف بها كحكومة. وكانت السلطة الفلسطينية تنظر إلى حماس كمنافس لها، بينما رأت إسرائيل فيها عدوًا، وتعاونتا [السلطة وإسرائيل] بشكل متكرر ضد حماس. ونظرًا لجذور حماس العميقة في غزة، فإنَّ الضغوط الاقتصادية الإسرائيلية والحملات العسكرية المنتظمة – وإن كانت محدودة – لم تنجحْ في زعزعة قبضتها على السلطة. وبدا الأمر وكأنَّ الوضع الراهن غير المستقر هو السائد: السلطة الفلسطينية تحكم الضفة الغربية، وحماس تحكم غزة. كان كل طرف ينظر إلى الآخر بعين الشك، لكن لم يتمكن أي منهما من الحلول محل الآخر.
لقد عرَّتْ حرب الإبادة الي يخوضها جيش الاحتلال الصهيوني سلطة محمود عباس من كل شرعية سوى شرعية خدمة الكيان الصهيوني،وأظهرتْ عملية “طوفان الأقصى” تراجع منظمة التحرير الفلسطينية وصعود حماس كمركز القوة الرئيسي في السياسة الفلسطينية على الصعيدين الإقليمي و الدولي. . فالعديد من الفلسطينيين يعتبرون سلطة عباس وكيلاً للاحتلال الإسرائيلي. وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون تحت الاحتلال في الضفة الغربية، لم يبق لهم من خيار سوى تفجير انتفاضة ثالثة، تشكل جبهةً جديدةً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ، التي تمنع العدو الصهيوني من شنِّ حربٍ برِّيةٍ كبيرةٍ في قطاع غزة و المنطقة.
تفجير حزب الله الحرب في شمال فلسطين
يشكل الهجوم البرِّي الذي تمهد له “إسرائيل” لإعادة احتلال غزة ، العامل الرئيس الذي سيجعل حزب الله اللبناني الذي يمتلك قوة عسكرية كبيرة إشعال الجبهة الشمالية والدخول في حالة حربٍ مع العدو الصهيوني،على غرار مع حصل في حرب تموز 2006،لا سيما وأنَّ حزب الله يدعم بقوة حركتي حماس و الجهاد الإسلامي. رغم أنَّ الهجوم البرِّي الإسرائيلي على قطاع غزة يحمل في طياته خطرين: يعرض الإسرائيليين الأسرى للخطر، ويزيد من احتمالات نشوب حرب متعددة الساحات، ومع ذلك فيبدو أنَّه الاحتمال الأقوى هو زعم أنَّ حماس أصبحت تشكل تهديدًا وجوديًا،في نظر الكيان الصهيوني.
في الوقت الحاضريعمل حزب الله اللبناني على التصعيد ،وفقًا لاحتمالية دخول الجيش الصهيوني في حرب برِّية مع المقاومة الفلسطينية في غزة،وإنَّه يواصل تحدِّي الكيان الصهيوني وإقلاق المنطقة الشمالية.
من وجهة نظر الخبراء والمحللين والمراقبين،تُعَدُّ قدرات حزب الله محسنة أكثر بأضعاف وفجوات التحصين ليست موضوعًا يجري الحديث فيه بما يكفي في سياق صواريخ حزب الله .
لكنَّ قرار دخول الحرب في الجبهة الشمالية على نطاقٍ واسعٍ،ليس قرار الحزب بمفرده، بل هو قرار إقليمي تتحكم فيه إيران وسورية بدرجةٍ رئيسةٍ.
إيران والخيار الصعب للدخول في الحرب
في الحروب الإسرائيلية السابقة على قطاع غزة (2009،2012،2014،2019،2021)لم تدخل إيران الحرب ضد الكيان الصهيوني بشكلٍ مباشرٍ ،لكنَّ من الممكن جدًّا أن تدخل الحرب عبر حلفائها ، ما يعفيها من تبعات المسؤولية. فقد أنشأت إيران تحالفات مع قوى تشاركها المواقف ، حزب الله في لبنان،وفصائل المقاومة الفلسطينية، والحوثيين في اليمن ، لتعزيز أمنها وتحقيق مصالحها الإقليمية. وقد دمجتْ إيران حلفائها الإقليميين في استراتيجية أمنها القومي، وصاروا جزءاً منها، بحيث صارت ترى في إضعافهم إضعافاً لها.
وبين الخوف والرغبة في إظهار القوة تفاوتت التصريحات الإيرانية، ففيما هدّد وزير الخارجية أمير عبد اللهيان يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بالقول: “أوقفوا الحرب على غزّة أو سنضطرّ إلى اتخاذ إجراء”، جاء ردّ الفعل من القيادات العسكرية ومن البعثة الإيرانية في نيويورك بأنّ إيران لن تتدخّل في الحرب على غزّة ما لم تتعرّض مصالحها أو مواطنيها للهجوم. وترى إيران أنَّ تجربة حزب الله في قتال القوات الإسرائيلية الغازية للجنوب اللبناني في حرب الاجتياح عام 1982،وخلال حرب عام 2006 في لبنان ، تشير أنَّ النصر الإسرائيلي ضد حماس في غزة ليس مضمونًا،وأنَّ القضاء على المقاومة الفلسطينية بعيدُ المنال حقًا.
وحسب تقييم منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي (وهو منتدى بحثي مكون من ضباط احتياط بالجيش الإسرائيلي وخبراء عسكريين وسياسيين)، ويُعرف نفسه بأنه “حركة صهيونية أمنية، هدفها وضع أمن “إسرائيل” كأولوية وطنية قصوى، فإِنَّ “إسرائيل” تقف اليوم على مفترق طرق حاسم في مواجهة البرنامج النووي العسكري الإيراني المتسارع. وتكثف إيران جهودها لتخصيب اليورانيوم التي وصلت إلى مستوى قياسي يكفي لتصنيع 4 قنابل نووية في أقل من ثلاثة أشهر. وأصبحت أكثر جرأة من أي وقت مضى على الرغم من العقوبات الدولية. وتمتلك إيران أيضا مشروع صواريخ باليستية يمكن أن يوجه ضربات قاتلة ل”إسرائيل”.
إنَّ الحرب الإقليمية تبدو أنها تعتمد إلى حدٍّ كبيرٍ على قرار الحكومة الفاشية الإسرائيلية بزعامة نتنياهو ، فإذا أراد هذا الأخير استخدام هجوم حماس كورقة مساومة في السياسة الداخلية، فقد لا تقتصر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فحسب، بل من الممكن أن تتحول إلى حربِ إقليمية تشمل لبنان وسوريا، وحتى إيران.ويظل سيناريو الحرب الإقليمية متوقفًا بالدرجة الرئيسة على طرفي الصراع في الإقليم وهما إيران التي تربطها علاقات استراتيجية مع سوريا وحزب الله والحوثيين في اليمن ، وكذلك إسرائيل التي تربطها علاقات تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة .
الموقف الأمريكي من الدخول في حرب إقليمية
إنَّ “إسرائيل” كانت مصلحة استراتيجية أمريكية بامتياز ولاتزال، وستظل قاعدة عسكرية أمريكية متقدمة في إقليم الشرق الأوسط. وتنطلق الإمبريالية الأميركية من مسؤوليتها المباشرة تجاه حماية الكيان الصهيوني ، وكأنه الولاية الأميركية الواحدة و الخمسين ، تتمتع بحكمٍ ذاتي سياسي واقتصادي، وهو ما يفسّر حجم الدعم المالي واللوجستي العسكري والإعلامي والسياسي والاقتصادي، الذي يحظى به العدو الصهيوني منذ إنشاء هذا الكيان.
في سابقة نادرة الحدوث، حضر كلٌّ من وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، والرئيس الأميركي جو بايدن، على حدة، ثلاثة اجتماعاتٍ منفصلة لمجلس وزراء الحرب الصهيوني؛ وربّما أكثر، الأوّل في 2023/10/12، والثاني في 2023/10/13، والثالث في 2023/10/19. أثار حضور القادة الأميركيين جدلاً واسعاً في الوسط الصهيوني الإعلامي والشعبي، نظراً إلى طبيعة الاجتماع، وخطورته الأمنية والاستراتيجية، فاجتماع مجلس وزراء الحرب داخلي أمني وسرّي، غير مسموحٍ لغير أعضائه الخمسة بحضوره، فكيف ولماذا يحضُره قادة أميركيون، والأهمّ ما دلالات حضورهم؟
بالنسبة للولايات المتحدة شكَّلَ هجوم حماس “طوفان الأقصى” فشلً ذريعًا استخبارتيًا وعسكريًا استراتيجيًا للكيان الصهيوني، وتهديدًا وجوديًا له ،وصدمةً كبيرة لهيبة الجيش الصهيوني في إقليم الشرق الأوسط،باعتباره أداة أمريكية إمبريالية، تخدم مصالح النظام الرأسمالي الليبرالي العالمي بقيادة أمريكا، فكان لا بدّ من تدخلٍ أمريكي سريعٍ ومباشرٍ، على المستويين القيادي والاستراتيجي.
أما الحديث في واشنطن عن تدخل أمريكا في الحرب في المنطقة فهو متداول منذ عملية “طوفان الأقصى” كاحتمال وارد وإنْ غير مرجح، مرتبط بتطورات الاجتياح الصهيوني البرّي لقطاع غزة، ومآلاته. وقد بدأ يتقدّم إلى الواجهة بعد إرسال حاملة الطائرات الأمريكية الثانية أيزنهاور إلى المنطقة العربية، وإصدار قرار وزير الدفاع الأمريكي القاضي باستعداد قرابة 2000 جندي أميركي، لاحتمال نشرهم في “إسرائيل”، واستنفار القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة العربية، ثم برز أكثر بعدما كشف وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في مقابلة مع شبكة ايه بي سي نيوز، الأحد، عن تعزيزات عسكرية إضافية شملت صواريخ “ثاد” للدفاع الجوي مع الإيعاز بالإعداد لنشر المزيد من القوات في الشرق الأوسط بغرض “تعزيز الردع ورفع إمكانيات الحماية للقوات الأميركية، فضلاً عن توفير المساعدة لإسرائيل”، كما قال، معرباً عن “القلق من إمكانية التصعيد” في المنطقة.
لكنَّ الولايات المتحدة تخشى حرب الإبادة الشاملة لقطاع غزة من قبل قادة الكيان الصهيوني الصهيوني النازي المستقوين بالحشد العسكري الأميركي في الجوار، لأنَّ الهجوم البرِّي واسع النطاق، قد يؤدي إلى اشتعال جبهات أخرى في حرب واسعة “تترتب عليها تبعات اقتصادية وجيوسياسية من شأنها أن تجرّ واشنطن إلى التدخل المباشر” الذي لا يريده الرئيس جو بايدن، حسب الدبلوماسي الأمريكي ريتشارد هاس.
ما يحبّذه الرئيس بايدن هو أن يبقى الرد الإسرائيلي في حدود “الأهداف الممكن تحقيقها” وأن يحصل وفق مقاربة تقوم على “فض الاشتباك” كالتي اعتمدها وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر في 1974 لفصل القوات الإسرائيلية عن المصرية والسورية.
لكنّ الإدارة غير واضحة ولا حاسمة. من جهة “تنصح” (بتعبير بلينكن) إسرائيل بحرب لا تخرج عن “قانون الحروب” بخاصة لناحية حماية المدنيين، وفي الوقت ذاته تشدد على حق إسرائيل ليس فقط في الدفاع عن نفسها، بل أيضاً في الرد “بالطريقة التي تضمن عدم تكرار” عملية طوفان الأقصى. وهذه نصيحة قابلة للتأويل الذي تبرع إسرائيل في فنونه، إذ يترك لها تفصيل “الطريقة” على قياساتها.
وسط الانتظار يتفاقم خطاب التحريض الذي ضرب الرقم القياسي في الضخ والشحن العرقي والفئوي الذي بلغ حدود تصنيف الأزمة في خانة “الحرب الدينية” والدعوة إلى “مسح المكان (غزة)” وتسويته بالأرض والإقلاع عن المطالبة بحرب محدودة واستبدالها بتوجيه “إنذار لإخلاء غزة خلال 3 أيام على أن يتبعه الهجوم الماحق”، بتعبير المدير العام السابق لوكالة الاستخبارات المركزية سي آي إيه جيريمي باش.
وتتوقع مجموعات المقاومة الفلسطينية أن تقوم “إسرائيل” بإغراق أنفاق حماس بغاز الأعصاب والأسلحة الكيماوية، المحرمة دوليًا تحت إشراف كوماندوز من فرقة دلتا في الجيش الأمريكي التي سوف تشرف على ضخ “كميات ضخمة من غاز الأعصاب داخل أنفاق حماس، ولديها القدرة على شل حركة الإنسان لمدة تتراوح بين 6-12 ساعة”،كجزء من هجوم مباغت على قطاع غزة، بحسب ما تحدث به لموقع ميدل إيست آي مصدر عربي كبير على معرفة بتلك المجموعات.
تأمل إسرائيل والولايات المتحدة في إنجاز عنصر المفاجأة من أجل اختراق أنفاق حماس، وإنقاذ ما يقرب من 220 رهينة، وقتل آلاف الجنود من كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس، حسبما صرح به المصدر، الذي أشار إلى أن مصدر المعلومات هو تسريب ورد من داخل الولايات المتحدة.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــة: تواجه القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة العربية تهديدات جدِّيةٍ، إذ يعتقد المسؤولون السياسيون والعسكريون في الإدارة الأميركية أن هذه القوات ستتعرض لهجمات ما إن يبدأ الغزو البرّي للقطاع.فقد وتعرّضت القواعد الأمريكية في العراق وسورية إلى حوالي 13 هجومًا حتى الآن باستخدام الطائرات المسيّرة، والصواريخ، من قبل فصائل محور المقاومة،، وأسفرت عن مقتل متعاقد أميركي وتدمير طائرة مسيرة أميركية، إضافة إلى جرح العشرات من القوات في سورية، وسقوط حوالي 10 إصابات في العراق، وفق ما قالته مصادر أمريكية
وعلى نقيض ما يعتقد البعض أن حرب الإمبريالية الأمريكية الخقيقية هي في إقليم الشرق الأوسط، فإن المحللين والخبراء في الجغرافية السياسية يرون أن الإمبريالية الأمريكية تركز على الحرب الروسية الدائرة الآن في أوكرانيابوصفها صراعاً يهدّد النظام الرأسمالي الليبرالي العالمي،والنظام الدولي القائم ،وربّما يطيح بمصالح الولايات المتحدة حول العالم كلّه، بينما ترى في الاحتلال الصهيوني استثماراً ضرورياً للحفاظ على مصالح أمريكا في المنطقة العربية ومحيطها .
فقبل أيّام؛ طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من الكونغرس الموافقة على مخصصاتٍ أمنية ضخمة بقيمة 106 مليارات دولار، منها 61 مليار دولار لأوكرانيا، و14 مليار دولار للاحتلال الصهيوني! يكشف هذا التباين الكبير بين الدعمين الأوكراني والصهيوني عن أولويّات الإمبريالية الأمريكية الحالية، وعن استراتيجيتها الأمنية. وبين الحرب الروسية في أوكرانيا التي تشكل خطرًا مُحَدَّقًأ بمكانة أمريكا ومصالحها الدولية، وبين خطرٍ محدقٍ بمصالحها ومكانتها في المنطقة العربية، تسعى الإدارة الأميركية اليوم إلى ضبط حرب الإبادة الصهيونية في غزة وإدارتها، كي لا تخرُج عن السيطرة، متحوّلة إلى حربٍ إقليمية واسعة، وربّما حربٍ دولية واسعة، لصالح استمرار تركيزها على مواجهة الخطر الاستراتيجي الأكبر؛ وفقاً للحسابات الأميركية، والمتمثّل في كلٍّ من الصين، ومن بعدها روسيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى