الحملة الصليبية الغربية لنجدة الكيان الصهيوني النازي

بقلم: توفيق المديني

تأتي مجزرة مستشفى المعمداني الأخيرة في غزة التي ترتقي إلى صنف جرائم حرب ،وجرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي،ضمن السياق التاريخي لممارسة الإرهاب الصهيوني منذ نهاية تشرين الثاني /نوفمبر1947،وازدياد حدَّته لغاية اليوم..فقد أصبحت سياسة المذابح الجماعية ضد الشعب الفلسطيني السياسة الرسمية للكيان الصهيوني النازي.
فقد استشهد جراء القصف الصهيوني على مستشفى المعمداني ، أكثر من 500 شهيد أغلبهم من النساء والأطفال، فيما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، الخميس 19أكتوبر 2023، ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى أكثر من 3785 شهيدا و12493 مصابا، منهم 1524 طفلا و1000 سيدة و120 مسنا.وأوضحت الوزارة أنَّ “الانتهاكات الإسرائيلية بحق المنظومة الصحية في غزة أدَّتْ إلى استشهاد 44 من الطواقم الطبية، وإصابة 70 آخرين.وفي السياق، كشفت الوزارة الفلسطينية في بيانها عن “خروج 4 مستشفيات عن الخدمة شمال ووسط القطاع، بسبب الاستهداف الإسرائيلي المباشر، وتوقف 14 مركزا صحيا إثر انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود”.
أما خسائر العدو الصهيوني ، فقد وصل عدد القتلى الصهاينة إلى نحو 2000 قتيل،و4562 جريحًا حسب بيانات وزارة الصحة الصهيونية، فيما كشف الجيش الإسرائيلي خلال تحديث البيانات على موقعه الإلكتروني، أنَّ عدد القتلى من الجنود بلغ حتى اليوم 289 جنديا، حيث ذكر أن هناك بين الجنود القتلى جنديات أيضا.
ولا تزال الآلة العسكرية الحربية الصهيونية تمارس حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة ضدَّ الشعب الفلسطيني ،بدعم مطلق من الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الغربيين (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) ،من خلال ارتكاب مئات المجازر البشعة بحق عائلات كاملة تمت إبادتها وقتل جميع أفرادها من الأطفال والنساء والرجال، وتدمير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وحرق الأشجار بالتزامن مع استحالة وصول العديد من المزارعين لأراضيهم ما تسبب في أضرار جسيمة وجفاف لكثير من المزروعات الضرورية.
ارتكاب المجازر الجماعية سياسة متأصلة للكيان الصهيوني
فبعد صدور قرار التقسيم ،اتخذت الصهيونية كل التدابيرالكفيلة بإعاقة تأسيس دولة عربية فلسطينية، لكي يستولوا في المستقبل على الأراضي التي خصصتها هيئة الأمم المتحدة لهذه الدولة، فهاجم الإرهابيون الصهاينة واحتلوا قبل 15 أيار 1948 ثمانية عشر مدينة و قرية .
وهكذا بدأ العنصريون الصهاينة تحت ستار “الدفاع عن النفس” اعتداءات مكشوفة : فقد كان الإرهاب موجهاً نحو التنكيل بالعرب أو طردهم. ففي 10 نيسان 1948 ذبح جميع سكان قرية دير ياسين العربية، و فيما بعد اعترف بيغين رئيس ال”ايرغون نسفي ليومي” أن المجازر الصهيونية الدموية وما كان يرافقها من إشاعات مرعبة قد تمخضت عن هروب 650 ألف عربي وصل بهم الذعر إلى درجة الجنون.
وتحولت “إسرائيل” منذ ظهورها إلى عش للعدوان والتطهيرالعرقي والحرب، ضد البلدان العربية.وما أن تأسست الدولة الصهيونية،حتى أعلن بن غوريون رئيس وزراء الحكومة الصهيونية في الأيام الأولى لرئاسته،أن تأسيس “إسرائيل” ليس سوى بداية للنضال من أجل تأسيس الدولة اليهودية” من النيل إلى الفرات” ولم ينكر أن دولة “إسرائيل” ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الهدف.
إنَّ تشكيل دولة “إسرائيل” على أرض فلسطين العربية هو نتيجة لتطور يمكن إدراجه تمامًا في حركة التوسع الاستعماري الأوروبية والأمريكية في القرنين التاسع عشروالعشرين للسيطرة الاقتصادية والسياسية والعسكرية على الأمة العربية. فقد تم إسكان اليهود الصهاينة على أرض فلسطين من ناحية ، وتم إجلاء السكان الأصليين أي الفلسطينيين الذين أُجبِروا بقوة السلاح الأوروبي على الارتحال،والتشرد من ناحية أخرى.
إنَّ الاستعمارالاستيطاني الصهيوني في فلسطين ،هو اقتطاع ظالم لأرض شعب فلسطين ،حصل بقوة و دعم القوى الاستعمارية الأوروبية. فخلق “إسرائيل” إنما كان إهانة للعرب كشعب، فضلاً عن أن الدول الاستعمارية الأوروبية برَّرتْ وجودها كأداةٍ قمعٍ لحركة التحررالوطني العربية.ثم إنَّ وعي الطبيعة الاستعمارية لدولة “إسرائيل” هو البدء الحقيقي في يقظة الوعي الأوروبي من سباته العميق .
أهداف الرئيس بايدن ومخططه
وصل الرئيس بايدن يوم الإربعاء إلى “إسرائيل ” في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس أمريكي خلال فترة حرب، للتأكيد على تضامن الولايات المتحدة ووقوفها في صف “إسرائيل” ضد المقاومة. وحين قال رئيس أكبر و أقوى دولة في العالم، والحال هذه الولايات المتحدة الأمريكية، جو بايدن، خلال مؤتمر صحفي مع نتنياهو عقب وصوله ، بأنَّ مجزرة مستشفى المعمداني في قطاع غزة، ناجمة عن “صاروخٍ حَادَ عن مسَارِهِ” أطلقته “جماعة إرهابية” أصاب المستشفى المذكور، متهمًا فصائل المقاومة الفلسطينية بالوقوف وراء مجزرة مستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة،فهذا الموقف يُعَبِّرُ عن قمةِ الانحطاطِ الأخلاقِي والقِيَمِي في السياسة الأمريكية،وسُقُوطِ المعزوفة الفارغة المُمِلّة حول كذبة الرئيس بايدن ومن سبقه من الرؤساء الأمريكيين “الحرِّية تعني سيادة حقوق الإنسان في كل مكان”. إنَّه الكذب المفضوح،والخيانة الأمريكية والأوروبية لكل قيم حقوق الإنسان،والتنكر الحاد والعنيف للقانون الدولي حين يتعلق الموضوع بجر ائم الحرب و المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني النازي.
خلال هذه الزيارة، أعلن الرئيس بايدن دعم الولايات المتحدة الكامل والمطلق للكيان الصهيوني النازي، بوصفها شريكة في العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني ، وعمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الصهاينة بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر منذ 17 عاما، حيث يتعرض أكثر من مليوني نسمة لأكبر مذبحة بشرية بسلاح ودعم أمريكي كبير.كما حَرَكَّتْ أمريكا حاملات طائرات إلى شرق المتوسط، إضافة إلى إرسالِ أنواع جديدة من الأسلحة الفتاكة إلى “إسرائيل”،من أجل المشاركة الأمريكية في تفكيك بنية المقومة الفلسطينية المسلحة،والقضاء على حركة حماس.
وفي زيارة وزير الخارجية الأمريكي قبل أسبوع إلى تل أبيب، قال: “أنا قادم كيهودي قبل أن أكون وزير خارجية”، والآن يأتي بايدن، وكل هذا يؤكد أنَّ الولايات المتحدة، هي شريكة في المجازر التي تحدثُ للشعب الفلسطيني في غزة.
لقد تحدث الرئيس بايدن صراحة عن تدمير حركة حماس، ولكنَّ دون إعادة احتلال غزة، فهذا يؤكد الدعم الأمريكي الكامل لموضوع القضاء على حماس، وهذا يتم عبر عملية برّية، حيث يسعى الصهاينة والأمريكيون لعدم عودة حماس كقوة في غزة.
الرئيس بايدن جاء بمخطط لمناقشته خلال القمة الرباعية التي كانت ستعقد في عمان، ويحضرها الرئيس الأمريكي وملك الأردن والرئيس المصري ومحمود عباس، لكنَّها ألغيت بعد”مجزرة المعمداني”. المخطط الأمريكي يقوم على عدم عودة حركة حماس للحكم في قطاع غزة، ومن هنا الحاجة لخلق البدائل الممكنة.
أولاً: عودة الكيان الصهيوني لاحتلال غزة لمدة طويلة غير أنَّ هذا يفترض حكم أكثر من مليوني فلسطيني والاهتمام بكل احتياجاتهم المدنية. غير أنَّ الحكومة النازية بقيادة نتنياهو ليست معنية بمثل هذه المغامرة التي معناها ليس فقط نفقات اقتصادية هائلة بل وأيضا تواجد للجيش الاسرائيلي في كل زقاق في قطاع غزة على مدى سنين.
ثانيًا: القيام بالهجوم البرِّي على قطاع غزة ،مع خروج سريع لجيش الاحتلال الصهيوني منه ، لكنَّ هذا يعني عودة حماس والمقاومة الفلسطينية إلى قطاع غزة.
ثالثًا: إمكانية عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة كجسم سلطوي، وفرض وصاية خارجية على قطاع غزة، عبر صيغة حل سياسي لنزع سلاح المقاومة، ومن خلال إدخال جيوش الأنظمة العربية التابعة للإمبريالية الأمريكية، والتي تربطها اتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني، في الحرب البرِّية في غزة بدلاً من الجيش الصهيوني الذي سيقتصر دوره على الإسناد الجوي و المدفعي لتلك الجيوش المرتزقة مقابل دعم مادي يدفعه حكام الخليج من عائدات النفط الواقع فعليا تحت سيطرة أمريكا. كما تتولى دول عربية عملية إعادة الإعمار والإشراف المباشر عليها، وضمان عدم استفادة حماس والمقاومة منها، وفرض واقع أمني جديد عبر مصر، يتيح لها الإشراف مباشرة على كل ما يجري في غزة، أمنيا وسياسيا.
وإذا كان هذا البديل يكمن في توفير غطاء عربي للحرب ضد قطاع غزة، مع حرص الرئيس بايدن على عدم تصعيد الحرب ضد الكيان الصهيوني عبر فتح الجبهة الشمالية (لبنان وسوريا)، فهو يريد أن يحتوي حلفاء أمريكا ويضمن مساعدتهم في عدم امتداد النار إلى الضفة الغربية المحتلة، إضافة إلى ضبط الأوضاع في الأردن ومصر، لأنَّ الشارع العربي يغْلِي وبالتالي يحاول أنْ يساعد “إسرائيل” من خلال مساعدة وثيقة من مصر، والأردن، وتركيا، ودول الخليج، ،فإِنَّهُ بديلٌ مشكوكٌ فيه،وغير واقعي بالذات، لأنَّ السلطة الفلسطينية التي ينخرها الفساد ،والتي تحولت إلى جهاز أمني لحراسة الكيان الصهيوني، وتصفية المقاومة الفلسطينية،غير قادرةٍ من ناحية أمنية على أن تأخذ على عاتقها المسؤولية عن منطقة مركبة بهذا القدر، و في ظل عدم وجود ضمانات لإعادة إخراج السلطة من القطاع كما حدث عام 2005.
تخبط أمريكي لخلق شرق أوسط جديد عبر التطبيع والحرب
في هذه الحرب الصهيونية الجديدة على قطاع غزة،يخوض الرئيس بايدن معركة الانتخابات الأمريكية لخلق شرق أوسط جديد ،من خلال مشروع التطبيع بين المملكة السعودية و الكيان الصهيوني، حيث أنَّ إدارة بايدن كانت تسعى بجد، في الأشهر السابقة، لتحقيق التطبيع السعودي-الإسرائيلي.وكانت واشنطن مقتنعة بضخامة هذه الصفقة الاستراتيجية؛ فإذا كانت إسرائيل تمتلك علاقات جيدة مع أقوى دولة في العالم العربي من الناحية الجيوسياسية، بضمانات أمنية أمريكية كبيرة، فإن ذلك سيمثل تحولًا في المشهد في الشرق الأوسط.
يعتقد الرئيس بايدن أنَّ قاعدة هذا الشرق الأوسط الجديد هو التحالف بين الكيان الصهيوني والمملكة السعودية ، سوف يخلق مِحْوَرَ ردعٍ ضد إيران من شأنه أن يسمح لواشنطن بالتركيز بشكلٍ أفضل على منافستها مع الصين والتحدي التاريخي الروسي للحرب في أوكرانيا.
غير أنَّ الحرب الدائرة في غزة، بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، كشفتْ أيضًا عن عودة القضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية التي تجمع كل العرب والمسلمين، والدعم المطلق لها في جميع أنحاء العالم العربي، وكذلك في البلدان ذات الأغلبية المسلمة في أماكن أبعد، يشهد على ذلك المظاهرات العارمة التي شهدتها معظم العواصم العربية والإسلامية ،وهو ما يؤكد أنَّ خيار المقاومة من أجل تحرير الأرض السليبة في فلسطين المحتلة، لايزال على جدول أعمال الأمة العربية، وأنَّ إقليم الشرق الأوسط المناهض للإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني من خلال أطرافه الفاعلة: إيران وسوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية ، وجماعة الحوثيين ،لا يمكن دفنه بمثل هذه السهولة.
إنَّ حربَ الإبادةِ الجماعيةِ التي تخوضها إدارة بايدن و الحكومة الصهيونية النازية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة،جمدتْ أي حديث عن تطبيع سعودي-إسرائيلي وشيك،
وعرَّتْ أمل نتنياهو الواضح في إمكانية تهميش الفلسطينيين في مشهد إقليمي أوسع يبدو أكثر سذاجة من أي وقت مضى، خاصة أن الدول العربية على الرغم من تبعيتها العمياء للغرب، واستسلامها ، ترى في هذه الحرب دليلاً على السبب الجذري، وهو غياب أية تسوية تمنح الشعب الفلسطيني إقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف.
معركة الانتخابات الأمريكية التي يخوضها بايدن عبر سحب الولايات المتحدة مرَّة أخرى إلى الشرق الأوسط، الذي يشهد تصاعد التوترات مع طهران مرَّة أخرى، واحتمال دخول حزب الله، الحرب بشكل كاملٍ، إذا دخلت القوات البرية قطاع غزة وكيل إيران في لبنان، إلى المعركة بشكل كامل، تُعَدُّ هذه المعركة خاسرة،كما أنَّ تشكيل شرق أوسط جديد، كما طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في حرب تموز 2006، بين الكيان الصهيوني وحزب الله، يعتبر مخططًا فاشلاً.
الحرب الصهيونية لتفكيك استراتيجية التطويق الإيرانية
من وجهة نظر الكيان الصهيوني الاستراتيجيا الإيرانية مركّبة في تفاصيلها، لكنها بسيطة من حيث الجوهر، هذا ما كتبه اليوم الكاتب الإسرائيلي داني أورباخ ،في مقاله اليوم : “فرصة كي نضرب يمكن ألّا تتكرر”، المنشور بصحيفة هآرتس الإسرائيلية (19أكتوبر 2023): طهران تريد إحاطتنا بحلقة حصار متماسكة: حزب الله من الشمال، و”حماس من الجنوب”، وفي العمق أذرع إيرانية مختلفة (الميليشيات في العراق، والحوثيون)، ومن الشرق إيران. أجزاء هذه الحلقة تزداد قوةً، وتضيّق الخناق على إسرائيل، بالتدريج، حتى أنَّها تزعجها من دون توقف. حتى اليوم، كان التهديد من الصواريخ من الجنوب، لكنَّنا الآن، رأينا أنَّ “حماس” تستطيع اختراق إسرائيل وتنفيذ “مذبحة”. ولأنَّها تنوي أن تقوّي نفسها، وتحسّن ظروفها بين الجولة والأُخرى (لا نقص لديها في الأشخاص، والدمار الذي ستشهده غزة سيُعاد إعماره، عبر المجتمع الدولي، وهو ما يحوّل الموارد إلى تعاظُم للقوة)، يجب الافتراض أنَّه في المرَّة القادمة، ستُفاجأ إسرائيل بأنَّ النتيجة ستكون أسوأ بكثير.
وفي المقابل، فإنَّ تهديدَ الصواريخ من “حماس” وحزب الله سيُحدث اضطرابًا في الاقتصاد الإسرائيلي، ففي إمكان التنظيمين إغلاق مرفأيْ حيفا وأشكلون، وفي ظروفٍ معينةٍ، أيضاً مطار بن غوريون. بما معناه، أنَّ الحلقة تضيق حول إسرائيل، كخطوة تتواصل فيها الإزعاجات، وكل جزء منها يدافع عن الأجزاء الأُخرى. إذا حاولت إسرائيل تفكيك “حماس”، ستخاطر بالدخول في مواجهةٍ مع صواريخ أذرع إيرانية واجتياح “قوة الرضوان”– وحدة النخبة التابعة لحزب الله من الحدود الشمالية.
الحصار يُدخلنا إلى مصيدةٍ: إذا انتظرنا، فسيتصاعد الضرر من الأذرع الشمالية والجنوبية للحلقة، في الوقت الذي سيغدو التعامل العسكري معها أصعب أيضاً. المعضلة يمكن أن تكون بين إلحاق الضرر، بشكل بطيء وزاحف، بالأمن والاقتصاد والسيادة، وبين حرب شاملة يرافقها خطر وجودي.
الكارثة الحالية تمنحنا فرصة كبيرة ملأى بالمخاطر، لكنَّها قد لا تتكرر، ألا وهي كسر هذه الحلقة الآخذة بالتماسك. تزداد الإشارات إلى أنَّ “حماس” نجحتْ في مهمتها أكثر مما توقعت، وبذلك، هي منحتْ إسرائيل رصيداً دولياً وتفهّماً من حلفاء هذه الأخيرة، بأنَّه لا بديل أمامها سوى اجتياح غزة، بهدف تفكيك حُكم “حماس”. حاملات الطائرات التي أرسلها جو بايدن في اتجاه إسرائيل، ترمز إلى تدخُّل أميركي في المعركة، ويمكنها أن تردع حزب الله عن الدخول في حرب شاملة (والتعامل معه سيكون أفضل إذا دخل).
وبكلمات أُخرى، نستطيع تفكيك الذراع الجنوبية للحلقة، من دون التعامل وحدنا مع بقية الأذرع في الوقت نفسه. إذا فوّتنا هذه الفرصة، فيمكن أن نجد أنفسنا، بعد عدة أعوام، أمام “مذبحة”شبيهة ينفّذها حزب الله، أو “حما”، وهذه المرَّة، في بلدات ذات كثافة عالية، كنهاريا أو أشكلون أو بئر السبع.
خاتمـة: جرائم الغرب في قتل السكان الأصليين
يخوض الغرب المتكون من الإمبريالية الأمريكية وحلفائها من الدول الأوروبية الرئيسة(بريطانيان فرنسا، وألمانيا) بالشراكة مع الكيان الصهيوني حربًا صليبية جديدةً ضدَّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، منذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني ، إذْ أعلنتْ واشنطن عن دعمها الكامل والمطلق لإسرائيل في ما يسمى “الدفاع عن النفس” وحركت حاملات طائرات إلى شرق المتوسط، إضافة إلى إرسال أنواع جديدة من الأسلحة الفتاكة إلى الكيان الصهيوني.
خلافًا للإعتقاد السائد، أنَّ اللوبي الصهيوني هو الذي يوجه السياسة الأمريكية في إقليم الشرق الأوسط، وإن كان هذا الاعتقاد فيه جانب من الصواب، لكنَّ الحقيقة أنَّ الكيان الصهيوني هو عبارة عن قاعدة أمريكية استراتيجية في قلب الأمة العربية (فلسطين المحتلة)،وأنَّ اليهود والصهاينة عبارة عن عبيد في خدمة أهداف الإمبريالية الأمريكية، المدافعة بشراسة عن استمرار وبقاء النظام الرأسمالي الليبرالي العالمي تحت قيادتها ، ومنع تشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب كما تنادي به روسيا والصين والبرازيل وإيران وجنوب أفريقيا.
الكيان الصهيوني يريد من خلال حرب الإبادة هذه التي تقودها إدارة بايدن تهجير سكان غزة، وإسكانهم في الصحاري العربية المجاورة لفلسطين،لكنَّ كل تاريخ النظام العالمي الرأسمالي الغربي منذ تشكله قبل خمسة قرون ولغاية الآن ،كان قائمًا على ارتكاب المجازر ضد العبيد الأفارقة السود، والهنود الحمر، والجزائريين، والفلسطينيين، والفيتناميين والعراقيين، والأفغان.
وهكذا فإنّ الإمبراطورية البرتغالية، التي قامت على تجارة الرقيق لأكثر من 400 عاماً ونقلت الملايين منهم إلى أوروبا والعالم الجديد مقيّدين بالسلاسل، هي التي بدأت ذلك العصر اللعين بارتكاب المجازر. والإمبراطورية الإسبانية التي ورثت قيادة العالم من الإمبراطورية البرتغالية أبادت معظم سكان المكسيك ، الذي انخفض عددهم تحت الحكم الإسباني من 25 مليوناً في عام 1520 إلى 1.4 مليوناً فقط بحلول عام 1600. وبالمثل ،فإنَّ من 60 مليوناً إلى 89 مليوناً من الهنود الحمر قد فقدوا حياتهم خلال قرن واحد من الزمن بين الأعوام 1500 إلى 1600، أي ما يعادل حوالي 15% من سكان العالم، في أمريكا الشمالية ،وأمريكا اللاتينية.
في الحرب العالمية الثانية ،ولغرض السيطرة على حدودها الاستراتيجية، كانت الإمبريالية الأمريكية ولا تزال في حالة حرب في مكان ما مع كافة الشعوب والإمبراطوريات الأوروبية المختلفة في منطقتي المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، وكانت آخرها هي الإمبراطورية اليابانية. إنَّ نماذجَ العنف الذي مارسته أمريكا حول العالم موثق ومعروف. ولعل أبشع صورة له تجلت في الحرب العالمية الثانية. الإشارة هنا إلى تكتيك من شأنه أن تكون له آثار قاتلة ومروعة، هو القصف الجماعي للمدن اليابانية. في ليلة 9 آذار من عام 1945، أمر القائد الأمريكي لومي اسطولاً جوياً مكوناً من 279 من طائرات B-29 Superfortress لإسقاط 1665 طناً من القنابل الحارقة على طوكيو، مما أدى إلى حدوث عاصفة نارية التهمت ربع المدينة وقتلت 83000 شخصاً. وبتاريخ 6 آب من عام 1945، انطلقت طائرة واحدة من طراز B-29 Superfortress وألقت قنبلة ذريّة على هيروشيما.. من بين 76000 مبنى في المدينة، تمّ تدمير 70000 مبنى. وقُتِل في الانفجار أكثر من 78000 شخصاً ولقي 150000 شخصاً حتفهم لاحقاً بسبب التعرّض للإشعاعات النووية. بعد 3 أيام أسقطت طائرة أخرى من نفس الطراز قنبلة ذرية أخرى على مدينة ناكَزاكي ،فَقُتِلَ 23800 شخصاً على الأقل، وبعد 6 أيام استسلمت اليابان أخيراً.
بعد فشل المحاولة الأمريكية لغزو كوبا، انتقل مسرح عمليات الصدام الساخن إلى فيتنام، بين الأعوام 1962 لغاية 1975، دمّرت القوات الجوية الأمريكية أرياف فيتنام الجنوبية وجزء من شمال فيتنام بإلقاء ما يقارب من 6.1 مليون طناً من القنابل. ويعادل هذا 3 أضعاف إجمالي متفجّرات الحرب العالمية الثانية. في الوقت الذي دخلت فيه قوّات فيتنام الشمالية والفيتكونج منتصرة عاصمة الجنوب في سايغون عام 1975، كان قد قُتِل ما يقرب من 4 ملايين شخصاً منهم مليوني مدنياً و1.1 مليون جندياً فيتنامياً شمالياً ومن الفيتكونج. وخسر الأمريكيون وحلفاؤهم من جنود فيتنام الجنوبية 250000 قتيلاً، بينهم 58000 من أفراد الجيش الأمريكي. ولا تشمل هذه الأرقام الخسائر الفادحة من الحروب السرية الموازية التي كانت الولايات المتحدة تشنّها خلال تلك السنوات في كمبوديا ولاوس المجاورتين.
بعد الأحداث الإرهابية في يوم 11 سبتمبر من عام 2001 وما لحقها من غزو لأفغانستان في نفس ذلك العام، انتهت الحرب بهزيمة لأمريكا، كانت تكاليف هذه الهزيمة باهظة بالفعل. خلال عقدين من جهود التهدئة الفاشلة ونشر 775000 جندياً أمريكياً في أفغانستان، تكبّدت الولايات المتحدة وحدها 2442 قتيلاً ونحو 20000 جريحاً. يُقدّر أنه قُتل 170000 أفغانياً بينهم 47000 ضحية من المدنيين. وصل إجمالي التكاليف الأمريكية في هذا الصراع حوالي 2200مليار دولاراً في النفقات العسكرية وحدها..
في حرب العراق كان أداء الجيش الأمريكي كئيباً، قُتِل ما يقارب من 4500 جندياً أمريكياً وجُرِح 32000 آخرون. أما تقديرات خسائر العراق، فتراوح عدد القتلى المدنيين من العمليات العسكرية الأمريكية ما بين 200000 إلى أكثر من مليون ضحية. وصلت التكاليف المباشرة للحرب إلى ما يقرب من 2000مليار دولاراً، بعد إنفاق مليارات لا حصر لها خلال عقد من إعادة الإعمار، كانت حملة القصف الأمريكية اليائسة لهزيمة الدولة الإسلامية هي تدمير المُدن وتدمير بنيتها التحتية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى