فلسطين .. بين الأعداء و الأصدقاء

بقلم: د. موسى الحمداني/ لندن

 

 

في مكان ما في الغرب المتوحش وفي وضح النهار اجتمع افراد عصابة على رجل في بيته لينهبوا ما فيه من ممتلكات لكنه قاومهم بشجاعة و دافع عن نفسه و أهله و ممتلكاته حتى اصابه الاعياء و ارتمى يلتقط انفاسه .. و ظن المعتدون انه لن تقوم له قائمة. و لكن بعد برهة دبت بصاحبنا الحياة و اشتدت به الهمة و تدفقت منه العزيمة فاذا به ينهض و يضرب المعتدين بقوة و يركلهم ذات اليمين و ذات الشمال و يطرحهم جميعاً أرضاً و يصيبهم بجراح بالغة. وصلت القضية الى محكمة الغرب المتوحش فأُدين صاحبنا بتهمة الدفاع عن نفسه و عرضه و أرضه و تكسير أغلاله و التسبب في اصابات المعتدين و كسر كبرياءهم و تحطيم معنوياتهم و حكمت المحكمة عليه بالتعذيب و التجويع حتى الموت.

تلك هي قصة غزة مع الغرب المتوحش.

انطلاقة طوفان الاقصى أصابت الغرب بالجنون و اخذوا يتصرفون و كأن الصراع العربي الاسرائيلي بدا في السابع من اكتوبر باعتداء الفلسطينيين على الاسرائيليين. تناسوا وعد بلفور و كيف قامت اسرائيل، و تناسوا دير ياسين و صبرا و شاتيلا و قانا. و تناسوا اطفال مدرسة بحر البقر و عمال مصنع ابو زعبل و تناسوا كل المذابح و زهق الارواح على مر قرن من الزمان، فهكذا شأن الذاكرة الغربية: ذاكرة انتقائية كما يسيرون تسير.

و هناك سبب آخر لغضب الغرب: فهم لم يتعودوا أن تكون إسرائيل في موقف الدفاع، فالكيان الصهيوني الذي صنعوه مصَمَّم ليكون مبهراً في جولاته و صولاته وإعتداءاته على جيرانه و قتل من لا يتجاوب مع مطالبه فجاءت ضربة حماس لتكشف زيف كل ذلك و بأقل التكاليف.

ها هي غزة تتعرض لعدوان إجرامي غاشم منذ عدة أيام. شعب بأسره يعيش من غير غذاء أو ماء أو كهرباء و الغرب يعتبر ذلك رداً مناسباً من إسرائيل! لا أعتقد أني شعرت بهذا المستوى من الكراهية و الانحياز الرسمي ضد القضية الفلسطينية منذ عقود. الحكومة البريطانية بكل اطيافها، و كذلك حكومة الظل المعارضة، وقفوا جميعا مع اسرائيل، و حتى لا يكون هناك مجال للشك في ذلك الموقف المشين فقد اضاءوا علم اسرائيل على مقر رئيس الوزراء ليعرف الجميع ما هي بريطانيا و ليذهب العرب و المسلمون الى الجحيم. بعض المجالس المحلية رفعت أعلام إسرائيل على مبانيها بدلاً من العلم البريطاني!

و كما فعلت بعد الحرب الأوكرانية فإن بلد الديمقراطية و حرية الصحافة منعت إظهار وجهة النظر الفلسطينية إلا إذا بدأت بشجب المنظمات الفلسطينية و نشاطاتها.

لقد سلطت احداث غزة الاضواء على حقائق عديدة، كانت دائماً واضحة وضوح الشمس للكثيرين، لكن لم يعد الآن أي مجال أو عذر لأي أحد لتجاهلها:

• انه لا اصدقاء لنا في الغرب، فهم جميعاً (كحكومات) يقفون دائما مع اسرائيل. و للإنصاف لا بد من الإشارة إلى أن قطاع لا يستهان به من الشعوب الغربية، الذين لا حول لهم و لا قوة، يتفهمون و يتعاطفون مع القضية الفلسطينية، مثل جيرمي كوربن و جورج جالاوي و غيرهما كثيرون من الشرفاء الذين يستحقون أوسمة شرف من المسئولين الفلسطينيين.
• انه لا قيمة لعملاء الغرب من الدول العربية. السعودية مثلا تمتلك جيشا اكبرُ حجما و اكثرُ عتاداً من اسرائيل، لكنه- و للأسف- غثاء كغثاء السيل.و ما سمعناه من كلام معسول من بعض الدول العربية يبقى على حاله: كلاما معسولا.
• ان الحرب الظالمة التي شنها الغرب على سوريا مستعملا المنظمات الاسلامية الإرهابية كانت بهدف القضاء على الدولة الوحيدة من دول الجوار التي لا تزال لم تعترف باسرائيل. تدخل إسرائيل في الشأن السوري كان دليلاً على طبيعة المنظمات الارهابية المجرمة، لكننا تظاهرنا بأننا لم نعرف و لم نسمع و لم نرى.
• ان تركيا، و هي عضو في الناتو، كانت دائما صديقة لاسرائيل و ستبقى كذلك، و كل ما سنحصل عليه منها هو الكلام المعسول. و كذلك باكستان التي لم يكن لها أي دور في الصراع العربي الاسرائيلي سوى تغذية التطرف الديني.

و طبعاً تأكد لنا الآن ان حليفتنا الحقيقية هي ايران الاسلامية، و محور المقاومة الذي تقوده، و قد آن لنا ان نجهر بهذه الحقيقة الساطعة بلا حياء و لا رياء. لم يتغير موقف إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية يوم ١١ فبراير ١٩٧٩ عندما أعلن الإمام الخميني رحمه الله تحويل سفارة إسرائيل في طهران لتصبح سفارة لفلسطين. نحن الآن نعرف أن الحملة الشعواء التي شنتها دول التطبيع لاستعمال الدين لتشويه و تكفير الطائفة الشيعية و الكذب عليها و تكريه الناس بها ما هي في حقيقة الأمر إلا حملة للقضاء على الخطر الذي تشكله إيران الإسلامية على إسرائيل. و أنا أحدد بالقول ”إيران الإسلامية“ لأنه لو نجحت أمريكا في تغيير النظام (لا قدر الله) فإننا سنعود إلى الوضع الذي كان سائداً أيام الشاه و ستقع بلادنا بين مطرقتين: إسرائيل في الغرب و صديقتها إيران العلمانية في الشرق.

وزن الدول العربية الآن في الساحة السياسية الدولية لا يزيد عن وزن الريشة، فدولنا مفككة و متناحرة و في كثير من الأحيان فاشلة و مع ذلك تصر على التمسك و الاستجارة بأعدائها في الغرب. الحل المثالي طبعاً يكمن في الوحدة العربية، و لكن في غيابها فليس أقل من مصادقة الصديق و معاداة العدو و لا أعتقد أن العربي يحتاج لأن يكون عبقرياً ليعرف أن الغرب لم يكن و لن يكون صديقاً لنا، فالشواهد على ذلك في كل مكان ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى