في الذكرى الـ53 لرحيله.. هكذا أنصف عبدالناصر المرأة
بقلم: د. رفعت سيدأحمد/ مصر

تمر هذة الايام الذكري الثالثة والخمسون لرحيل الزعيم الوطني والقومي الخالد جمال عبدالناصر ..وتتعدد زوايا التذكر وزويا النظر لاسباب خلود هذا الرجل في ضمير شعبه وأمته ..فهناك من يرجع ذلك الي مواقفه الصلبة لصالح الفقراء والمحرومين في بلاده، ومنهم من يرجعها الي وقوفه بقوة الي جانب ثورات العالم الثالث وفي قلبه ثورات الوطن العربي ودعمها بالسلاح والمال والرجال ..وهناك من يري خلوده يعود الي فكره القومي وبنائه من خلال مواقفه وخطبه وكتبه (فلسفة للثورة وللقومية ) قابلة للبقاء ومستعصية علي الهدم والنسيان …اليوم نتذكره من زاوية جديدة وهي نظرته وإنحيازه للشرائح الاجتماعية المهمة في بلاده والتي كانت دائما مظلومة وفي موقع النسيان ..فقام القائد والزعيم ..بإنصافها ووضعها في مكانة سامية تليق بها ..من تلك الشرائح تأتي ( المرأة المصرية ) وتأتي قضيتها العادلة في الانصاف والدور ومعارك البناء والتغيير ..تأتي ..لتقدم نفسها كنموذج غاية في الاهمية لرؤية ومواقف جمال عبدالناصر ..ولتخلد بقاءه ..فماذا عن تلك القضية ؟
يؤكد التاريخ أن أول وزيرة في زمن عبدالناصر كانت حكمت أبوزيد حين أصدر عبدالناصر قرارًا جمهوريًا في سبتمبر 1962 بتعيين الدكتورة حكمت أبو زيد وزيرة للدولة للشئون الاجتماعية لتصبح أول سيدة في مصر تتولي منصب وزير، ومن خلال منصبها حولت الوزارة إلي وزارة مجتمع وأسرة كما نقلت نشاطها لكافة القرى والنجوع بالجمهورية بإنشاء فروع لها وكانت السيدة راوية عطية أول نائبة بالبرلمان عام 1957 وتولت عشرات النساء مواقع المسئولية في مجالات التنمية المختلفة …* هذة المناصب والمواقع نبعت من رؤية عبدالناصر الايدولوجية الداعية لانصاف المرأة وإعطائها حقوقها السياسية والاجتماعية الاصيلية دون من أو إجحاف أو مظاهر كاذبة كما كان في عهد الملك فاروق وإسرة محمد علي التي تعاملت مع المرأة بل مع الشعب المصري كعبيد وخدم … إن عبد الناصر كان يري أنها لابد أن تتساوى بالرجل ولابد أن تسقط بقايا الأغلال التى تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع أن تشارك بعمق وإيجابياً فى صنع الحياة…وهذه الرؤية تتضح أكثر عندما يطالب عبد الناصر بالتركيز على الدور الاجتماعى للمرأة وليس الدور أو المكتسبات الشخصية ، وعنده أن الأسرة هى الخلية الأولى للمجتمع ، ولابد أن تتوافر لها كل أسباب الحماية التى يمكنها من أن تكون حافظة للتقليد الوطنى مجددة لنسيجه متحركة بالمجتمع كله ومعه إلى غايات النضال الوطنى .ومن حقوق المرأة الأساسية فى رؤية عبد الناصر يأتي الحق في التعليم الذى يمثل تطبيقاً حياً لمبادئ الثورة فى مجال تكافؤ الفرص .
وبالنسبة لمواقف النظام الناصري تجاه قضية المرأة يلاحظ أنه قد كفل لها العديد من الحقوق السياسية والاجتماعية المهمة ، وفى مقدمتها الاعتراف لها بحق التصويت والترشح لأول مرة وذلك فى دستور 1956 ، ولقد تزايدت نسبة المشتغلات بالمهن التعليمية والفنية من 8.3% عام 1961 إلى 19.3% عام 1971 من إجمالى عدد العاملين ، وارتفعت نسبة المشتغلات بالأعمال الإدارية والتنفيذية من 0.9% عام 1960 إلى 1.4% من نهاية الفترة عام 1970 وحدثت زيادة ملحوظة فى الحقوق الاجتماعية للمرأة كانت لها مؤشراتها الواضحة ، ففى عام 1967 بلغ عدد الجمعيات النسائية 190 جمعية أما اللجان النسائية فى جمعيات مشتركة فيبلغ عددها 470 لجنة،كما يبلغ عدد الجمعيات الأخرى التى شاركت المرأة فى عضويتها 233 جمعية .
وتجدر الإشارة أيضاً إلى نشاط اجتماعى مهم ظهر بفعل النظام السياسى المصرى تجاه المرأة وهو نظام الرائدات الريفيات الذى أخذ به فى مصر منذ عام 1964 ، حيث أن العمل الاجتماعى الرسمى بالريف كانت تمارسه وزارة الشئون الاجتماعية من خلال الوحدات الاجتماعية التى تعمل فى مجال تنمية المجتمع حيث يقوم به فى الغالب اخصائيون اجتماعيون بينهم نسبة محدودة من النساء ، وقد وجد أن طبيعة العمل الوظيفى وأعباءه بالإضافة إلى عدم انتماء الإخصائيين (بما فى ذلك الإناث ، إلى القرى التى يعملون بها فى الغالب ، كذلك يجعل تأثير العمل الاجتماعى الرسمى محدوداً ، فى إعداد قيادات نسائية محلية يتوافر لها المعرفة والإحساس بمطالب نساء القرية والقدرة على التعبير عنها والمهارة اللازمة لتجميع النساء الريفيات وراء الجهود المختلفة المحقة لها،وتزداد مساهمة نساء القرية الإيجابية والجادة فى برامج تنمية المجتمع وتعمل كقيادة محلية وسيطة تعبر الفجوة الثقافية بين العقلية والمفاهيم الحضارية من جهة والعقلية والمفاهيم الريفية من جهة أخرى وتعاون القيادات الحضارية فى إدراك الواقع الريفى والعمل معه بالأساليب التى تتلاءم وطبيعة ظروفه وأوضاعه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
هذا عن الوقع العام للمرأة فى مجال اهتمام النظام السياسى وسلوكياته السياسية تجاهها ، وتبقى الحديث عن أهم التعديلات التى أدخلتها الثورة على قضية تعليم المرأة وكذلك قضية الأحوال الشخصية .
فبالنسبة لانجازات النظام السياسى فى قضية تعليم المرأة : يلاحظ أن مجال التعليم كان من أهم المجالات التى دخلت فيه الثورة حدثت تغيرات عدة على المستويين الكمى والكيفى ، وكان طبيعياً أن ينسحب التغيير على العنصر النسائى فى عملية التعليم ، حيث تجمع العديد من الدراسات على أن التغييرات التى أحدثتها الثورة فى النظام التعليمى كان لها أثرها فى إتاحة الفرصة لتعليم النساء ، وخاصة من الطبقات الدنيا ، وتخص هنا مجانية التعليم ، والاهتمام بإنشاء المدارس بالريف والحضر ووجود حوافز لدى الأسر لتعليم بناتهم نتيجة لاتساع النطاق النسبى لفرص عمالة للنساء لأن التعليم لم يعد فى هذه الفترة مجرد غاية فى حد ذاته كما كان على العهد الملكي السابق بالنسبة لبنات الطبقات العليا وقد أدى إلى إقبال النساء على التعليم مما أدى إلى تغيير مهم ، ويمكن رصد هذه التغييرات إحصائياً على النحو التالى :
– فى المرحلة الابتدائية كانت نسبة الإناث سنة 1954 (35%) ارتفعت إلى (38%) عام 1970 ، هذا بجانب وجود ارتفاع ملموس فى نسب استيعاب المدارس الإبتدائية للأطفال اللائى فى سن الإلزام فقد تبين أن هذه النسب كانت فى عام 1960 (56%) ارتفعت إلى 58% عام 1971 .
– أما فى التعليم الإعدادى فنظراً لأنه لم يكن موجوداً قبل 1952 ، فسوف نكتفى هنا بعرض تطور عدد الإناث بعد 1952 ، ففى عام 1954م 53% ، كان عدد الإناث فى هذه المرحلة 72 ألف تلميذة ، زاد فى عام 65/1966 إلى 174 ألف تلميذة ، وفى عام 71/1972 ارتفع إلى 304 ألف تلميذة ، وباتخاذ عام 53/1954 كسنة أساسية نجد أن عدد المقيدات فى عامى 65/1966 ، 71/1972 ، قد زاد بنسبة 142% ، 322% على التوالى ، وبالنسبة للإعدادى الفنى فقد لوحظ أن عدد المقيدات به ، قد تناقص حتى وصل إلى أقل من 500 تلميذة فى عام 71/1972 ، وقد يرجع ذلك إلى الصعوبات التى تواجه خريجات هذا النوع من التعليم فى الحياة العملية( ) وقد كانت نسبة الإناث فى التعليم الثانوى قبل 1952 تصل إلى 12.3% ارتفعت إلى 32% عام 1970 ، وبالنسبة للتعليم الجامعى قبل 1952 يصل إلى 5.4% ارتفعت إلى 21.4%.
هذا الاهتمام بتعليم المرأة واكبه إهتمام مواز بتمكينها وإعطائها دورا مجتمعيا واسعا ودورا سياسيا ملحوظا، فكانت المرأة في العصر الناصري تسير جنبا الي جنب مع الرجل في معارك البناء والتحرير ..يشهد بذلك الحضور الملحوظ للمرأة المصرية في محطات الصراع العربي الاسرائيلي خاصة حربي 1956 و1967 ومعارك مواجهة إرهاب الاخوان المسلمين في أزمتي 1954 و1965 وفي معارك الوحدة مع سوريا ومساندة حركات التحرر الوطني والقوانين الاشتراكية وغيرها من معارك وإنجازات جمال عبدالناصر ..هذا الانحياز للناس وللشرائح الاجتماعية التي كانت مظلومة في العهد الملكي السابق ومنها (المرأة المصرية) ..كان أحد أسباب خلود عبدالناصر وبقائه حياً في قلوب الملايين من أبناء الشعب المصري والعربي ..