السير في طريق لا يريده القلب.. قلب الكاهن وعقل الشيخ

بقلم: نارام سرجون

 

ما أصعب المشوار الذي يسلكه القلب مرغما .. وما أصعب الحب بالإكراه .. وما أشقى القلب الذي يرغم على ان يحب ما يكره وان يبغض ما يحب .. وما أتعس الطريق التي تسلكها أقدامنا ولا تحبها قلوبنا .. وكم هو بائس ذلك القلب الذي يسير ضد الروح وضد العقل .. العقل في واد والقلب في واد .. وهذا هو حال الكثيرين اليوم في اكثر مناطق سورية وفي كل مكان مر به الربيع العربي وربيع الديمقراطية الامريكية .. حيث سار الناس في طريق ولكن عقولهم في مكان وقلوبهم في مكان آخر .. فتمزقت الشخصية العربية تمزيقا لان الشخصية تتمزق عندما يسير قلبك في جهة وعقلك في جهة وقدماك وجسدك في جهة .. وهذا ماجناه على أهل السويداء بعض المتهورين والذين يبيعون قلوب الناس من أجل حفنة من الدولارات ..
لعل اهم ما في رجل الدين هي ان لا يظهر التناقض في احكامه ونصائحه ..وخاصة فيما يتعلق بالشعور الفطري والداخلي للناس .. فلا ينصحهم بما لا تحبه قلوبهم .. وهذا ما وقع فيه الشيخ الهجري الذي جعل الناس في ابناء الجبل تعيش حالة من التناقض الداخلي والشعور بانشطار قلوبهم وانشقاقها عن أرواحهم حتى وان جاملته وسارت معه جماعة منهم .. حتى وان آمن به بعض الناس او احسنوا فيه الظن .. لأن اصعب المسير هو المسير في طريق لا يؤمن به القلب .. كم التاريخ مليء بأولئك الاشقياء الذين يسيرون خلف دعوة لا يحسون انها صحيحة ولكنهم يموتون في الطريق من شدة التعب والاعياء من تداخل ضربات القلب مع خفقان الروح .. ولأن القلب يسير الى الخلف .. والروح تسير الى الامام .. وهؤلاء لا يموتون من القتال ..
فالشيخ الهجري شن هجوما على الدولة السورية وعلى ايران .. ودعا الناس الى الجهاد .. في تناقض مذهل لموقفين غريبين فقد أفتى لعدم الجهاد ضد العدو الغربي عندما كانت القلوب ترى الجهاد واجبا .. وأفتى بالجهاد ضد من لم يقدم على اذيته ولم يغز داره وحماه .. رغم ان الشيخ لا يختلف عن موقف السيستاني الذي لم يطلق الدعوة للجهاد ضد الامريكيين عندما كان الجنود الامريكيون يدخلون بغداد ويحاصرون قبر الامام علي في النجف وضريخ الامام الحسين .. ولكن السييستاني لم يتردد في ان يعلن الجهاد عندما خرجت داعش في وجهه .. وكان حريا به ان يجاهد ضد الامريكيين ليمنع ظهور داعش .. ..
والشيخ الهجري صمت عندما كانت اميريكا ترسل الينا الارهابيين والاساطيل وسها عن الجهاد .. وجل من لا يسهو !!.. واميريكا هي اليوم تسرق قمحنا ونفطنا .. ولكن لم تصدر فتوى الجهاد ضد اميريكا .. بل اصدرها ضد ايران .. والدولة السورية بشكل ضمني .. وكأن الجهاد ضد ايران سينعش الليرة السورية ويعيد بناء البلاد .. ويسكت ابن تيمية في قبره ..
الاغرب من ذلك ان فتوى النأي بالنفس وعدم ارسال الابناء للخدمة خارج محافظتهم .. صدرت عن بعض المشايخ في الحرب على سورية بحجة ان الامر صراع داخلي بين طائفتين ومعسكرين في الوطن يقتتلان من اجل السلطة .. وقد قبلت الدولة على مضض هذه الذريعة .. بحجة ان بعض المشايخ العقلاء فضلوا الحياد رغم ان العاقل كان يرى ان المشكلة لم تكن بين طائفتين ولا بين معسكرين في الوطن .. فالقرضاوي الذي كان يفتي ليل نهار لرفد السوريين بمقاتلين اسلاميين من أصقاع الارض الاربعة ويتوسل للناتو ان يقصف الجيش السوري .. هذا القرضاوي ليس سوريا .. ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي كان يقول ان النظام في سورية يجب ان يتغير سلما او حربا ليس سوريا .. وامير قطر الذي كان يرسل 137 مليار دولار ليس سوريا .. وبندر بن سلطان الذي ارسل القاعدة الى سورية ليس سوريا ,.. واردوغان الذي نفذ صبره وكان يريد الصلاة في الجامع الاموي ليس سوريا .. وساركوزي لم يكن سوريا .. ودافيد كاميرون لم يكن سوريا .. وسعدو الحريري لم يكن سوريا .. وكل مؤتمرات أصدقاء سورية ومؤتمرات الاسلاميين وكل المفتين بالدم لم يكونوا سوريين .. وغرفة الموك لم تكن سورية .. ومندوب اميريكا في مجلس الامن لم يكن سوريا وهو يطلب كل يوم ادراج سورية تحت الفصل السابع .. وابن تيمية الذي عاد الى الحياة في سورية ونشر الرعب والمذابح .. لم يستثن الدروز في اية فتوى .. ولم يصدر تصحيح لفتواه بحق الدروز انهم وقفوا على الحياد .. فالفتوى نافذة وصحيحة وواجب الى يوم الدين .. كل هذا لم يره بعض المشايخ يومها واعتبروا ان المعركة بين الاهل وتستحق النأي بالنفس .. وليست بين وطن وعدو خارجي لديه حفنة من العملاء .. وأدوات دموية ..
لم يرى العقلاء يومها خرائط التقسيم .. ولم ينظروا الى ما حدث في العراق وليبيا .. وكانت كل مراكز الابحاث الغربية تنشر علنا جهارا نهارا انها تريد تقسيم سورية .. وانها لم تعد بلدا يجب ان يبقى على قيد الحياة .. ومع هذا فضل بعضهم الحياء والحياد ..
اليوم ربما يسأل كل مواطن في جبل العرب نفسه عندما يجلس الى نفسه هل هذا ما يريده هو في قرارة نفسه؟ هل هو منسجم مع قرار الجهاد؟ وضد من؟ ليس ضد الجولاني طبعا .. ولا ضد ابن تيمية ومعسكره .. ولا ضد الاخوان المسلمين .. ولا ضد داعش .. ولا ضد الفرنسيين .. ولا ضد الامريكيين .. ولا ضد الاسرائيليين .. بل ضد الوطن .. وضد حلفاء الوطن .. فما هو الفرق بين ما عرضه الثورجية في ايام الحرب وبين ما يطلبه الهجري ؟ الم يكن شعار الثورجية دعوة الناتو للتدخل ؟؟ الم ينتقلوا الى طلب اخراج ايران من سورية وكانوا ينقلون طلبات اسرائيل دون زيارة او نقضان …. اللجوء للناتو لحماية الثورة كما هو اليوم طلب الدعم الاسرائيلي لثورجية السويداء .. ألم يلاحظ الناس طريقة التحريض الرخيص والغرائزي على حزب الله وايران كما فعل ثوار الناتو وفق طلبات اسرائيلية .. ؟؟ فما هو الفرق بين ثوار الناتو وثوار السويداء ؟؟ نفس الاسلوب ونفس الثمن البخس ..
للمسميات والالقاب هالة ورنين وصدى .. ولعل العقل هو اعلى ما يملك الانسان .. ولكن العقل لا يكون عقلا اذا اوصل صاحبه الى الوقوع في التناقض .. فغاية العقل هي حل التناقضات وليس خلقها .. وهذا هو الفرق بين العلماء ومدعي المعرفة .. وبين الحكماء ومدعي الحكمة .. وهذا هو سبب الصراع بين الغزالي وابن رشد .. وللتذكير فان ابن رشد كان يتحدى الدين بالعقل وبقول اذا كان ما يقوله العقل يتناقض مع ما يقوله الدين فان علينا الاخذ بالعقل .. فيما اصر الغزالي على اولوية النص وان العقل لا يجب ان يؤخذ به اذا لم يوافق النص والشريعة .. وفي تلك اللحظة الفارقة حدث التحول الهائل بين الشرق والغرب .. فالشرق رفض بدهية او نصيحة ابن رشد فيما اعتمدتها اوروبا .. والنتيجة هي ما نراه اليوم من العقل العربي او المشرقي لا يجرؤ على تحدي النص الديني والفتوى ورجل الدين ويخضع له .. حتى وان كان متناقضا مع الطبيعة والمنطق بشكل فاضح ساطع .. فتطحن الطوائف الطوائف وهي تلحق رجال الدين الذين هم بشر يخطئون ويصيبون .. وقد يهدمون العقل .. ولا يعرفون انهم يهدمونه ..
ما يقوله الهجري للأسف فضيحة عقلية .. لا تليق به .. لأنه وقع فيما حذر منه ابن رشد .. اياك والتناقض مع العقل .. والتناقض مع التاريخ .. والتناقض مع الدور .. واحذر الوقوع في جدال بين عقلك وقلبك .. لأن ما قاله الهجري جعل العقل لا يوافق القلب لمن يعيش في السويداء .. وجعل القلب لا يوافق العقل .. وللأسف فانه علاوة على ذلك لا يعتبر شجاعة وهو يتحدى الدولة التي تحاصرها تركيا .. واميريكا وقسد والارهابيون والعرب والاسلاميون واسرائيل والخونة والعملاء وكل قذارات الربيع العربي .. وهي لا تريد ان تتسبب باي ألم لأي احد في جبل العرب ..ولا تريد معركة مع احد هناك .. ولكن البعض صار يتمرجل على الدولة لأنه يعرف انها لن تطلق عليه النار .. ولن تخدش مشاعره وستحترم ان خزين الوطنية في جبل العرب يستحق ان يغفر من أجله لبعض العصاة والبغاة والمتمرجلين على دولتهم التي تحارب على عشرات الجبهات .. والحقيقة ان موقف الثورجية موقف أقل ما يقال فيه انه موقف رجولة فارغة .. ان تتحدى فارسا .. يقاتل قطيعا من اللصوص وقطاع الطرق .. وتعرف انه لا يجد الوقت لمنازلتك ولا يريد منازلتك … وانت تعلم انه لن يوجه سلاحه ضدك .. فترفع سلاحك في وجهه .. واذا أصابك سلاحك اشتكيت انه لم يقم بحمايتك من نفسك .. وانه سمح لرصاصك ان يصيبك ..
لا أقدر هنا الا ان اقارن بين رجلين وشيخين .. الاب الياس زحلاوي والشيخ حكمت الهجري .. الاول كتب الرسائل إلى رؤساء العالم .. وهز روما وهو يدق على أبواب البابا ويعاتبه ويحذره ويعلن غضبه – وهو الكاهن الكاثوليكي – من اوروبا المسيحية ومن الكرسي الرسولي اعلى سلطة مسيحية .. ولا يخشاها ولا يجاملها من أجل وطنه .. وعندما يلتقي الرئيس الأسد ويتبادل معه أطراف الحديث لا يخشى ان يقول له في حديث خاص وصريح وشجاع ان هناك أشخاصا لا يحبون الوطن .. وهم يجلسون الى جانب الرئيس .. نصيحة من يحب وطنه لكي يبقى وطنه .. وانسجاما مع العقل والروح .. ومع الدين الذي آمن به .. وكي لا يذهب الناس بالطيش والجنون ..
والثاني الذي اضعه في الميزان مع الكاهن الكاثوليكي الاب زحلاوي هو الشيخ حكمت الهجري .. الذي لم ينبس ببنت شفة طيلة الحرب الا بكلام المداحين .. ولكنه واخجلاه جلس يتفرج على الرجال تتبارز .. ورأى وطنه تهاجمه الذئاب .. ورأى غزاة الامس من اتراك وفرنسيين واسرائيليين وصليبيين يعاودون الهجوم على وطنه .. فلم يحرك ساكنا .. بل انقلب على وطنه .. في وقت توقعنا فيه ان يقول: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي لما تخليت عن وطني ..
انا يشغلني سؤال فعلا هو كيف سيلاقي الهجري ومعسكره الباشا سلطان يوم القيامة.. وكيف سيدافعون عن أنفسهم .. وهم يوجهون له الاهانات .. ويسقطون رايته .. وينكثون عهده .. من أجل .. حفنة من الدولارات .. تجعله قرضاوي السويداء .. القرضاوي الذي كان يمتدح الزعماء العرب ثم انقلب عليهم بشكل لايزال يدهش الناس من فظاظته .. بفتوى أمير خليجي ومهمة لا تليق الا بالمرتزقة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى