الذكرى المئوية لميلاد عملاق الصحافة الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل

بقلم: عبدالهادي الراجح

 

في الثالث والعشرين من سبتمبر أيلول الجاري ، تصادف الذكرى المئوية لميلاد أهم وأكبر صحفي عرفه الوطن العربي ، ومن أبرز الصحفيين والكتاب على مستوى العالم أجمع ، كما تقول مراكز الأبحاث والاستطلاع المختصة بهذا الشأن .
الاستاذ محمد حسنين هيكل اسم غني عن التعريف ، اسم ارتبطت به الصحافة كما ارتبط بها في كل الوطن العربي ، اسم تجاوز حتى من علمه الصحافة وخبايا صاحبة الجلالة ؛ الأمر الذي خلق له أحقادا كثيرة وحسادا وأعادي، وتربص به الكثيرون في محاولة لمسك أبسط شيء عليه ولكنهم فشلوا ونجح بامتياز .
اتهم بأنه الصحفي الأوحد خاصة بعد قيام ثورة 23 يوليو المجيدة، وذلك لقربه من الزعيم جمال عبد الناصر رحمه الله ، الذي عبّر عن تلك العلاقة في كل ما قيل ويقال ( بأنه الوحيد الذي فهمني ) .

ولكن للانصاف أن قربه من زعيم وقائد ثورة يوليو المجيدة لم يمنحه شهرة وان كانت أضافت اليه الكثير، ولكنه قبل الثورة كان علما من أعلام بلاط صاحبة الجلالة ، ورجل صنع اسمه وشهرته بالدم والدموع من خلال مهنة المصاعب ، فالاستاذ الكبير لم يجلس في مكتبه في برج عاجي ينتظر أن تأتيه الأخبار شأن الكثير من المحسوبين على الصحافة في عالم اليوم ، ولكنه سعى اليها فهو كما يعرف الجميع من غطى الحرب العالمية الثانية في مدينة العلمين ، وكان مراسلا حربيا كما غطى الحرب الكورية وغطى حرب فلسطين ونكبتها الأليمة عام 1948م ، وكان شاهدا على الخيانة والتسليم هنا وهناك .

وفي فلسطين وفي منطقة الفالوجة تحديدا التقى بالضابط الشاب جمال عبد الناصر وتواصلت لقاءاتهما بعد ذلك قبل ثورة 23 يوليو ، وشاءت الأقدار أن تكون تلك الصداقة نقطة تحول كبيرة بين عملاقي السياسة والاعلام .
وهكذا التقت وتفاعلت الكيمياء بين الرجلين وفعلت أفاعيلها وفهم كل منهما الآخر ، وتوافقا تماما ، ونتيجة لذلك تعرض الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل للحسد والغيرة والمؤامرات التي أكلت قلوب بعض أصحاب مهنة المتاعب ، ولكن للامانة وللانصاف نقول أن عالمية الاستاذ لم تأت من علاقته بالزعيم جمال عبد الناصر وان كانت من اسبابها المهمة ، ولكن عالمية الاستاذ زادت قوة ومناعة بعد خروجه من جريدة الأهرام ، والذي يعتبر حقيقة المؤسس الثاني بعد أن كانت تلك الجريدة الشهيرة على وشك الافلاس والبيع .
لقد كلف الزعيم جمال عبد الناصر صديقه الصدوق محمد حسنين هيكل في ادارتها وتسلم رئاسة التحرير ، وما هي الا شهور قليلة حتى أصبحت الصحيفة الأكثر توزيعا في مصر والوطن العربي ، وكان افتتاحيتها مقال عنوانه ( بصراحه) للاستاذ الكبير تتصدر اهتمامات العالم كونه مقرب من الزعيم جمال عبد الناصر ومعبر أمينا عن سياسته وان كانت الجريدة مستقلة لحد ما ولكن هناك تلاقي أفكار وتفاعل الكيمياء بين الزعيم والصحفي الأشهر في وطننا العربي .
وقد استمرت شهرة الاستاذ عندما خرج من ألأهرام بقرار من المرتد أنور الساداتي الذي أزعجته كتابات الاستاذ التي عقبت حرب أكتوبر ، وأن السياسة لم تكن على قدر الأداء الرائع للسلاح في تلك الملحمة عكس حرب حزيران يونيو عام 1967م ، تلك المقالات التي جمعت في كتب حملت أسماء (الطريق الى رمضان ، وعلى مفترق الطرق، ثم الكتاب الأخير حرب أكتوبر السياسة والسلاح ) الذي كان تتويجيا لنظرة الاستاذ العميقة وتحليله الاستراتيجي .

وبعد خروجه من الأهرام عرض عليه الساداتي أرفع المناصب ولكنه رفض وتمسك بالصحفي أو الجورنارجي كما كان يسمي نفسه .

ولعل أبرز من عبّر عن تلك المرحلة من خروج الاستاذ والاهتام العربي والعالمي بذلك الصحفي البريطاني المعروف ( روبرت فيسك) الذي قال: عندما كان هيكل قريبا من السلطة كان الجميع يفكر ماذا سيكتب الاستاذ، وعندما خرج من السلطة كان الجميع مشغولا بماذا يفكر الاستاذ الذي زاد انتاجه الأدبي والصحفي وأصبح المقصد لكل زائر أجنبي أو عربي يريد معرفة مشاكل الشرق الأوسط منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى يوم رحيل الاستاذ المفجع 17 فبراير شباط عام 2016م .
وكان رحمه الله من أشهر الصحفيين في العالم وتجاوز بعمره الصحفي السبعين عاما، منها عشرون عاما قرب السلطة من 1952-ولغاية نهاية حرب أكتوبر المغدورة عام 1974م .
نستذكر الاستاذ الكبير في الذكرى المئوية لميلاده كنوع من أبسط ما يمكن تقديمه لهذه القامة والقيمة التي فقدها العرب بعد أن أضافت لصاحبة البلاط المزيد من الهيبة والوقار والالتزام، ناهيك عن الأمانة في كتابة التاريخ ، ولولا الوعي والادراك الذي نشره الاستاذ الكبير من خلال كتبه ومقالاته وحواراته الطويلة مع قناة الجزيرة ( تجربة حياة ) وبعد ذلك مع قناة cbc ( مصر من أين والى أين)  وغيرهما الكثير لكان أغلب شعبنا اليوم وخاصة في مصر يعتقدون أن الساداتي هو بطل الحرب والسلام ، وأنه من صحح الأخطاء كما يدعي اعلامه بعد انقلابه الشهير على رفاقه، وهذا يحسب للاستاذ الكبير لأنه أكبر وأشهر من فضح وعرى اكاذيب أنور الساداتي وخرافاته بما يسمى بالسلام .
كما يحسب للاستاذ أنه أول من فضح أيضا وعرى سيناريو توريث الحكم في مصر وأيقظ شعبه وأمته على شر قد يحصل عندما تعود مصر ملكية من غير ملك أي وراثة ، من حسني اللامبارك لأبنه الفاسد جمال حسني اللامبارك ، وكان ذلك من خلال محاضرة قيمة للاستاذ في الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2002م ، وتحدث الاستاذ بصراحة عن سيناريو التوريث الذي أخذ مأخذ الجد في مصر من الشعب والجيش معا ومنعوا ذلك .
وكانت المحصلة ثورة 25 يناير المجيدة التي أزاحت مبارك من المشهد وأرسلته الى مزبلة التاريخ .
نحتفل اليوم بمئوية ميلاد الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل وامتنا العربية على مفترق الطرق تكون أو لا تكون ، وقلم الاستاذ الكبير سبق وان كتب وتحدث الينا عن خارطة الطريق للامة ونهضتها بكلام واضح في كل منبر استطاعوا الوصول اليه ، وأن الوحدة العربية بلونها الناصري الجميل هي الحل لكل قضايانا المصيرية التي لا تعالج عبر الصدمات، كما فعل المقبور أنور الساداتي بالقفز عن الحقائق ، ولكن الاستاذ عبّر عن وحدة الموقف والكلمة عبر المقاومة والصمود لا غير ذلك .

رحم الله الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل في الذكرى المئة لميلاده، فهو صاحب رسالة ساهمت في تحريك وعي الكثيرين في وطننا العربي نحو اوطانهم واستقلالها وفضح الخونة والمتآمرين على رؤوس الأشاهد ، وكانت كل كلمة يقولها كفيلة باثارة الجدل وتحريك الوعي لشعبنا العربي المقهور .
لقد كان الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل وسيبقى مدرستنا القومية الناصرية التي أضاءت وستضيء الطريق أمام الأجيال ، وستبقى كتبه ومقالاته ولقاءاته المرجع الأهم في تاريخ أمتنا العربية ، والشمعة الناصرية التي أشعلها الاستاذ لن تنطفىء ، ما بقي النيل والأهرامات .
وسلام لروح الاستاذ الكبيرة محمد حسنين هيكل الطاهرة، ورحمه الله بقدر ما قدم لأمته وشعبه على طريق الثورة العربية الناصرية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى