حلم البؤســاء !!
بقلم: غادة عايش خضر/ غزة

ان تعمقت فى عالم الأمنيات والأحلام لدى البشر ، ستجد أنها متباينة فى مقدارها ، مختلفة أوزانها وأثقالها ، ولكل مواطن في وطني أمنية وحلم لا يشبه في محتواه ومستواه أحلام بقية الأمم ، فهناك من يحلم بالمال الوفير، وأخر يحلم بالمنصب الرفيع ، وغيره يحلم بتوفير قوت يومه وبيت صغير يؤويه، وأخر يحلم بيوم الحرية والتحرير …..
أُمنيات أمس لا تضاهى أحلام اليوم بتاتاً بالنسبة لى ولغيري من أبناء وبنات الثمانينات في القطاع المنكوب ، علماً بأن هناك أحلام خاصة وأخرى عامة ولكلٍ منا مراده ومبتغاه….
ذات يوم كنت أنا وصديقاتى نتجول في محيط الجامعة ، إحداهن كانت كفيفة تُدعى مزيونة ، ورغم ذلك كانت الإبتسامات لا تفارقنا أبداً ، ومع كل خطوة نخطوها نرسم أحلامنا ، نبتسم فتتجدد آمالنا مغردة نحو مستقبل مشرق وبراق ، في ذاك اليوم نظرت إلى السماء راسمة في خيالي صورة فلسطين البهية التي دوماً تحتضن أبناءها.. ونحن نسير وإذا بمزيونة تصطدم بشجرة في منتصف الرصيف ، صعقتُ…. يا له من موقف محرج وصعب ،لمت نفسي ووبختها لأنني أهملت الأمانة التي بين يديّ ، أعتذر لك يا صديقتي لان أحلامي فاقت حدود الخيال ، رسمت صورة لمستقبل أبعادها وصلت حد السماء ، ونسيت أن يديك متشابكتان بيدي ،وظننت حينها أن الخطوة الأُولى في مشوار الحياة قد بدأت، ولا متسع للتفكير ولا للبقاء في تلك البقعة المعتمة ، أكملنا تجوالنا و إذا بالمناوشات تتجدد بين الأخوة الأشقاء ، تلاها إنقسام إستمر إلى يومنا هذا ، تلاها العديد من النكبات نصطدم بها كل يوم ، أولها انقطاع الكهرباء و البطالة والفقر والحصار وأخرها الشعور بالإنكسار …..
ومع مغيب شمس كل يوم ، شعبنا في غزة يصبح كفيفاً ، لا يرى أى شئ ، بات ضريراً ، وذلك يقوده إلى حال من اليأس والإحباط والبؤس، وأضحى حلمه الأول والأخير هو توفير الكهرباء ….وفي تلك البقعة المعتمة من الوطن ، أدركت أن الكفيف ليس من حرمه الله نعمة البصر ، ولكن الكفيف هو مَن لا يبصر ولا يرى و لا يشعر بمعاناة الشعب ….
تلك هى حكاية مزيونة والشجرة التي اصطدمت بها ، أما نحن فقد أصطدمنا بواقع أسود مليء بالأزمات ، وافتقادنا لأبسط الحقوق الحياتية وأهمها الكهرباء ، اصطدمنا يا عزيزتي بعشرات الجثث المتفحمة لأطفال وأشبال ، كان حلم الياسر أن يرفعوا علم فلسطين على مآذن القدس وكنائس القدس ، غادر الياسر عالمنا وغادرت أحلامه معه ، اصطدمنا يا صديقتى بصور الرضع الذين لاقوا حتفهم من شدة البرد ، وهم يفتقدون لأبسط حق ألا وهو الكهرباء لتحميهم من البرد ، أيعقل أن يصل بنا الحال إلى وجود مولدات كهربائية داخل المستشفيات !!!!
أيعقل أن تتوقف الحياة في الأبراج السكنية في غزة أثناء فترة ساعات القطع ، إحمدي الله يا صديقتي مراراً وتكراراً لأنك لم تشاهدي حجم الحوادث والكوارث التى حلت بنا.. حتى بات توفير الكهرباء حلم البؤساء في مدينة الظلام.