حتى لا ننسى.. اليوم ذكرى محاولة إحراق المسجد الأقصى المبارك

بقلم: د. غازي حسين

في صباح يوم 21/8/1969 شب حريق هائل بالمسجد الاقصى المبارك ، وامتدت النيران بسرعة الى الرواق الجنوبي ومحراب صلاح الدين واعمدة القبة في المسجد المبارك في محاولة يهودية لتحويل التراث الاسلامي المقدس ، بل اكثره قدسية ، والنادر في الحضارة الانسانية الى كومة من رماد، لبناء الهيكل المزعوم على انقاضه .
هرع المقدسيون من مسلمين ومسيحيين لاطفاء الحريق ، كما هرع الفلسطينيون من قرى ومدن الضفة الغربية للمشاركة في اطفائه وانقاذ المسجد الاقصى من الخطر اليهودي الداهم عليه لتدميره.
اغلق جيش الاحتلال الاسرائيلي ابواب الحرم والمسجد الاقصى ، لمنع الفلسطينيين من الدخول لاطفاء الحريق لكي تلتهمه النيران الصهيونية الحاقدة على العروبة والاسلام والبشرية جمعاء.
اجبر الفلسطينيون الجيش الاسرائيلي على فتح الابواب بعد صدام عنيف دام 45 دقيقة ظنا من “اسرائيل” بان النيران ستحول المسجد الاقصى خلال تلك الفترة الى رماد .
عندما بدا الفلسطينيون محاولة ضخ المياه من ابار المسجد وجدوا مضخات المياه غير صالحة للعمل ، فأخذوا ينشلون المياه باوعية صغيرة ويتسلقون سطح المسجد لاطفاء الحريق .
وعندما وصلت سيارات الاطفاء من بلديات رام الله والبيرة ونابلس وجنين وطولكرم وبيت لحم والخليل للمشاركة في اطفاء الحريق منعهم جيش الاحتلال والشرطة الاسرائيلية من دخول ساحة المسجد بحجة ان عملية الاطفاء هي من اختصاص بلدية القدس المحتلة الصهيونية . ونجح الفلسطينيون باخماد الحريق بعد ان احترق الجزء الهام من المسجد بما فيه محراب صلاح الدين الذي أخذه من المسجد الاموي في مدينة حلب الى الاقصى في القدس .
واعلنت الحكومة الاسرائيلية رسميا كعادتها في الكذب والخداع ان الحريق كان بسبب خلل في اسلاك الكهرباء داخل المسجد الاقصى .
ارسلت شركة كهرباء القدس العربية بناء على طلب من الهيئة الاسلامية لجنة من الخبراء والمهندسين للكشف عن اسباب الحريق واكدوا انه لم يكن جراء عطل كهربائي كما اعلنت “اسرائيل”رسميا وانما بسبب حريق متعمد .
واثبتوا ان الحريق مدبر بدقة ، مما احرج الحكومة الاسرائيلية ودفعها الى اعلان القبض على الشخص الذي اعترف بانه قام باشعال الحريق المتعمد وهو اليهودي مايكل موهان ، وقدمته للمحاكمة وحكمته بالسجن خمس سنوات ، ثم اصدرت قرارا فيما بعد باطلاق سراحه واخراجه الى استراليا .
بحث مجلس الامن محاولة احراق المسجد الاقصى واتخذ بتاريخ 15ايلول1969 قرارا عبّر فيه الحزن والاسى للاضرار الجسيمة الناتجة عن الاحراق المفتعل في ظل الاحتلال الاسرائيلي لمدينة القدس العربية ، واكد المجلس ان امتلاك الاراضي بالفتح العسكري غير مسموح به ، وكرر تاكيد قراريه 252و267 باعتبار القدس مدينة محتلة وان الاجراءات الاسرائيلية فيها باطلة ولاغية، وان العمل الكريه الخاص بتنديس المسجد الاقصى يؤكد الضرورة لكي تكف “اسرائيل” عن انتهاك القرارات المذكورة وتلغي فورا جميع الاجراءات والاعمال التي اتخذتها في سبيل تعديل وضع القدس.
وشجب القرار امتناع “اسرائيل” عن الانصياع للقرارات المذكورة ودعاها الى تنفيذها فورا .
وعقد رؤساء وممثلو الدول الاسلامية في 24ايلول 1969 مؤتمرا في الرباط واعلنوا العزم على رفض اي حل لقضية فلسطين لا يكفل حرية القدس وعودتها الى وضعها السابق قبل حرب حزيران العدوانية. وتأسست لجنة إنقاذ القدس برئاسة ملك المغرب الذي دفعته الهرولة في التطبيع مع العدو الى تنويمها والقضاء عليها.
المسجد الاقصى في خطر حقيقي
فرّخت الصهيونية وفرخ المجتمع الاسرائيلي حركات استيطانية ارهابية وعنصرية خطيرة تعتقد بوجوب تدمير المسجد الاقصى واقامة الهيكل المزعوم على انقاضه ، ويرون انهم بذلك ينفذون اوامر ربانية (يهووية) ويخدمون السياسة الاسرائيلية ويساعدونها على انجاز ما تعجز الحكومة عن انجازه .
وتأتي حركة امناء الهيكل في طليعة هذه الحركات الارهابية الخطيرة ، وتقوم نظرية هذه الحركة على استخدام التعاليم التي رسخها كتبة التوراة والتلمود لخدمة الاستعمار الاستيطاني اليهودي ، وتهويد القدس بشطريها المحتلين والمقدسات العربية الاسلامية والمسيحية ، وسلب الشعب العربي الفلسطيني حقوقه في وطنه ومقدساته ،وتحاول هذه الحركة باستمرار وضع حجر الاساس للهيكل المزعوم داخل ساحة المسجد الاقصى كمقدمة لتدميره وبناء الهيكل على انقاضه .
ويلي هذه الحركة في الخطورة “التنظيم السري اليهودي” الذي وضع خطة لتدمير المسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرة عن طريق قصفه بطائرة عسكرية ، وكشف غارمي غيلون رئيس الشاباك الاسبق في كتاب نشره الخطة ووجهة النظر اليهودية التي تطالب بتدمير المسجد الاقصى وكتب قائلا: ” ان اليهود يعتبرون وجود الاقصى يشكل انتهاكا لحرمة مكان مقدس ، المكان الذي قام عليه الهيكلان . ” ، وتناول رئيس الشاباك الدوافع التي حدت بالتنظيم السري للتخطيط لتدمير المسجد وقال : –
الاول وهو سياسي اي ان عملية التدمير ستؤدي الى نسف عملية السلام مع مصر .
الثاني وهوديني وسياسي وسيؤدي الى اندلاع حرب مقدسة يظهر الله (يهوه) في اعقابها لتخليص شعب الله المختار .
اكدت الاحداث والجرائم التي قامت بها هذه الحركات والتنظيمات الارهابية الخطيرة ضلوع الحكومة الاسرائيلية في جرائمها ، فالحكومة الاسرائيلية هي التي احتلت مدينة القدس العربية وسمحت وشجعت المستعمرين اليهود على استيطانها , واعلنتها عاصمتها الابدية والموحدة ، وهي التي رفضت وترفض تنفيذ قرارات مجلس الامن والتي تعتبر ان جميع الاجراءات الاسرائيلية في القدس غير شرعية ولاغية .
تسخير الدين اليهودي لخدمة الاستعمار البريطاني
رفع بن غورين مؤسس الكيان الصهيوني ، شعار ” لا قيمة لاسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون الهيكل” ، وذلك عندما كانت القدس بشطريها الغربي و الشرقي تحت السادة الفلسطينية ، فالمسجد الاقصى في خطر حقيقي ، لان الاجماع الصهيوني على بناء الهيكل المزعوم على انقاضه قد حسم امره ، والمسالة المطروحة كيف ومتى سوف يتم بناء الهيكل ، وما هي الوسائل التي يجب اتباعها لتحقيق ذلك ؟ التدمير ام التهويد التدريجي كما حصل في المسجد الابراهيمي في الخليل ؟ .
ان الاجماع الاسرائيلي على بناء الهيكل على انقاض المسجد الاقصى مسالة محسومة منذ ان وضع تيوديور هرتسل كتابه “دولة اليهود” ، ولكن بقي تحقيق الاجماع الشعبي والحكومي على متى وكيف سيجري تدمير المسجد وبناء الهيكل على انقاضه ؟ .
تذرع الكيان الصهيوني لتبرير الاستعمار الاستيطاني في القدس وفلسطين والوطن العربي من النيل الى الفرات بالاكاذيب والاطماع التوراتية وبحق ديني مزعوم .
ان الدين او العاطفة الانسانية الناتجة عن الاضطهاد لا تشكل مصدرا من مصادر القانون الدولي ولا تشكل حقا من الحقوق ، فالوجود اليهودي في القدس لا يستند الى اي اساس قانون ، استغلت الصهيونية العالمية واستغل الكيان الصهيوني المزاعم الدينية لاغراض دنيوية سياسية واقتصادية ، على الرغم من عدم اكتشاف اي اثر ديني لليهود في القدس وفلسطين حتى اليوم على الاطلاق .
ان الواجب الديني والوطني والقومي والانساني يفرض علينا جميعا الالتزام بالتمسك بعروبة القدس ورفض المساعي الصهيونية لتهوديها وتهويد المسجد الاقصى ورفض كل اشكال التطبيع والتعايش مع كيان الاستعمار الاستيطاني واخر نظام عنصري في العالم ، الغريب عن المنطقة والدخيل عليها والمعادي لشعوبها وللتنمية والتطور والاستقرار في المنطقة والسلام في العالم .

ان الحاخامات و “اسرائيل” ويهود الادارات الاميركية واللوبي اليهودي الاميركي والمحافظون الجدد و المسيحيون الصهاينة يقفون في جبهة واحدة وفي صف واحد لتهويد القدس والمسجد الاقصى ، ويشارك بعض الحكام في تحقيق المشروع الصهيوني باغتصاب فلسطين وتهويدالقدس والجولان.
ان فلسطين بما فيها القدس ارض عربية اسلامية ، وما طرأ عليها من حروب عدوانية واحتلال واستعمار استيطاني وترحيل وتهويد واغتصاب للارض والحقوق والثروات غير شرعي وباطل مهما طال الزمن .
ان القدس هي مسرى النبي العربي محمد (صلعم) ومعراجه الى السموات العلى واولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، وهي مدينة عربية واسلامية يتمسك العرب والمسلمون بعروبتها وبحقوقهم التاريخية والقانونية والدينية والسياسية فيها وبالسيادة عليها ، وان علاقة العرب والمسلمين فيها علاقة دينية ووطنية وقومية .
ان القدس منذ تأسيسها وحتى الاحتلال الاسرائيلي عربية اللسان سادت فيها الكنعانية والارامية ثم العربية ، والمسجد الاقصى موقع عربي- اسلامي منذ الازل ، ولا يوجد لليهود فيه أي حق او أي أثر على الاطلاق.
وللقدس مكانة فريدة لحوالي المليار ونصف المليار من العرب والمسلمين ، وهي مدينة فلسطينية عربية اسلامية محتلة ، واجراءات دولة الاحتلال بضمها وتهويدها غير شرعية ولاغية ، والمسجد الاقصى بركان متفجر، واي مساس فيه سيفجر هذا البركان ويشعل النيران ليس في المنطقة وحدها بل في العالم اجمع .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى