تزايد السخط التركي من الغلاء، لأن “المعدة” والقدرة الشرائية للشعب هي أبلغ مقياس لنجاعة سياسة أي حكومة

يشكك بعض الأتراك في جدوى سياسة الحكومة الجديدة بتحسين سعر صرف الليرة أو خفض نسبة التضخم، مبدين امتعاضاً من ارتفاعات الأسعار المتتالية، وبمقدمتها المشتقات النفطية التي انعكس رفع سعرها على المنتجات الغذائية والزراعية والصناعية، ما أكل، برأيهم، زيادات الأجور ورفع من نسبة الفقر.

ويلفت الاقتصادي التركي أوزجان أويصال إلى أن اللجوء إلى فرض الضرائب ورفع أسعار الوقود يمكن أن يؤمن عائدات مباشرة للخزينة، لكن آثاره السلبية على معيشة الأتراك، وحتى الصناعيين والمزارعين والتجار، أكبر أثراً وتأثيراً.
وقال أويصال إنه من غير المستبعد أن تتراجع نسبة النمو بسبب هذه الضرائب من دون أن تتمكن الحكومة من خفض سعر الليرة، التي سجلت اليوم الأحد 26.879 مقابل الدولار ونحو 29.661 مقابل اليورو، متحسنة بنسبة بسيطة عن سعر الأسبوع الماضي.
وفي حين يقر الاقتصادي التركي أويصال، خلال حديث صحفي “، أن بلاده من أكبر المستوردين للنفط بالمنطقة، إذ تستورد 360 مليون برميل نفط سنوياً، فإنه يشير إلى أن الحكومات السابقة كانت تتحمل فارق دعم أسعار الطاقة لتنشيط الصناعة والزراعة وتقليل العبء على المستهلكين، في حين أن الحكومة الجديدة لجأت أولاً إلى رفع سعر المشتقات النفطية، ما رفع تبعاً لذلك أسعار المنتجات والسلع الاستهلاكية فوراً بالأسواق.
وتتوقع مصادر تركية رفعا جديدا لأسعار الديزل والمازوت بعد غد الثلاثاء، ضمن سياسة الرفع المستمرة للأسعار منذ شهرين، حيث ارتفع سعر ليتر البنزين بنسبة 70% وسعر ليتر الديزل بنسبة 82%، لكن المصادر الحكومية لم تؤكد هذه الأنباء.

وكانت تركيا قد رفعت يوم الجمعة الماضي سعر الديزل والبنزين بنحو 1.45 ليرة، لتصل أسعار المشتقات النفطية إلى أعلى سعر منذ عقدين، بعد أن وصل سعر ليتر البنزين في أنقرة إلى 36.53 ليرة وسعر ليتر الديزل إلى 35.82 ليرة، في حين كانت الأسعار بإسطنبول أقل قليلاً، إذ وصل سعر ليتر البنزين إلى 36.06 ليرة وسعر ليتر الديزل إلى 35.34 ليرة.
ويزداد تخوّف الأتراك من فرض ضرائب جديدة، بعدما لجأت الحكومة إلى مطارح مبتكرة ورفعت نسبة الضرائب القديمة، ما دفع نائب الرئيس التركي جودت يلماز للتأكيد أن “لا ضرائب جديدة على جدول الحكومة حتى نهاية العام”، مضيفاً خلال لقاء تلفزيوني، ليل أول من أمس الجمعة، أن تبعات الزلزال بمقدمة اهتمام الحكومة إضافة إلى تحسين مستوى معيشة الأتراك.
وكانت الحكومة التركية الجديدة التي شكلها الرئيس رجب طيب أردوغان مطلع يونيو/حزيران الماضي، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، قد زادت من نسب الضرائب المفروضة لزيادة عائدات موارد الخزينة العامة، ما زاد الأعباء على المنتجين والمستهلكين.

وبالتوزاي مع رفع نسبة الفائدة من 8% إلى 17.5%، رفعت الحكومة الجديدة، بقيادة وزير المالية والخزانة محمد شيمشك، الرسوم الثابتة بنسبة 50% لتجديد الإقامة ورسوم جواز السفر وشهادة قيادة السيارات”، إضافة إلى رفع ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الأساسية “غذاء ومشروبات ومنظفات”، من 8 إلى 18%.
كما تم رفع الضريبة على المنتجات الإلكترونية والسيارات والسجائر والكحول من 18 إلى 20%، لتصبح الضريبة الأكبر والتي انعكست على زيادة الأسعار. كما رفعت الحكومة ضريبة استهلاك الوقود من 2.52 ليرة إلى 7.52 ليرات، لتزيد الأسعار على اعتبار أن الوقود سلعة محرضة وتدخل في جميع العمليات الصناعية والزراعية.

وفي رده على نهج زيادة نسبة الضرائب والانتقادات الشعبية، غرد وزير المالية التركي محمد شيمشك بأن “السياسات العقلانية بدأت تؤتي ثمارها”، مرفقاً تغريدته بصورة توضح انخفاض مؤشر علاوة المخاطر في تركيا إلى ما دون 400 نقطة.
وأضاف شيمشك، أول من أمس، أن سندات مقايضة مخاطر الائتمان، التي ارتفعت إلى 700 نقطة أساس في مايو/أيار 2023، انخفضت إلى أقل من 400 نقطة أساس نهاية الأسبوع الماضي، ويساهم انحفاض مؤشر علاوة المخاطر في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتخفيض أقساط سداد الديون.
لكن سياسة الحكومة التركية التقليدية، وخاصة النقدية المتشددة التي رفعت سعر الفائدة مرتين خلال الشهر الجاري، لم تجدِ نفعاً برأي بعض الأتراك، مستدلين باستمرار تراجع سعر صرف الليرة التي فقدت نحو 43% من قيمتها هذا العام، وتستمر بالتراجع منذ تشكيل الحكومة التركية قبل نحو شهرين، من 18 ليرة مقابل الدولار إلى نحو 26.8 اليوم.
لتأتي توقعات المصرف المركزي بزيادة نسبة التضخم نهاية العام الجاري من 22.3% إلى 58% لنهاية عام 2023، ومن 8.8% إلى 33% لعام 2024 عاملاً، إضافياً على عدم نجاعة سياسة الحكومة، على المدى القصير على الأقل، كما يؤكد المحلل يوسف كاتب أوغلو.

ويقول كاتب أوغلو إن أهم ما تميزت به سياسة بلده الاقتصادية خلال الفترة السابقة هي ارتفاع نسبة النمو عبر تفعيل وزيادة الانتاج والصادرات واستقطاب السياحة، لكن السياسة الجديدة للحكومة ربما تأتي على هذه الثلاثة، عبر زيادة الضرائب، بل وأكثر، من خلال التأثير على معيشة الأتراك جراء ارتفاع الأسعار وعدم خفض نسبة التضخم.
الأمر الذي يهدد الطبقة الوسطى بتركيا، والتي يعتبرها كاتب أوغلو حامل النمو والتطوير ببلاده، موصياً بضرورة دراسة أية آثار للضرائب على ذوي الدخول المحدودة وللضرائب التصاعدية على أصحاب الدخول المرتفعة وكبار الملاّك.
ويضيف المحلل التركي أن الحكومة الجديدة التزمت ببعض إيجابيات النهج السابق، من خلال استمرار العمل بفتح حسابات الليرة المحمية ونسبة رفع إيجار المنازل، من ضمن الإجراءات الكثيرة المعتمدة سابقاً ببلاده لزيادة دخل الطبقة الوسطى وتقليل نسبة الفقر.
وفي حين يرى كاتب أوغلو أنه من المبكر الحكم على سياسة الحكومة الجديدة “لانقضاء مائة يوم على الأقل”، يتوقع عدم نجاعة النهج العام للحكومة، على المستويين القريب والمتوسط، ما قد يؤثر على حلم تركيا خلال مئوية تأسيس الجمهورية، وهو دخولها نادي العشرة الكبار. والأهم برأيه هو مستوى معيشة الأتراك، لأن “المعدة” والقدرة الشرائية، هي أبلغ مقياس لنجاعة سياسة أي حكومة.

من جهتها، أعلنت محافظة البنك المركزي التركي حفيظة غاية أركان أن البنك سيعزز سياسة التشديد النقدي تدريجياً لغاية تحقيق تحسُّن ملحوظ في توقعات التضخم، مضيفة خلال مؤتمر صحافي أول من أمس، عقدته في المركز الإداري للبنك بالعاصمة التركية أنقرة، أن المصرف المركزي قام بتحديث افتراضاته في ما يتعلق بمؤشر النمو العالمي الذي يلخص الطلب الخارجي.
وقالت غاية أركان إن البنك المركزي رفع توقعاته بشأن معدل التضخم في تركيا لنهاية العام الجاري إلى 58% (من 22.3%)، مؤكدة أن توقعات البنك بشأن التضخم لنهاية عام 2024 تم تحديثها إلى 33% (من 8.8%)، وكشفت أركان أن البنك يتوقع تراجع التضخم إلى 15% نهاية عام 2025.
وأضافت: سنعزز سياسة التشديد النقدي تدريجياً لغاية تحقيق تحسن ملحوظ في توقعات التضخم، من خلال العمل على تشكيل الأرضية التي تضمن بدء مرحلة تخفيض معدل التضخم في البلاد عام 2024.
وقالت: “سنستمر في استخدام جميع أدواتنا بكل حزم إلى أن يتراجع معدل التضخم إلى خانة الآحاد، وهدفنا متوسط المدى”، كاشفة أن احتياطيات المصرف المركزي التركي زادت بنحو 15 مليار دولار وبلغت أكثر من 113 ملياراً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى