هي حرب بكل أسلحة القوى الناعمة.. بالاعلام المقروء والمسموع معا، في السينما والمسرح والتلفاز ايضاً، ناهيك عن عالم الصحافة.
منذ انقلاب 15 مايو أيار 1971م ،بدأ الهجوم على عبد الناصر من قبل أنور الساداتي رأس السلطة في مصر آنذاك ولكنه عندما كان يُحاصر وتسقط رهاناته الخاسرة الواحدة تلو الأخرى، كان يعود ليتمسح باسلوب ماكر باسم وسيرة الزعيم جمال عبد الناصر، حتى شاءت الأقدار أن يكون آخر نصف ساعة من حياة أنور الساداتي في زيارة لضريح الزعيم جمال عبد الناصر، يوم السادس من أكتوبر 1981م ، ليقتل بعدها فوق المنصة، ويكمل حسني اللا مبارك نهجه ودربه في الردة عن الثورة وزعيمها .
لعل الجميع يتذكر زيارة الرئيس الايراني الأسبق محمد خاتمي لمصر، حيث التقى بالاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رحمه الله، كما التقى المخلوع اللا مبارك وفي أثناء اللقاء مع اللا مبارك تفاجأ خاتمي به يقول له بعصبية واضحة وخروج عن كل الاعراف الدبلوماسية: ( ايه انتو عايزين عندكم جمال عبد الناصر آخر، يقصد الرئيس احمد نجاد) بتشدده ومبدئيته ، وهنا قال الرئيس الايراني الأسبق خاتمي بأدب وهدوء: ( عفوا سيادة الرئيس، فمشروعنا النووي السلمي عليه اجماع وطني ايراني، ولا فرق بين اصلاحي ومحافظ) .
تدور عجلة الأحداث وتندلع ثورة 25 يناير ويتم خلع اللا مبارك بطريقة بيد الشعب المصري ، ولكن سرعان ما تم اختطاف الثورة من قبل تجار الاسلام السياسي المدعومين من الولايات المتحدة، وفي اول خطاب لمحمد مرسي تحدث بكل الحقد عن “الستينان وما أدراك ما الستينات”، مهاجما الزعيم عبد الناصر ، ولكن حين زار محمد مرسي مصنع الالمنيوم قال (فيما يشبه صحوة ضمير)، من قلب المصنع الذي بناه الزعيم جمال عبد الناصر ، أنه سيكمل ما بدأ به جمال عبد الناصر، ولكن للاسف كان قد فات الأوان، لان وزير دفاعه كان يُعد العدة للانقلاب عليه وعلى جماعته الغبية.
لقد تصدرت المشهد القوات المسلحة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي ليصبح هو رئيس مصر ، وقد توقع الكثيرون من أصحاب النوايا الحسنة أن تعاد للتاريخ حقائقه بعد حرب شرسة وتزوير له دام أكثر من أربعين عاما ، ولكن للاسف كانت هناك مفاجآت غير سارة لكل من راهن على ان السيسي سيكون قريبا من سياسات عبد الناصر، فقد خرج السيسي في ذكرى ثورة يوليو ليعلن أن اللواء محمد نجيب رحمه الله هو قائد الثورة وأول رئيس لمصر، رغم انه لم يكن يعلم عن الثورة شيئا الا بعد قيامها ، وأن الذي رشحه وقدمه للزعيم جمال عبد الناصر هو صديقه عبد الحكيم عامر ، حيث كانت الثورة بحاجة لواجهة معروفة ومقبولة لان الثوار الجدد وعلى رأسهم جمال عبد الناصر كانوا صغار السن الى حد ما. ولكن كل القرارات كانت بيد الزعيم جمال عبد الناصر قائد الثورة الاول ومؤسسها الحقيقي.
اليوم يأتي مَن يخرج مِن كهوف النسيان ويقدمه بأنه أول رئيس مصر وزعيم للثورة ، ويا ليت الأمر وقف عند هذا، فبعد كامب ديفيد أصبحت الحرب على ارث جمال عبد الناصر سياسة دائمة لحكام مصر المدعومين من الشيطان الأكبر أمريكا وعملائه، خاصة عرب النفط .
ومع ذكرى 23 يوليو أصبحنا نسمع تلميحات وتصريحات مفادها ان قيادة أن ثورة يوليو كانت لنجيب المدعوم من الاخونج والشيوعيين وليس لجمال عبد الناصر، رغم ان اللواء محمد نجيب نفسه قد قال في كتابيه (كلمة للتاريخ ، وكنت رئيسا لمصر) حرفيا أن زعيم الثورة ومؤسسها هو جمال عبد الناصر ، ولكن وصل الأمر بالمرتدين وزمر الثورة المضادة أن يغيروا كل ما يمت للزعيم عبد الناصر بصلة ، بدءا ببحيرة ناصر التي تم تغيرها الى بحيرة السد العالي، ثم استاد ناصر الدولي الذي بناه وافتتحه جمال عبد الناصر أصبح اسمه استاد القاهرة الدولي، وأكاديمية ناصر العسكرية تم تغيرها لتصبح باسم الأكاديمية العسكرية ، والغالب ان القرار تغير اسم الأكاديمية ليس قرارا مصريا خالصا ولكنه قرار من خارج الحدود.. من أمريكا او إسرائيل او الدول النفطية اياها .
والغريب العجيب ان تمثال الزعيم أحمد عرابي والميدان الذي يحمل اسمه بمدينة الاسماعلية منذ تاريخ 26 سبتمبر أيلول عام 1961 م ، واللوحة المثبت عليها اسم الزعيم جمال عبد الناصر الذي امر باقامة التمثال، واسم محافظ الاسماعلية يومذاك الفريق محمد حسن عبد اللطيف الذي انتدبه عبد الناصر لرعاية حفل الإفتتاح.. قد تغيرت جميعها فجأة وحل اسم عبد الفتاح السيسي محل اسم عبد الناصر ، واسم محافظ جديد من أزلام السيسي مخل اسم الفريق محمد حسن عبد اللطيف .
وعليه.. ماذا يعني أن يتم الحفاظ على اسم الزعيم جمال عبد الناصر في أماكن عامة: جامعات وميادين وشوارع وساحات وحدائق وتماثيل في عواصم دول القارات الثلاث، في الوقت الذي يجري فيه شطب اسمه في قلب مصر.. مسقط رأسه وساحة نضاله وحاضنة ضريحه ؟؟
فعلاً “ان اللي اختشوا ماتوا” ، كما يقول المثل الشعبي المصري!!!