نهاية مسار أستانة بشأن سوريا
بقلم: توفيق المديني

اتفقت روسيا وإيران وتركيا على عقد الجولة المقبلة من أستانا في النصف الثاني من العام الجاري، في حين اقترح نائب وزير خارجية كازاخستان كانات توميش أن تكون جولة أستانا التي انتهت يوم الإربعاء 20حزيران/يونيو،2023الأخيرة، على أن يتم البحث عن صيغة أخرى قد تكون أكثر جدوى وفاعلية، وعاصمة أخرى في مكان يحدد لاحقاً.
وقال المبعوث الخاص لبوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف: يوم الأربعاء الماضي ، انتهاء مسار أستانة الحالي مع ختام جولته العشرين، بعيد دعوة من الخارجية الكازاخية إلى أن يكون هذا الاجتماع هو الأخير، وذلك يضع تساؤلات عن المسار القادم ودور المعارضة السورية والحكومة السورية فيه.
اجتماع أستانا الـ 20 هو الأخير الذي تستضيفه كازاخستان، حيث سيعقد الاجتماع المقبل في النصف الثاني من العام الجاري، في مكان يحدد لاحقاً. ما يعني أن المسار مستمر لكن ستستضيفه دولة أخرى بعد انعقاد جولاته في أستانا لمدة 6 أعوام،بعدما استنفدت الاجتماعات العشرون التي عُقدت حتى الآن دورها في ما يتعلق بوسائل حل الأزمة السورية وتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة.
قبيل الاجتماع حذر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف من التوقعات العالية، وقال إن طريق التسوية “طريق طويل للغاية، وروسيا تواصل موقفها الثابت”، فيما أعرب نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عن أمله في إحراز تقدم في ما يتعلق بخارطة الطريق.
من الواضح أن هناك عقبات على طريق مسار أستانا تحول دون تحقيق تقدم، وتستدعي البحث عن مقاربات أخرى تقنع الأطراف المعنية بتقديم تنازلات تحقق الهدف النهائي لحل الأزمة السورية.
أهم بنود البيان المشترك الصادر في ختام الجولة 20 للقاء أستانا
أصدر ممثلو جمهورية إيران الإسلامية، وروسيا الاتحادية، والجمهورية التركية كضامنين لصيغة أستانا، بيانا مشتركا حول نتائج الجولة 20 لاجتماعاتهم، وجاء فيه التالي:
1-نظروا في تطور الوضع في العالم وفي الإقليم وأشادوا بالدور الرائد لصيغة أستانا في دعم تحقيق حل مستدام للأزمة السورية.
2-أكدوا مجددا التزامهم بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها ومبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، وأكدوا على ضـرورة احترام هذه المبادئ والامتثال لها عالميا.
3-أشادوا بالدور البناء للمشاورات المنعقدة بين نواب وزراء خارجية روسيا الاتحادية، وجمهورية إيران الإسلامية، والجمهورية العربية السورية، وجمهورية تركيا في مدينة أستانا يوم 20 حزيران/يونيو 2023م، والتي تم خلالها مناقشة سير تحضير خريطة الطريق لإعادة العلاقات بين تركيا وسوريا (بالتنسيق مع وزارة الدفاع ووكالات الاستخبارات للدول الأربع). أشاروا إلى أهمية الاستمرار في بذل الجهود في هذا الملف من أجل تنفيذ اتفاقات اللقاءات الرباعية التي عقدت في موسكو بين وزراء الخارجية في 10 أيار/مايو 2023م وبين وزراء الدفاع في 25 نيسان/أبريل 2023م.
4-أعربوا عن عزمهم على مواصلة العمل المشترك في مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره ومجابهة الأجندات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سوريا وسلامة أراضيها والتي تهدد الأمن القومي لدول الإقليم المجاورة، بما في ذلك الهجمات عبر الحدود وعمليات التسلل. أدانوا أنشطة الجماعات الإرهابية والهياكل المرتبطة بها، التي تنشط بمسميات مختلفة في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك مهاجمة مرافق البنية التحتية المدنية ومخيمات النازحين داخليا، والتي تؤدي إلى خسائر في أرواح الأبرياء. أشادوا بضرورة تنفيذ جميع الاتفاقات المتعلقة بشمال سوريا.
-5ناقشوا الوضع شمال شرق الجمهورية العربية السورية واتفقوا على أن تحقيق الاستقرار والامن المستدامين في هذه المنطقة مرتبط بالحفاظ على سيادة سوريا وسلامة أراضيها. رفضوا جميع المحاولات الرامية لخلق وقائع جديدة “على الأرض”، بما في ذلك عن طريق المبادرات الغير شرعية للحكم الذاتي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. أكدوا عزمهم على مجابهة الأجندات الانفصالية الرامية لتقويض وحدة سوريا والتي تهدد الأمن القومي للدول المجاورة، بما في ذلك الهجمات عبر الحدود وعمليات التسلل، بما في ذلك النابعة من المناطق الواقعة غرب الفرات.
أعربوا مجددا عن رفضهم الاستيلاء والنقل الغير شرعي لعائدات النفط السوري. أدانوا نشاط الدول التي تقدم الدعم للعناصر الإرهابية، بما في ذلك دعم مبادرات الحكم الذاتي الغير شرعية شمال شرق سوريا.
وشدَّد البيان ،بأنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع السوري، وأكد ات الأطراف المشاركة من جديد التزامهم بدفع عملية سياسية قابلة للحياة ودائمة بقيادة سورية وتيسرها الأمم المتحدة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.وأكدوا على “الدور المهم للجنة الدستورية السورية، التي أُنشئت بمساهمة حاسمة من الدول الضامنة لصيغة أستانا، لتنفيذ قرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، في تعزيز التسوية السياسية للصراع في سوريا”. ودعوا إلى عقد الجولة التاسعة للجنة الدستورية من دون مزيد من التأخير، وأكدوا التزامهم بدعم عمل اللجنة من خلال المشاركة المستمرة مع الأطراف السورية في اللجنة والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن كميسر “لضمان عملها المستدام والفعال”.
وجاء في البيان: “استعرض بالتفصيل الأوضاع في منطقة خفض التصعيد بإدلب، وتم الاتفاق على بذل المزيد من الجهود لضمان تطبيع دائم، بما في ذلك الوضع الإنساني في منطقة خفض التصعيد في إدلب وما حولها، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على الهدوء على الأرض من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات بشأن إدلب”.
وأعرب البيان عن “رفض جميع العقوبات الانفرادية التي تنتهك القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة بما في ذلك جميع الإجراءات الانتقائية والإعفاءات المتعلقة بمناطق معينة من سوريا، والتي يمكن أن تؤدي إلى تفكك البلاد، وتسهم في تنفيذ المخططات الانفصالية”.
وشددت الأطراف المشاركة في اجتماع أستانة على ضرورة تيسير العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا، وضمان حقهم في العودة وحقهم في الحصول على الدعم. وفي هذا الصدد، دعوا المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدة اللازمة للاجئين السوريين والنازحين داخليا وأكدوا استعدادهم لمواصلة التفاعل مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والوكالات الدولية المختصة الأخرى. وأشاروا إلى أهمية استمرار العمل لتهيئة الظروف اللازمة في سوريا للعودة الطوعية والكريمة للسوريين.
التطبيع بين سوريا وتركيا
يتمثل الموقف السوري الرسمي في إنهاء الاحتلال التركي لشمال غرب سوريا، والإعلان بوضوح عن استعداد تركيا للانسحاب من الأراضي السورية. وكانت تركيا أكدت في تصريحات رسمية عدم نيتها سحب قواتها من سوريا، حيث تتمركز تركيا في مناطق واسعة من شمال وشمال غربي سورية إلى جانب المعارضة و”هيئة تحرير الشام”، في محافظات الحسكة وحلب والرقة وإدلب.
وتسعى الدولة السورية إلى توسيع مفردة “تنظيمات إرهابية” لتضم فصائل تعتبرها إرهابية متواجدة في مناطق إدلب وريف حلب الشمالي تحت أعين الاستخبارات التركية.
وأكد معاون وزير الخارجية السوري، أيمن سوسان، أن أي نتائج فعلية في “مسار أستانا” يجب أن تستند إلى إقرار تركيا بسحب قواتها من الأراضي السورية، وفقا لجدول زمني واضح وخطوات محددة وعملية. وقال سوسان خلال اجتماع رباعي لنواب وزراء خارجية سورية وروسيا وإيران وتركيا في أستانا، يوم الإربعاء الماضي ، إنَّ “سحب أنقرة لقواتها وفق جدول زمني واضح يشكل الأساس لبحث المواضيع الأخرى المتعلقة بعودة اللاجئين ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله والعلاقات بين البلدين”.
المعارضة السورية هي الخاسر الأكبر
يرى المحللون للشأن السوري، أنَّ الانفتاح العربي الأخير على الدولة السورية ،سوف يكون له تداعيات على وضع المعارضة السورية التي كان وفدها مشاركًا في الجولة ال20 من مباحثات أستانا في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان .فالمعارضة السورية تعاني من الوهن، ولا تمتلك أي مشروع وطني ديمقراطي لحل الأزمة السورية بعيدًا عن الأجندات الدولية الغربية، وهي متمسكة بقرار مجلس الأمن رقم 2254.
ومسار “أستانا”، انطلق في كانون الثاني/ يناير 2017، في العاصمة الكازاخية أستانا، بهدف إيجاد حل سياسي، وإنهاء الصراع بين المعارضة السورية والنظام بضمانة كل من تركيا وروسيا وإيران، وأفضى إلى اتفاق مناطق “خفض التصعيد”، وسط اتهامات لروسيا باستخدام هذا المسار لفرض رؤيتها للحل في سوريا.
وكانت تقارير إخبارية قد تحدثت عن نقاشات بشأن تغيير مقر مباحثات اللجنة الدستورية من جنيف إلى عواصم عربية، نزولاً عند اعتراض روسيا، بسبب صراعها مع الغرب على خلفية الملف الأوكراني.وعدّت موافقة المعارضة على نقل مقر المباحثات بعيداً عن جنيف “تنازلا تحت تأثير تغييرات الموازين السياسية بعد التطبيع العربي مع النظام السوري”.
ومنذ أعلنت تركيا استعدادها للتطبيع مع سوريا، إلا أن هذا التطبيع لم يحصل بسبب شرط انسحاب تركيا من الأراضي السورية كما تريد القيادة السورية .فالمعارضة السورية استنفدت في الوقت الراهن دورها الوظيفي المنوط بها، ومع حصول تفاهم تركي- روسي بانتقال لقاءات اللجنة الدستورية من جنيف إلى مسقط أو القاهرة كما تطالب القيادة السورية ، فإنَّ المعارضة ستوافق على القبول بذلك.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
انتهى مسار أستانة بالاسم، لكنَّه مستمر من خلال التوافق بين تركيا وروسيا وإيران، والتوافقات بينها هي ما ترسم التطورات الميدانية على الأرض.ومن الأمور الإيجابية في اجتماع أستانة الأخير، أنَّ الدولة الوطنية السورية أصبحت طرفا شريكًا للدول الضامنة،إذ إنَّ المسار التفاوضي المستقبلي سيقوم على نقاشات وتفاهمات ما بين الدول الثلاث، والدولة السورية جزء منها، في حين أنَّ المعارضة ليست جزءاً من المسار، من دون أن يعني ذلك خروج المعارضة بشكل كامل، لأنَّ تركيا تراعي دائماً مصالح المعارضة السورية، وهي تتقاطع مع مصالحها القومية أساساً.
لعل من أهم ما يعترض مسار أستانة ،أنَّ الجانب التركي ليس مستعداً بعد للقبول بمطالب سوريا الداعية إلى انسحاب القوات التركية من كامل الأراضي السورية كمقدمة لا بد منها لتطبيع العلاقات، إذ إن أنقرة تربط تواجدها بما تعتبره تهديدات إرهابية من جانب حزب العمال الكردستاني الذي يجد دعماً من”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
والإشكالية الأخرى تتعلق بالتواجد العسكري الأمريكي من خلال القواعد الموجودة في حقول النفط، وفي منطقة التنف، والتي تتخذ من مواجهة الإرهاب ذريعة لوجودها، غير أنها في الواقع توفر دعماً ل”قوات سوريا الديمقراطية” لخلق أمر واقع على الأرض من خلال تشجيع ودعم الأكراد من أجل إقامة منطقة حكم ذاتي، بمعزل عن إرادة السلطة السورية.
هذا الموقف الأمريكي يندرج في إطار الضغط على دمشق وعدم السماح لها ببسط سلطتها على كامل الأراضي السورية، وبالتالي عرقلة أية جهود للحل وعودة الاستقرار.
وفي الفترة الأخيرة زودت الولايات المتحدة “قوات سوريا الديمقراطية”( قسد) بمنظومة صواريخ”هيمارس” المتطورة، ونقل موقع “ميدل إيست أي” الأمريكي، عن مصدر من القيادة المركزية الأمريكية، تأكيده وجود منظومة صواريخ “هيمارس” في سوريا، مشيراً إلى أن الغرض منها “حماية القوات الأمريكية”. واستقدمت القوات الأمريكية منظومة هيمارس إلى قاعدة التنف أولاً، ومن ثم قبل عام تقريباً نشرت هذه المنظومة في منطقة شرق الفرات.
وتأتي الخطوة الأمريكية في سياق تعرض القواعد الأمريكية شمال شرق سوريا إلى هجمات جديدة من قبل فصائل المقاومة المدعومة من إيران بالاتفاق مع روسيا، كما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
ويشير الخبراء العسكريون أنَّ الولايات المتحدة تستعد في سوريا لحرب روسية إيرانية بالوكالة، ومن الواضح أن الوضع في سوريا يتجه إلى مزيد من الاحتكاك العسكري الروسي-الأمريكي ، ومن هنا تكمن خطورة نشر هذه الصواريخ الأمريكية، إضافة إلى المقاتلات الأمريكية من طراز أف22 المتطورة.