أسرار عدوان حزيران عام 1967 بين جونسون وأشكول والملك فيصل
بقلم: د. غازي حسين

بدأت «إسرائيل» تخطط لتوسيع حدودها للمرة الثانية بعد حرب عام 1948 العدوانية منذ عام 1963 بعد تولي ليفي اشكول رئاسة الحكومة، وطرح موضوع توسيع الحدود مع رئيس أركان الجيش زفي تسور ونائبه اسحق رابين، وأبدى الجنرال تسور انطلاقاً من الوثائق الإسرائيلية بأن الحدود المثالية للكيان الصهيوني ستكون نهر الأردن شرقاً، ونهر الليطاني شمالاً وقناة السويس كحد فاصل مع مصر جنوباً.
عرضت القيادة العسكرية في تموز 1963 خطة على رئيس الوزراء اشكول باسم «السوط» لغزو واحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية العاصمة الثانية للمملكة الهاشمية، وعينت الجنرال حاييم هيرتسوغ في كانون أول 1963 حاكماً عسكرياً للضفة الغربية بعد احتلالها، وأكد هرتسوغ بأن الجيش الإسرائيلي جهّز سلفاً ملفات إرشادية وزعها على الحكام العسكريين المرشحين لإدارة الضفة الغربية المحتلة في المستقبل، وتضمنت كيفية إدارة السكان المدنيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، واحتوت الخطة الثانية «بناي أور» إعادة رسم الحدود الجديدة مع كل من مصر وسورية والبقاء فيها حتى توافقان على توقيع اتفاقات سلام نهائية مع إسرائيل تشمل تعديلات على الحدود الحالية للوصول إلى حدود آمنة يمكن الدفاع عنها تبريراً للتوسع الإسرائيلي القادم.
واستقر رأي قادة الكيان الصهيوني حول مصير الضفة الغربية إما ضمها أو إقامة دويلة فلسطينية كمصلحة إسرائيلية بشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وحدود التقسيم والهدنة، وفرض الحل الإسرائيلي للقضية وإنهاء الصراع العربي الصهيوني.
وعندما كانت حرب اليمن على أشدها للقضاء على الجمهورية اليمنية، حيث أدارتها السعودية والولايات المتحدة وبعض القبائل من جهة والجيش المصري بقيادة جمال عبد الناصر وأنصار الجمهورية اليمنية الفتية من جهة أخرى وبالتحديد في تشرين الثاني 1966 شكلت حكومة ليفي اشكول مجموعتي عمل استراتيجيتين من استخبارات الجيش والموساد ووزارة الخارجية وأنهتا عملهما في كانون الثاني1967، ووافق رئيس الوزراء اشكول على تقريرهما.
وارتأى بعض قادة العدو بأن المملكة الهاشمية تشكل مصدر ضرر لإسرائيل لأنها لا تستطيع غزو الضفة واحتلالها ما دام الملك حسين على رأس الحكم، واتفقوا أخيراً على صيغة مخادعة ومضللة كعادة اليهود في الكذب والتضليل والمراوغة لتبرير أهدافهم الشيطانية الاستعمارية والعنصرية والإرهابية وهي: «يقبل الجيش الإسرائيلي بالوضع الحالي بانتظار الفرصة المناسبة لتغيير الأمر الواقع وخلق وضع مريح وموآت لإسرائيل لتغيير الخط الأخضر الذي يمثل تهديداً لقلب إسرائيل».
وواجه أصحاب القرار مصير الضفة الغربية بعد احتلالها وماذا تفعل بها، وما إذا كان باستطاعتها ضمها إليها بدون أن تتحول مع الوقت إلى سرطان خطير يهود وجود إسرائيل من الداخل، لذلك ارتأوا «العمل على إقامة دويلة فلسطينية يتولى الجيش الإسرائيلي شؤون الدفاع والأمن الداخلي والسياسة الخارجية فيها لتصفية قضية فلسطين».
أصبح موضوع احتلال الضفة الغربية مطروحاً، ولكن بعضهم عارض ذلك خشية من المعضلة الديمغرافية الفلسطينية التي ستواجهها «إسرائيل» نتيجة الغزو والاحتلال والضم، وحذر إيلعاد بيليد مدير كلية الدفاع الوطني من أن السكان العرب سيزيد عددهم في إسرائيل عن عدد اليهود في عام 2035، وفي حال عدم تجريدهم من حقوقهم المدنية فسيؤدي ذلك إلى تجريد الدولة من هويتها اليهودية.
وتضمنت الخطط التي وضعها قادة العدو مهاجمة سورية واحتلال الجولان حتى مدينة القنيطرة.
زعمت «إسرائيل» واللوبيات اليهودية والإعلام الصهيوني أن القائد العربي جمال عبد الناصر سيهاجم «إسرائيل»، وهي تعرف حق المعرفة أنه لم يكن يخطط لمهاجمتها، ولكنه لا يسمح لإسرائيل بمهاجمة قطاع غزة أو الضفة الغربية أو الجولان.
وصوّر الإعلام الغربي إسرائيل بالحمل الوديع والذي يريد جمال عبد الناصر وأحمد الشقيري القضاء عليها.
وهاجمت إسرائيل مصر في الصباح الباكر من الخامس من حزيران عام 1967 وانتهت الحرب المفاجئة بانتصار سهل وسريع للعدو الصهيوني.
ولعبت المخابرات المركزية والدبلوماسية الأمريكية داخل الأمم المتحدة وخارجها والموساد دوراً كبيراً في الانتصار الإسرائيلي.
وكان الجيش الإسرائيلي قد وضع في بداية عام 1964 مخططاً لتوسيع حدود إسرائيل باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وصحراء سيناء والجولان. ووافقت عليه حكومة اشكول، وقررت انتظار الفرصة المناسبة لتحقيقه.
وجاءت الرسالة التي وجهها الملك فيصل بن عبد العزيز إلى الرئيس الأمريكي ليندون جونسون في 27 كانون أول 1966 لتعطي العدو الإسرائيلي الذريعة والمبرر لشن حربها العدوانية وتحقيق أطماعها الاستعمارية.
جاءت الرسالة في خضم حرب اليمن التي قادتها السعودية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية للإطاحة بالجمهورية اليمنية والتي أرسل القائد العربي جمال عبد الناصر الجيش المصري للدفاع عنها.
جاءت الرسالة لتعطي العدو الإسرائيلي الفرصة لتوسيع حدوده وتهويد القدس، وشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والقبول بالحل الإسرائيلي لقضية فلسطين.
فما هو فحواها؟
لقد تضمنت الرسالة التي حملت رقم 342 من أرقام وثائق مجلس الوزراء السعودي (ولدي صورة عنها) ما يلي: «من كل ما تقدم يا فخامة الرئيس تبين لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعاً، وأن هذا العدو إن تُرك يحرّض ويدعم الأعداء عسكرياً وإعلامياً، فلن يأتي عام 1970 (كما قال الخبير في إدارتكم السيد كيرميت روزفلت) وعرشنا ومصالحنا في عدم الوجود… لذلك فإنني أبارك، ما سبق للخبراء الأمريكان في مملكتنا أن اقترحوه لأتقدم بالاقتراحات التالية: تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولي به على أهم الأماكن الحيوية في مصر لتضطرها بذلك، لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط، بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طويلة، بذلك نعطي لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا في مملكتنا فحسب، بل وفي البلاد العربية، سورية هي الثانية التي لا يجب أن تسلم من هذا الهجوم، مع اقتطاع جزء من أراضيها، كيلا تتفرغ هي الأخرى فتندفع لسد الفراغ بعد سقوط مصر.
لا بد أيضاً من الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة، كيلا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك، وحتى لا تستغلهم أية دولة عربية بحجة تحرير فلسطين، وحينها ينقطع أمل الخارجين منهم بالعودة، كما يسهل توطين الباقي في الدول العربية، نرى ضرورة تقوية الملا مصطفى البرزاني في شمال العراق، بفرض إقامة حكومة كردية مهمتها إشغال أي حكم في بغداد يريد أن ينادي بالوحدة العربية شمال مملكتنا في أرض العراق سواء في الحاضر أو المستقبل».
واختتم الملك رسالته بقوله: «إنكم ونحن متضامنين جميعاً سنضمن لمصالحنا المشتركة ولمصيرنا المعلق بتنفيذ هذه الاقتراحات أو عدم تنفيذها، دوام البقاء أو عدمه».
وبالفعل، فقد اتفق رئيس وزراء العدو الصهيوني ليفي اشكول مع الرئيس ليندون جونسون على عملية «اصطياد الديك الرومي» أي إشعال إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية حرب حزيران العدوانية واستغلال الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة لإجبار مصر والأردن وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية على توقيع اتفاقات إذعان كما حدث في اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وموافقتهم على الحل الصهيوني لقضية فلسطين، بتهويد القدس وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وإنهاء الصراع العربي الصهيوني، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية، وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية كقائد ومركز من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.